الشيخ محمد توفيق المقداد
من الواضح جداً أن مفهوم الأمة في الإسلام يشمل كل مسلم منضبط في عقيدته بمعنى الاعتراف بالأصول العامة للعقيدة (التوحيد والنبوة والمعاد)، ولا ينكر بالتالي ضرورة من ضرورات الإسلام، والآيات والروايات صريحة وواضحة الدلالة في هذا المعنى حيث يقول الله عز وجل: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ وكذلك قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المسلمون يد على من سواهم، تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم" ويقول صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "المسلمون كالرجل الواحد إذا اشتكى عضو من أعضائه تداعى له سائر جسده".
وانطلاقاً من هذا المفهوم القرآني والروائي للأمة في الإسلام، نجد أن اختلاف اللون واللغة والعرق والنسب والأرض لا يمكن أن تكون عائقاً أو مانعاً من وحدة الأمة ومن صدق عنوانها على الجميع بالسوية والتوازن طبقاً لقوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ووفقاً لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
ومن هنا نفهم كيف أذاب الإسلام هذه الفوارق في بداية عهود الدعوة وجمع محمداً العربي وسلمان الفراسي وبلالاً الحبشي وصهيباً الرومي وأزال الفوارق بين هؤلاء جميعاً وجعله إخوة متحابين طبقاً لقوله تعالى (إنما المؤمنون أخوة) وطبقاً لما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المجال: "المسلمون أخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى".
مما سبق كله يتضح أن كل أرض يسكنها مسلمون هي للأمة الإسلامية جمعاء، وعليهم أن يحافظوا عليها كما يحافظون على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم وممتلكاتهم، وأهلها سكانها هم أمناء الأمة الإسلامية كلها في تلك الأرض، ومن واجبهم أن يدفعوا عنها الأذى والاعتداء من جانب الآخرين من غير أبناء الأمة الواحدة، ولا يحق لشاغلي تلك الأرض أن يتصرفوا في ثرواتها ومواردها وخيراتها بخلاف مصالح المسلمين في تلك المنطقة وفي العالم، بل عليهم أن يتصرفوا فيها بما يتوافق مع تقوية موقعهم وموقع المسلمين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لتكون الأمة كلها قادرة على تحمل مسؤولياتها كاملة.
وكذلك لو تعرضت بعض بلاد المسلمين للاحتلال جزئياً أو كلياً وجب على المسلمين لا من الناحية العقائدية فقط، بل وفق الحكم الشرعي التكليفي أن يهبوا جميعاً لدحر وإزالة آثاره المادية والمعنوية عن تلك الأرض الإسلامية، ولا يحق لأي مسلم أن يدَّعي بأنه ليس من ذلك الشعب المسلم أو لا علاقة له بتلك الأرض الإسلامية، ومن يتعامل بهذا النحو السلبي فهو خارج عن إطار الأمة ومتقاعس عن القيام بواجبه الشرعي الذي يفرضه عليه انتماؤه لهذا الدين العظيم.
فالانتماء للإسلام ليس مجرداً عن مفاعيله ولوازمه من النواحي المتعددة التي ينبغي على المسلمين جميعاً أن يلتزموا بها، وقد وردت الأحاديث الكثيرة التي توضح هذا الأمر بما لا مزيد عليه كالنصوص التي سقناها في بداية هذه المقالة، فالمسلم ينبغي أن يعيش الشعور بالعزة والقوة والكرامة عندما يحقق المسلمون في أي موقع من المواقع نصراً لأنه جزء من ذلك النصر، وعندما يصاب المسلمون في أي موقع بنكسة عليه أن يشعر بالحزن والألم لأنه جزء من كل ذلك، وهذا ما يدل عليه الحديث الذي يجعل المسلمين كالجسد الواحد الذي يتألم كله عندا يمرض جزء منه وفي أي موضع من ذلك الجسد.
فالإسلام يعتبر أن الرابط العقائدي والإيماني الذي يربط ما بين أبنائه والمنتمين إليه أقوى من كل الروابط الأخرى ويتقدم عليها في التأثير فيما بين المسلمين، والروابط الأخرى لا ينبغ أن يقدمها المسلم على رابطة الإسلام، بل ينبغي أن تكون من الروابط المؤدية إلى تقوية الرابط العقائدي لأنه الأساس المتين الذي أراده الله أن يشد جسد الأمة كلها، فلا يتسلل إلى هذا الجسد القوي والمتين ضعف أو وهن نتيجة روابط أقل أهمية وتأثيراً ويمكن أن تلعب أدواراً سلبية أحياناً.
ومن أبرز القضايا في هذا لازمن والمرتبطة بالمسلمين جميعاً هي "قضية فلسطين المحتلة" التي دنس أرضها شتات يهود العالم الذين تجمعوا فيها من كل حدب وصوب وطردوا شعبها المسلم منها والذي تفرق في كل دول العالم، وإن كان أكثر أفراد ذلك الشعب يعيش لاجئاً في الدول العربية المجاورة لفلسطين.
إن تلك الأرض فضلاً عن إسلاميتها فإنها تتضمن مقدسات دينية إلهية عامة وإسلامية بالخصوص كالمسجد الأقصى وكنيسة القيامة ومقام النبي إبراهيم الخليل عليه السلام، وغير ذلك الكثير من القامات الدينية المقدسة عند أهل الأديان السماوية عموماً.
فاحتلال فلسطين هو قضية المسلمين جميعاً بمن فيهم العرب والفلسطينيون وقضية تحريرها لا تخص الشعب الفلسطيني وحده، بل يجب على المسلمين جميعاً أن يهبوا لتحريرها وتحرير مقدساتها من رجس الاحتلال الصهيوني وإزالة آثاره.
من هنا فإن كل اتفاق أو معاهدة أو صلح مع ذلك العدو يكون حساب حقوق الأمة الإسلامية في أرض فلسطين هو اتفاق خياني ولا يمكن أن يكون ملزماً للأمة الإسلامية بأي شيء، ولهذا فإن "اتفاق أوسلو" وما تبعه من اتفاقيات خصوصاً الأخير منها وهو "اتفاق واي بلانتشن" هي ساقطة عن الاعتبار، لأن أرض فلسطين ليست ملكاً للشعب الفلسطيني وحده حتى تقوم قيادته بالتخلي عن تلك الأرض المقدسة والتنازل عنها للعدو بواسطة تبريرات واهية وأدلة غير مقنعة لأحد، ودعواه بأن أرض فلسطين هي ملك لأبنائها فقط وهم أحرار في اتخاذ القرار الذي يرونه مناسباً كما أدعت تلك القيادة المنحرفة التي تريد اختصار الشعب الفلسطيني والعربي والأمة الإسلامية لتبرر لنفسها توقيع تلك الاتفاقيات الخيانية التي لا يمكن لأي مسلم أن يعطيها شرعية من أي نوع كان لأنه من غير المسموح إسلامياً إعطاء تغطية شرعية لاتفاقيات فيها تفريط واضح وجلي بحقوق الأمة الإسلامية في أرض فلسطين أو أية أرض أخرى يحتلها أعداء الأمة ويريدون إعطاء احتلالهم شرعية من خلال تناول الساكنين المسلمين في تلك الأرض.
وبالرجوع إلى فتاوى الإمام الخميني قدس سره والتي هي نفس فتاوى القائد ولي أمر المسلمين آية الله العظمى الإمام الخامنئي (دام ظله) نجد الفتاوى التالية في هذا المجال الحيوي والمهم والذي لا بد لكل مسلم من معرفته والإلمام به: مسألة(1): لو غشي بلاد المسلمين أو ثغورها عدو يخشى منه على بيضة الإسلام ومجتمعهم يجب عليهم الدفاع بأية وسيلة ممكنة من بذل الأموال والنفوس، ولا يشترط أن يكون ذلك الدفاع بإذن الإمام المعصوم عليه السلام ولا نائبه الخاص أو العام، بل يجب الدفاع بكل وسيلة ممكنة ومقدورة للمسلمين وكذلك يجب الدفاع لو حاول العدو احتلال المزيد من أرض المسلمين.
* مسألة(2): لو أوقعت إحدى الدول الإسلامية عقد رابطة مخالفة لمصلحة الإسلام والمسلمين يجب على سائر الدول الإسلامية السعي لإسقاط ذلك بوسائل سياسية أو اقتصادية كقطع الروابط السياسة والتجارية، ويجب على سائر المسلمين الاهتمام بذلك بما يمكنهم من المقاومات السلبية، وأمثال تلك العقود محرمة وباطلة في شرع الإسلام.
* مسألة(3): لو خيف على إحدى الدول الإسلامية من هجمة الجانب يجب على جميع الدول الإسلامية الدفاع عنها بأية وسيلة ممكنة كما يجب على سائر المسلمين.
من هنا يجب على كل المسلمين - فلسطينيين وعرباً وأبناء القوميات الأخرى - أن يهبوا ويعملوا بكل الوسائل الممكنة من العسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية لإسقاط ذلك الاتفاق الذي يريد إسقاط حق الأمة في أرضها المقدسة في فلسطين وإعطاءها لغير أصحابها الشرعيين من اليهود الذي احتلوها زوراً وبهتاناً، كما يجب على كل مسلم ملتزم أن يشرح للمسلمين في محيطه وبيئته الأضرار اللاحقة بالأمة ومصالحها العليا نتيجة ذك الاتفاق.
ولهذا نرى أن تقوية روحية الانتماء عند المسلمين لدينهم وعقيدتهم وإشاعة ثقافة التوحيد وقضاياها المصيرية هو الخطوة الأولى التي ينبغي على كل المخلصين والعاملين أن يعملوا على إرسائها وتجذيرها في عقول المسلمين وقلوبهم حتى يعيش المسلمون حالة من الوحدة الحقيقية التي تفتح الآفاق والمجالات أمامهم لتقرير مصيرهم بواسطة قيادات قادرة على تحمل المسؤولية بوعي رسالي، وقادرة بالتالي على مواجهة الأخطار واسترداد أرض المسلمين السلبية في فلسطين وغيرها في العالم الذي نعيش فيه اليوم.