نص الكلمة التوجيهية القيمة التي وجهها الإمام الخميني قدس سره لمناسبة ولادة الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف في 15 - شعبان - 1408هـ:
بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك هذا العيد السعيد لجميع المسلمين المستضعفين في العالم وخاصة شعبنا.
ما أريد أن أقوله لكم في هذا اليوم هو بعض التصورات عن انتظار الفرج، فالبعض يرون انتظار الفرج بأن يجلسوا في المسجد والحسينية والبيت ويدعون الله تعالى ويطلبون منه أن يفرّج عن الإمام صاحب الزمان سلام الله عليه.
هؤلاء الأشخاص بالرغم من عقيدتهم هذه هم أصحاب نياّت سليمة بل إن أحدهم الذي كنت أعرفه سابقاً هو من الأشخاص الأخيار والصالحين جداً. وقد اشترى جواداً وكان لديه سيف وأخذ ينتظر ظهور صاحب الزمان سلام الله عليه.
هؤلاء كانوا ملتزمين بأداء التكاليف الشرعية أيضاً ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولكن الأمر كان كذلك على كل حال، فلم تكن لهم قابلية على غير ذلك، ولم يخطر في بالهم أن يصنعوا شيئاً غير ذلك.
طائفة أخرى كانوا يقولون بأن انتظار الفرج يعني العمل بالتكاليف الواجبة علينا فقد ولا ينبغي أن نهتم بما يجري في العالم وما يجري على الشعوب وما يجري على شعبنا، فالإمام صاحب الزمان عليه السلام هو الذي سوف يصلح هذه الأمور عندما يظهر وليس علينا تكليف آخر غير أن ندعو له بالفرج ولا نتدخل في ما يجري في الدنيا أو في هذا البلد، هؤلاء أيضاً كانوا من جملة الأشخاص الصالحين.
وطائفة أخرى يقولون أن العالم ينبغي أن يكون مليئاً بالذنوب حتى يخرج الحجة عليه السلام فلا ينبغي أن ننهى عن المنكر أو نأمر بالمعروف حتى عمل الناس ما يشاؤون وتزاد المعاصي والذنوب ويقترب الفرج.
وطائفة أخرى أشد من هذه درجة حيث قالوا بأنه ينبغي العمل بالمعاصي ودعوة الناس لذلك حتى تمتلئ الدنيا بالجور والظلم ليظهر الحجة عليه السلام.
هؤلاء أيضاً كانوا يشكلون طائفة من الناس وكان فيهما المنحرفون والأشخاص البسطاء وبعض المنحرفين منهم كانت لهم مقاصد معينة من وراء ذلك.
طائفة أخرى كانوا يعتقدون بأن كل حكومة تكون في زمان الغيبة فهي حكومة باطلة ومخالفة للإسلام، هؤلاء لم يكونوا مخادعين بل مخدوعين، فقد تصوروا من بعض الروايات الواردة في أن كل راية ترفع قبل ظهور الحجة فهي راية طاغوت، تصوروا أنها تشمل كل حكومة في زمن الغيبة، في حين أن هذه الروايات تعني كل من يرفع راية المهدوية بعنوان أنه هو المهدي.
ولو افترضنا أن مثل هذه الرواية موجودة أليس معنى ذلك أن التكليف يسقط من ذمتنا؟ أليس هذا المعنى، وهو أن نعمل بالذنوب والمعاصي حتى يظهر الحجة مخالفاً لضروريات الإسلام والقرآن؟
لماذا يظهر الإمام عليه السلام؟ إنه يظهر لتحقيق العدالة ولأجل أن يحقق الحكومة العادلة ويزيد الفساد فنحن نخالف الآيات القرآنية الشريفة ونرفع أيدينا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونزيد في الذنوب لكي يظهر الحجة؟!
ماذا يصنع الإمام عندما يظهر؟ إنه يريد أن يحقق تلك الأعمال فهل رفع التكليف عنا وليس على المسلم تكليف؟ بل يجب عليه بحسب رأي هؤلاء أن يدعو الناس للفساد، وبرأي هؤلاء الذين بعضهم محتالون والبعض الآخر جهلاء أن نجلس وندعو لصدام!! وكل من يلعن صداماً فقد عصى الأمر لأنه سوف يؤخر ظهور الإمام عليه السلام بل ينبغي أن ندعو لصدام حتى يزداد الظلم والفساد ويجب أن ندعو لأمريكا وندعو لروسيا وندعو لأذنابها من قبيل صدام وأمثاله حتى يمتلئ العالم الجور والظلم ويظهر الحجة عجل الله فرجه الشريف، وماذا يصنع عندا يظهر؟ إنه يظهر ليزيل الظلم والجور، وهو العمل الذي كنا نعمله وندعو بازدياد الظلم والجور!! وعندما يظهر الإمام عليه السلام يزيل ما كنا نعمله!
لو كانت لدينا قدرة لوجب علينا إزالة جميع أشكال الظلم والجور في العالم وهذا هو واجبنا الشرعي، غاية الأمر أنا لا نتمكن من ذاك فسوف يظهر الإمام عليه السلام ويملأ العالم قسطاً وعدلاً، وهذا لا يعني أن التكليف قد سقط عنا وأنه لا يجب علينا شيء، بل نحن مكلفون.
وما يقال من أن الحكومة غير ضرورية معناه إحلال الفوضى. فلو انعدمت الحكومة فيبلد لمدة سنة واحدة فسوف يحل فيه الفساد إلى ما لا يدرك آخره. فما يقال من عدم ضرورة إيجاد حكومة معناه الفوضى وأن يظلم الناس، بعضهم بعضاً ويقتل الناس بعضهم بعضاً حتى يظهر الإمام عليه السلام ويزيل هذه الفوضى، وهذا لا يقول به أي عاقل.
فلو لم يكن سفيهاً، ولو لم يكن مغرضاً، ولو لم تكن ثمة أياد سياسية خفية تريد أن تتلاعب بنا حتى نتركهم يلعبون ويعملون ما يشاؤون... لو لم يكن ذلك فلا بد وأن يكون إنساناً غبياً جداً.
أما والحال أن المسألة هي أن الأيدي السياسية موجودة في البين كما أوحوا إلى الشعوب الإسلامية والشعوب الأخرى في العالم أن السياسة ليست من شأنكم، اذهبوا إلى أعمالكم واتركوا الأمور التي ترتبط بالسياسة إلى الملوك، إنهم يسعون إلى استغفال الناس وتسليم الأمور السياسية بيد الظالم وبيد أمريكا وبيد روسيا وأمثالهما وبيد أذنابهما فيسرقون كل شيء للمسلمين والمستضعفين ونجلس نحن ونقول أنه لا يجب عليها تشكيل الحكومة!!
هذا كلام سخيف، غاية الأمر أن الأيدي السياسية الكفارة قد خدعتهم، حيث قالوا لهم أن لا ربط لكم بالسياسة فالحكومة لنا، أما أنتم فاذهبوا إلى المساجد وصلوا فيها ما شئتم ولا تتدخلوا في غير ذلك.
هؤلاء الأشخاص الذين يقولون أن كل راية ترفع ويتصورون أن قيام كل حكومة يخالف انتظار الفرج، هؤلاء لا يفهمون ما يقولون، وقد خدعوهم حتى قالوا هذه الكلمات ولا يعلمون ما يقولون. إن عدم وجود الحكومة الإسلامية يعني أن يتسلطوا على رقاب الناس فيقتلوا ويصربوا ويدمروا كل شيء ويعملوا بخلاف نص الآيات القرآنية، فلو فرض وجود 200 رواية في هذا لاباب يجب أن تضرب عرض الجدار لأنها تخالف آيات القرآن، فكل رواية تقول لا تنهوا عن المنكر يجب أن تطرح جانباً، فهذه الروايات غير صالحة للعمل بها، ولكن هؤلاء الجهلاء لا يعلمون ما يقولون.
بل إنني سمعت أن بعضهم قالوا إنه لا ينبغي علينا إرشاد الناس بعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، لأن معلم الأخلاق ينبغي أن يكون في وسط فاسد ومع أناس فاسدين وتكون الخمور في متناول أيديهم عند ذلك يصح إرشادهم، أقول أن طرق الفساد مفتوحة وهل أن المكان إذا كان صالحاً وجيداً لا ينبغي تهذيب الأخلاق هناك وأن الإرشاد غير ممكن وباطل؟! هذه أمور لو لم تكن وراءها أيدٍ سياسية خفية فهي حماقة، ولكنهم يدركون ما يصنعون، إنهم يريدون إزالتنا من طريقهم..
ومن المعلوم أننا لا نستطيع أن نملأ الدنيا قسطاً وعدلاً ولو كان باستطاعتنا ذلك لفعلنا ولكن لعدم قدرتنا على ذلك وجب أن يظهر الإمام عليه السلام.
الآن العالم مليء بالظلم، أنتم في نقطة من العالم، فلو استطعنا أن نقف أمام الظلم لوقفنا، فهو واجب علينا، ومن ضروريات الإسلام والقرآن أن نعمل كل ما بوسعنا من أجل ذلك، ولكن بما أنه ليس باستطاعتنا تحقيق ذلك وجب أن يأتي الإمام ليحقق ذلك، ولكن يجب علينا تهئية الوسائل وذلك يكون بأن نقرّب من ظهوره ويتهيأ العالم لمقدمه المبارك.
وعلى كل حال إن هذه المصائب التي حلت بالمسلمين وزادتها السياسات الخارجية اشتعالاً هي من أجل سرقة ثوراتهم وإبادة عزتهم، وصدّق الكثيرون منا أنه لا ينبغي تشكيل حكومة إسلامية وأن كل حكومة غير حكومة صاحب الزمان عليه السلام باطلة وأنه هو الذي سوف يحقق ذلك بعد ظهوره، وهذا يعني حلول الفوضى وانهيار نظم العالم حتى يظهر الإمام عليه السلام ويصلح الأمر، بل نحن سوف نصلحه حتى يظهر الإمام عليه السلام.
نسأل الله تبارك وتعالى إصلاح هؤلاء، وأرجو من الله تعالى أن يبارك هذا اليوم لنا ولكم جميعاً وأن يقطع أيدي الظالمين ويعطي القدرة للشعوب المظلومة لتنتفض بوجه هؤلاء الظالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.