مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أدب الأنبياء: نبي الله عزير عليه السلام


سكنة حجازي


نلتقي في هذا العدد مع أحد أنبياء بني إسرائيل، الذين قالوا في حقه إنه ابن الله ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ (التوبة: 30).
وهو حسب بعض الروايات المعروف عندهم بعزرا الذي جدد دينهم وجمع أسفار التوراة وأعادهم، في عهد قورش ملك إيران، إلى مدينتهم بابل التي فتحها قورش هذا.


وقد عظموا قدر عزير واحترموا شأنه لما رأوا من خدمته وتفانيه في ذلك. لذا سموه ابن الله، حيث ادعوا البنوة الحقيقية لله كما ادعاها النصارى للمسيح عليه السلام كما قال القرآن الكريم عنهم.
أما القصة الواردة في القرآن فإٌّنها تذكر تفكره في خلق الله واعتباره بآياته من خلال مشاهدته الحية لقدرة الباري عز وجل.

* ذكره في القرآن الكريم:
قال تعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (البقرة: 259).
كان النبي عزير عليه السلام نبياً صالحاً من عباد الله عالماً بمقام ربه ومراقباً لأمره، ونبياً مكلماً وموحى إليه قبل أن يميته الله، ومن بعدما أحياه. ولو لم يكن عالماً بقدرة الباري عز وجل لما قال وكما نقل الله تعالى على لسانه (أعلم أن الله على كل شي‏ء قدير) إذ هو يعلم مسبقاً بالنتيجة.
وقد خرج من قريته قاصداً مكاناً بعيداً إذ أشار الله تعالى إلى أنه حمل من الطعام والشراب ما يتغذى به، وركب حماراً ينقله لبعد المسافة وطول الزمن.
وقد جاءت قصته في معرض الاستشهاد على قدرة الباري وعظمته في شؤون الخلق، وطرق هدايته للإنسان، وهذه الطرق على ثلاث

* مراتب:
طرق الهداية إلى الحق:
1 - فإما أن تكون الهداية إلى الحق تعالى بالبرهان والاستدلال (المناقشة بالدليل والبرهان المنطقي) كما في قصة النبي إبراهيم عليه السلام مع النمرود؛ التي سبق الحديث عنها، والذي حاجه النمرود بأنه يستطيع إحياء الموتى في مغالطة للواقع فأجابه النبي إبراهيم عليه السلام بأن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب فبُهت الذي كفر.
2 - وإما أن تكون بالإراءة والإشهاد للنتيجة كما في قصة عزير عليه السلام حيث أماته الله مائة عام ثم بعثه ليريه بالعين المجردة كيف يكسو العظام لحماً وينميها.
3 - وأخيراً بيان الواقعة بأكملها وإشهاد الحقيقة كاملة مع علتها كما في قصة النبي إبراهيم عليه السلام قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم﴾ٌ  (البقرة: 260). فأراه الله تعالى السبب والمسبب. وهذا أعلى مراتب الهداية.

الحياة بعد الموت: تفكّر وعبر:
والنبي عزير عليه السلام جعله الله آية للناس من المرتبة الثانية في الاستدلال. وهو في مقام التساؤل لا في مقام الشك والارتياب، فالأنبياء معصومون حاشاهم عن الشك ف الله تعالى، إذ قال (أعلم أن الله على كل شي‏ء قدير) ولم يقل علمت الدالة على الحاضر و (أعلم) تدل على الاستمرار بين الماضي والحاضر.
عندما مرّ على القرية التي أبيد أهلها عن آخرهم قال: ﴿أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ فكلمة أنى يراد بها استعجال وطلب صدور ذلك منه تعالى فكان أن أماته الله مائة عام هو وحماره.
وعند بعثه من جديد سأله المولى ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾  وفي هذه نظرة إلى الحياة التي تسبق الموت، وفيها تقرير من رب العالمين إذ يقول تعالى:  ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ﴾ (يونس: 45).
وفي ذلك تفكر في أمور ثلاثة، ولكل مورد غرض خاص، لذا نجد تكرار لفظة (انظر) ثلاث مرات أيضاً.

فالأول: في إماتته وإحيائه والمدة القصيرة قياساً مع يوم الحساب والخلود في الآخرة، قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ   وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾(الروم: 55 - 56).
فهل ترانا نهتدي بهدى هؤلاء الأنبياء عليهم السلام ونقتدي بهم كما أمرنا المولى عز وجل (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)؟


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع