إن من أهم أسباب عدم التيقظ الذي يؤدي إلى نسيان المقصد ونسيان لزوم المسير، إلى إماتة العز والإرادة هو أن يظن الإنسان أن في الوقت متسعاً للبدء بالسير، وإنه إذا لم يبدأ بالتحرك نحو المقصد اليوم، فسوف يبدأه غداً، وإذا لم يكن في هذا الشهر فسيكون في الشهر المقبل.
فإن طول الأمل هذا امتداد الرجاء، وظن طول البقاء والأمل في الحياة ورجاء سعة الوقت، يمنع الإنسان من التفكير ف المقصد الأساسي الذي هو الآخرة، ومن لزوم السير نحوه ومن لزوم اتخاذ الصديق وتهيئة الزاد للطريق، ويبعث الإنسان على نسيان الآخرة ومحو المقصد م فكره، ولا قدر الله. إذا أصيب الإنسان بنسيان للهدف المنشود في رحلة بعيدة وطويلة ومحفوفة بالمخاطر مع ضيق الوقت وعدم توفر العدة والعدد رغم ضرورتها في السفر، فإنه من الواضح أنه عندما يحين وقت السفر يشعر بالتعاسة ويتعثر ويسقط في أثناء الطري، ويهلك دون أن يهتدي إلى سبيل.
وقد قال الإمام علي عليه السلام "لو رأى العبد أجله وسرعته إليه، أبغض الأمل..." وأيضاً قال: "الأمل حجاب الأجل".
كما ورد عنه أيضاً: "إن الأمل يسهي القلب، ويكذب الوعد، ويكثر الغفلة، ويورث الحسرة".
إن طول الأمل المعشعش عندا والناجم من حب النفس ومكائد الشيطان المعلون ومغرياته يمنعنا من الاهتمام بعالم الآخرة ومن القيام بما جيب علينا.
حيث قال أمير المؤمنين عليه السلام: "أطول الناس أملاً أسوؤهم عملاً" "من اتسع أمله، قصر عمله" وقال عليه السلام: "أما طول الأمل فينسي الآخرة".
وبالتالي ننسى تدارك الذنوب بالتوبة والإنابة والرجوع إلى طريق الله، ولا نعمل على تهيئة زاد وراحلة، فنرحل دون العلم الصالح، والعلم النافع اللذين تدور عليهما مؤونة ذلك العالم، ولم نهيئ لأنفسنا شيئاً منهما.
فنسيان الآخرة من الأمور التي يخافها علينا أمير المؤمنين عليه السلام ويخاف علينا من الباعث لهذا النسيان وهو طول الأمل، لأنه يعرف مدى خطورة هذه المرحلة، ويعلم ماذا يجري على الإنسان الذي يجب أن لا يهدأ لحظة واحدة عن التهيؤ وإعداد الزاد والراحلة عندما ينسى العالم الآخر، ويستهويه النوم والغفلة من دون أن يعلم أن هناك عالماً آخر وأن عليه أن يسير إليه حثيثاً.
وإننا راحلون عن هذه الدنيا شئنا أم أبينا، فعلينا بقصر الأمل والتزود من الدنيا، وقد روي عن الباقر عليه السلام أنه قال: تزوّد م الدنيا بقصر الأمل" وإلا أصبحنا فقراء مساكين نسير نحو شقاء لا سعادة فيه وذلة لا عزّة فيها وفقر لا غناء معه وعذاب لا راحة منه، وقد قال الباقر عليه السلام: "استجلب حلاوة الزهادة بقصر الأمل". ولنحدّث أنفسنا مع الإمام الخميني حيث قال:
فيا أيها القلب الغافل! انهض من نومك وأعدَّ عدّتك للسفر، "فقد نودي فيكم بالرحيل" وعمال عزرائيل منهمكون في العمل ويمكن في كل لحظة أن يسوقوك سوقاً إلى العالم الآخر، ولا تزال غارقاً في الجهل والغفلة.