مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

فقه القائد: تقليد الثقافة الغربية


الشيخ محمد توفيق المقداد


من المميزات المهمة للدين الإسلامي أنه لا يفرض على أتباعه ومريديه الانغلاق عن الآخرين ووضع الحواجز والسدود بينهم وبين الآخرين من سائر الملل والأديان. بل يدعو بكل قوة وجرأة ووضوح إلى مد جسور العلاقات الإنسانية على قاعدة التشاور والتناصح والتعاون لما فيه خير الإنسانية جمعاء من خلال ربطها بالله سبحانه مصدر وجود الإنسان وسبب استمراريته.
والدعوة إلى الانفتاح على الآخرين مردها إلى أن الله عز وجل خلق الإنسان ليتعرف إيه ويعبده ويبني الحياة على ضوء القانون الإلهي الذي لا يختص بالمسلمين وحدهم وإن كانوا هم الذين اعتنقوه قبل غيرهم.


ومن الواضح أن لكل شعب وأمة ثقافته النابعة عن عقيدته وعن المبدأ الفكري الذي يرتكز عليه، وهذه الثقافة تشمل أنماطاً من العادات والتقاليد والأعراف ونماذج من السلوك على المستويين الفردي والاجتماعي، وفي هذا المجال قد تلتقي الشعوب في قسم من هذه الأنماط والنماذج وقد تفترق تبعاً للمنطلقات الفكرية.
والإسلام في هذا المجال لا يمنع اتباعه من التفاعل مع الآخرين في كل الأنماط والنماذج المذكورة طالما كانت لا تخرج عن حدود وضوابط الشريعة الإسلامية، خاصة أن الإسلام دين يحترم كل ما لدى الشعوب في هذا المجال وإن كان بعض ما هم عليه لا تنطبق عليه ضوابط الإسلام وهم يمارسونه فيما بينهم ويرونه شيئاً مألوفاً.

واحترام الإسلام لما عند الشعوب غير الإسلامية نابع من النظرة الرحيمة للخالق التي يريد لها أن تنعكس عند المسلمين في شخصياتهم وممارساتهم فيما بينهم ومع الآخرين أيضاً، لينفتح من خلال ذلك باب الحوار والدعوة إلى الله بالحسنى عبر وسائل إيجابية تجعل الآخرين يشعرون بأهمية الإسلام الذي يحترم إنسانية الإنسان التي هي القاسم المشترك ويريد للجميع أن يتعاملوا مع بعضهم البعض انطلاقاً من ذلك من دون أن يمارس بعضهم عملية استقواء على البعض الآخر في هذا المجال.

لكن ما يؤسف له في هذا المجال هو أن نرى أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر اليوم رمز الثقافة الغربية تحاول تعميم هذا النموذج على كل الشعوب والأمم على حساب تاريخ وتراث تلك الشعوب، ومن دون نظر إلى عمق ارتباط تلك الشعوب بتراثها وتاريخها، والمنطلق في هذا لاسعي هو الوهم الذي يعيشه أرباب الثقافة الغربية على أن ثقافتهم هي الأقوى والأجدر والقادرة على تحرير الشعوب من ماضيها الذي تريد جره إلى الحاضر وهو الذي يمنعها من الانطلاق نحو اللحاق بالنموذج الثقافي الغربي الذي عندما تحرر من ماضيه وتاريخه ارتقى ووصل إلى ما هو عليه اليوم من التقدم والازدهار.

ومحاولة لا أرباب الثقافة الغربية لتعميم ثقافتهم تقوم على وسائل غير سليمة وغير شريفة أحياناً، حيث نراهم يعتمدون أساليب التهديد أو الابتزاز أو تسخير الإعلام لتشويه ثقافات الآخرين وبالأخص تشويه الثقافة الإسلامية التي ما زالت قوية في أوساط المسلمين وتمنعهم من الذوبان في جو الثقافة الغربية وتحلل شخصيتهم فيها، ومن هنا نفهم المحاولات المتكررة سواء في مجال تأليف الكتب أو البرامج الإذاعة والتلفزيونية أو من خلال شاشات السينما عبر الأفلام التي تصور المسلمين وثقافتهم وكأنهم يعيشون خارج حدود هذا العالم ولا يريدون أن ينخرطوا في الواقع المعاصر ليكونوا جزءاً منه، وأنهم يعملون على تدمير إنجازات الحضارة الغربية والإنسانية لإعادتها إلى الوراء، وهذا ما نراه من خلال الترويج السلبي عن نظرة الإسلام إلى الزواج والمرأة وقضايا الحرية والمساواة وما شابه ذلك.

الإسلام كما قلنا وفق المبدأ الأساس فيه أنه لا يحرم على المسلم التفاعل مع الآخرين بل يشجع عليه ويؤكد ولكن وفق ضوابطه التي لا تريد للمسلم أن يخرج عن إطار التزامه الديني والأخلاقي، والسلوكي، ولهذا توجد لدينا في الإءْلام قاعدة ثلاثية أو رفض ما عند الآخرين، ومفردات هذه القاعدة الثلاثية هي التالية:

أولاً: إن كل ما عند الشعوب الأخرى من ثقافة أو حضارة أو تقدم علمي أو أي شي‏ء خر إذا كان موافقاً للضوابط الإسلامية، أو إذا كان غير مخالف لها في الحد الأدنى لا مانع من الأخذ به وترويجه بين المسلمين إذا كان مفيداً لهم ونافعاً في التخفيف من معاناة ما أو تعب ما، وهذا ما نراه بأم العين في أوساط عالمنا الذي يتعامل مع نتاج الحضارة والثقافة الغربيتين بشكل إيجابي في هذه المجالات غير المتنافية مع ضوابطنا الإسلامية، ولهذا نرى أن أكثرية نتاج الحضارة الغربية وثقافتها منتشر بين المسلمين ولا أحد يعترض على ذلك، بل لا يحق لأحد الاعتراض مبدئياً في هذا المجال لأن الإسلام يؤمن بالتقارب والتفاعل بين الشعوب إذا كان كل ذلك يخدم الإنسان بما هو إنسان بغض النظر عن الدين واللون والجنس واللغة والأرض.

ثانياً: إذا كان بعض ما لدى الثقافات والحضارات أخرى يتنافى مع ضوابط الإسلام ولا ينسجم مع المنظومة الفكرية أو السلوكية الإسلامية، فهو مرفوض، لأن الإسلام يرى فيه ابتعاداً عن الأهداف الإلهية المطلوب من المسلمين تحققها في حياتهم، ولهذا نرى أن الكثير من مفردات الثقافة الغربية القائمة على التحلل الأخلاقي والإباحة الجنسية والممارسات التي تسلخ عن الإنسان إنسانيته وتجعله أقرب إلى الحيوانية والبهيمية هي مرفوضة إسلامياً ولا يمكن القبول بها لأنها تمتهن كرامة الإنسان وتجعله سلعة من السلع في سوق العرض والطلب لا غير. وسبب الرفض هنا ليس نابعاً عن مجرد استحسان شخصي أو عن حس عنصري، وإنما عن التزام واع ومدرك وهادف، فمثلاً الإسلام يأمر بالمرأة بالستر والحجاب ويرى فيه صوناً لإنسانيتها وإخراجاً لها من دائرة الإغواء والإغراء والشهوة واللذة الضيقة إلى دارة الإنسانية الواسعة، بينما الثقافة الغربية تدفعها إل السفور والعري حتى الفاضح منه والذي يتجلى في ممارسات شاذة تأنف منها النفوس وتشمئز منها الطباع السليمة المحافظة على الفطرة الصحيحة، أو ما يشاع الآن في الغرب عن تشريع تدخين واستعمال المخدرات أو تشريع محرمات العلاقة بين الرجل والرجل من جهة، أو المأة والمرأة من جهة أخرى، أو بين الرجال والنساء من جهة ثالثة، وغير ذلك كثير مما قد صار متعارفاً بأنه من نتاج الثقافة الغربية الداعية إل الحرية الفردية والمطلقة التي تتجاوز حدود المسؤولية للتحول إلى فوضى مدمرة للحياة الإنسانية جمعاء.

ثالثاً: إذا كان ما لدى الثقافة الغبية أو غيرها من الثقافات مما هو غير واضح المعالم من جهة إيجابياته، أو سلبياته، لأنه قابل لهما معاً، فالإسلام لا يمنع من الأخذ بالجهة الإيجابية من هذه الأمور وفق ضوابطه لكنه يمنع من الاستفادات السلبية من تلك الأمور فمثلاً نرى أن الغرب قد ابتدع في ثقافته أنماطاً من اللباس للمرة يكشف الكثير من جسدها ولا يبقي مستوراً منه إلا القليل، فهنا لا مانع للمرأة المسلمة من أن تستفيد من مثل هذه الألبسة ولكن وفق ضوابط الإسلام وحرصه الدائم على أن تلتزم المرأة جانب الإنسانية من شخصيتها في المجتمع العام، ولكن لا مانع من أن تمارس حريتها في الاستفادة من هذا النمط من اللباس في عالمها الخاص بها حيث يجوز ذلك، وهكذا في العديد من هذه المفردة التي ذكرناها.

وللاستيضاح أكثر لا بأس بذكر نماذج من استفتاءات الإمام القائد ولي أمر المسلمين آية الله العظمى الإمام الخامنئي "دام ظله" في هذا المجال:
* استفتاء: هل يجوز شرعاً أو قانوناً أو عرفاً ارتداء الألبسة المصنوعة من الأقمشة الأجنبية؟
* الجواب: مجرد كون الألبسة مصنوعة من الأقمشة الأجنبية لا يمنع من جواز بيعها وشرائها ولبسها.

* استفتاء: هل يجوز ارتداء اللباس المطبوع عليه أحرف وصور أجنبية وهل يعد هذا اللباس نشراً للثقافة الغربية؟
* الجواب: لا مانع منه في نفسه ما لم تترتب عليه مفاسد اجتماعية، وأما كونه نشراً للثقافة الغربية المهاجمة فموكول إلى نظر العرف.

* استفتاء: شاع في الآونة الأخيرة استيراد الألبسة الأجنبية وبيعها وشراؤها واستعمالها داخل البلد فما هو حكم ذلك مع الالتفات إلى تصاعد الهجوم الثقافي الغربي على الثورة الإسلامية؟
* الجواب: لا مانع من استيراد وبيع وشراء واستعمال الألبسة لمجرد كونها مستوردة من البلاد غير الإسلامية، وأما ما كان منها ينافي إشاعة للثقافة الغربية المهاجمة فلا بد من المراجعة فيها إلى المسؤولين المختصين بذلك حتى يمنعوها.

* استفتاء: ما هو حكم بيع الصور والكتب والمجلات التي لا تحتوي صراحة على أمور قبيحة ومبتذلة ولكن تحاول تلميحاً إيجاد جو ثقافي غير إسلامي؟
* الجواب: يحرم بيع وشراء كل ما يهدف إلى ضياع الشباب وإفسادهم ويسبب أجواء ثقافية فاسدة ويجب التحرز والاجتناب عنها.

* استفتاء: هل يجوز للنساء المشاركة في مراسم الاستقبال والترحيب التي تقوم بها الوزارات والإدارات الحكومية وغيرها للترحيب وتقديم الزهور للوفود؟ وهل يصح تبرير استقبال النساء للوفود الأجنبية وتقديم الزهور إليهم مع عدم مرافقة النساء مع تلك الوفود بأننا نريد أن نظهر للبلاد غير الإسلامية حرية واحترام المرأة؟
* الجواب: لا وجه لدعوة النساء للمشاركة في مراسم الاستقبال والترحيب بالوفود الأجنبية، ولا يجوز ذلك إذا كان موجباً للمفاسد ونشر الثقافة غير الإسلامية المعادية للمسلمين.
والحمد لله رب العالمين‏


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع