روي عن عالم أهل البيت الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "لا يتمكن الشيطان بالوسوسة من العبد إلاّ وقد أعرض عن ذكر الله واستهان بأمره وسكن إلى نهيه ونسي إطلاعه على سره، فالوسوسة ما يكون خارج البدن بإشارة معرفة العقل ومجاورة الطبع، أمّا إذا تمكّن في القلب فذلك غي وضلالة وكفر".
معنى الوسوسة: هي في اللغة الهمهمة وقيل أنّها صوت خفي، وأنّها خطورات أو خطرات تقع في القلب من النفس، وفي المعجم أنّها من أضداد اليقين، وفي الآية المباركة: الوسواس الخنّاس، والخنّاس في اللغة هو صيغة مبالغة من الخنوس يعني الاختفاء.
حدّد مولانا أبو عبد الله عليه السلام الصادق في الرواية الآنفة أموراً دقيقة حول كيفية تمكّن الوسوسة من القلب وأشار إلى الغفلة بأنّها الباب الرئيسي الذي يجرئ الشيطان الرجيم على التوغّل في عالم هذا الإنسان.
وحيث أنّ فعل الإنسان هو الذي يضعف مناعته في مواجهة إبليس وأعوانه فإنّه من البديهي اعتبار الإعراض عن ذكر الله ثغرة لهجوم الشياطين إلى قدس هذا الإنسان وحرمه الذي كان مطهراً بحضور الله، وناتجاً عن ضعف الناس وليس قوة الشياطين الذين تحكمهم ضوابط تردع تجرؤهم أو سيطرتهم على المؤمن المخلص الموقن بالله وبالتالي خلو ساحة القلب من غير الله، إلاّ أنّ للشيطان قابلية هائلة على اصطناع الوهم والتلوّث وبالتالي تغطية حقائق الأعمال الصالحة بالتلبيس، وهنا يبرز دور الإنسان، فإذا أخلى ساحة قلبه من ذكر الله فإنّه يكون حكماً قد فتح الباب لما هو أعظم حيث أنّ الوهم يصبح حقيقة مؤثرة تدخل بيت الجوانح والجوارح فتدفع الإنسان إلى الاستسلام كلياً لأوامر الشيطان فيستهين بالأوامر ويركن بالعمل والأخلاق والاعتقاد إلى الزواجر والنواهي بل إنّه قد يساعد عدوّه الرجيم في تفسير الباطل واقتراف السيء من الأعمال بتلبيسها صفات الأعمال الصالحة، فيغلق عين بصيرته ويصبح أعمى القلب، لا يهتدي إلى طريق الرشاد، وقد صدق نبينا الأعظم حين قال: "شر العمى عمى القلب"، لأنّ أعمى القلب بالوسوسة يتحول إلى أداة شيطانية يحركها إبليس وأعوانه أنّى شاؤوا ولن تهتدي هذه الأداة، لأنّها حادت عن طريقها وضلّت هدفها وبقي يحجب جدار الوسوسة عنها رؤية جادة العودة والصواب...
وقد أشار الإمام الصادق عليه السلام إلى هذا المعنى أيضاً عندما سُئل عن الآية: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم) فقال عليه السلام: لما نزلت هذه الآية قال الوسواس الخنّاس: أنا لها فقال الشيطان: بماذا؟
قال: أعدهم وأمنيهم حتّى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوها أنسيهم الاستغفار.
فقال: أنت لها فوكله بها إلى يوم القيامة.