في شباط 1998 توصل فريقان منفصلان من علماء فيزياء النجوم إلى بعض النتائج التي في إمكانها أن تزعزع الكثير من معطيات النظريات العلمية الكبرى مثل نسبية أينشتاين ونظرية البيغ .. بانغ.. إلخ.
لكنه أمر لا زال في بدايته ويحتاج إلى تدقيق وتوثيق ومقارنة .. إلخ، وكذلك إلى صياغة نظرية متجانسة ومتماسكة تشرح تلك الملاحظات الجديدة، فكلا الفريقين كان يعمل على رصد مجموعات نجمية تصدر أنواراً وإشعاعات خاصّة، ويهدف إلى تحديد بعد النجوم عن الأرض في الزمان والمكان.
* الشموس:
المعروف أنّ النجوم هي شموس بعيدة بعضها أكبر من شمسنا في آلاف آلاف المرات، عندما تبلغ الشموس هذا الحد الهائل من الضخامة، وما يرافقها من تضاعف النار والطاقة. عندها تضحي عرضة للأحداث الجلى والكوارث، كأن تنفجر، مثلاً انفجار شمس ضخمة يقذف إلى الفضاء فيوضاً من الطاقة والأنوار، ربما دامت عقوداً أو قروناً.
لكن الشمس المنفجرة لا تلبث أن تتهابط على نفسها وتتجمع في "شمس" جديدة غالباً ما تكون "صغيرة" الحجم بالنسبة إلى الأصل ثمّ أنّها تأخذ في السطوع متوهجة قبل أن تسير إلى العتمة والموت التدريجي أو الدخول في تغييرات أخرى.
تعرف هذه الظاهرة باسم "النجوم المنفجرة العظمى" أو السوبر- نوفا (Super-Nova)
* ماذا عمل الفريقان:
إذاً، كلا الفريقين كان يهتمّ في أمر مجموعات من السوبر – نوفا، أحدهما في جامعة هارفورد والثاني في جامعة كاليفورنيا.
فريق جامعة هارفورد عمل لمدّة ثلاث سنوات في رصد مجموعة من 14 نجماً سوبر نوفا تبعد حوالي 5-7 بليون سنة ضوئية عن الأرض، لكن دراسة أطياف الضوء الآتي من تلك المجموعة ومقارنتها مع الموجات الكونية التي تلتقطها الأقمار الاصطناعية، وكذلك مقارنتها مع الصور التي يلتقطها التلسكوب الفضائي "هابل" كلّ ذلك أفضى إلى ملاحظة غريبة، يلخص روبرت كربسنزر، أحد علماء الفضاء، الأمر في أن الكون تحرّك مبتعداً في الفترة التي استغرقها الضوء للوصول إلى الأرض، الأمر يشبه أن تطلق سهماً صوب هدف ما، لكن قبل وصول السهم يتحرك الهدف نفسه مبتعداً عن السهم.
حتّى إذا وصل السهم، فإنّه سيكون واهناً ضعيفاً، ذاك ما كان عليه الضوء الواصل من المجموعة السوبر نوفا، انفجرت تلك النجوم وأرسلت ضوءاً لكن عندما وصل إلى الأرض بعد 5-7 بليون سنة، بدا واهناً وأكثر عتمة، التفسير المنطقي هو أنّ الهدف نفسه قد تحرك في عبارة أخرى، كأنما الكون تحرك متباعداً عن نفسه أو كأنّ مجرات النجوم دفعت متباعدة بعضها عن بعض.
* نظرية الاستقرار:
لكن لماذا قد يحصل أمر كهذا؟
ظاهرة ابتعاد المجرات عن بعضها باتت معروفة منذ 1934 عندما رصدها ووثقها العالم الفلكي أدوين هابل، قبل ذلك العام كان الاعتقاد العام أنّ الكون الشاسع هو في حالة من الاستقرار وان له حدوداً ثابتة، أحد أسباب هذا الاعتقاد هو ألبرت أينشتاين، وخصوصاً شروحه حول "الثابت الكوني"، فالكون ابتدأ في انفجار مهول عظيم وكان حينها كتلة لا متناهية في الكثافة والطاقة والحرارة. بعد ذلك بدأ الانفجار يبرد قليلاً، والطاقة شرعت في التحوّل إلى كتل مادة لها وزن (Mass) وجاذبية، لاحظ أينشتاين أنّ قوة جاذبية المادة المجتمعة في النجوم والكواكب تحدث شداً معاكساً لانتشارية الانفجار، كأنما الكون متنازع بين قوتين، أحداهما تدفعه إلى التناثر – هي قوة الانفجار الأول – والأخرى تلم أجزاءه وتشدها بعضها إلى بعض، هي قوة الجاذبية، هنا واجه أينشتاين معضلة: الانفجار الأولي يستنفد طاقته ويبرد مع الزمن، والطاقة الكونية تتحول إلى مزيد من كتل المادة ذات الوزن والجاذبية، إذاً، ومع الزمن فإنّ القوة التي تشدّ الكون إلى التجمّع والتقلّص تزداد، لكن حسابات أينشتاين بيّنت له أن الكون ثابت الأبعاد! أينشتاين وجد حلاً لهذا التناقض عبر تصوّره وجود قوة تفعل عكس قوة الجاذبية وتمنع الكون من التقلّص وتحافظ على التوازن، هذه القوّة المفترضة هي ما أسماها أينشتاين "الثابت الكوني".
* أبحاث هابل:
فيما بعد سيندم أينشتاين على هذا التفسير، إذ أنّ أبحاث هابل برهنت على أنّ مجرات الكون تبعد عن بعضها تدريجياً وأن حدود الكون تتوسّع في استمرار، في ظلّ براهين هابل، بدا حديث أينشتاين عن ثبات حدود الكون، فاقداً لكلّ برهان، أينشتاين اعترف بأخطائه حتّى أنّه وصف "الثابت الكوني" أكبر غلطة ارتكبها في حياته.
لكن لعلّ أينشتاين لم يكن مخطئاً، أقلّه ليس كلياً وتماماً: الأبحاث حول السوبر نوفا تثبت وجود قوة معاكسة للجاذبية، لكنها لا تعمل في شكل يحفظ توازن واستقرار حدود الكون كما توهم أينشتاين، هذه القوة المعاكسة للجاذبية أسماها "آدم ريس"، من جامعة كاليفورنيا، بــ"القوة المجهولة" (X-force)، لكنها تعمل على دفع أرجاء الكون إلى التباعد في قوة وسرعة متزايدة كأنها قوة تشظي الكون وتفتته وتبعثره في الفراغ السحيق.
اكتشاف القوة "والحس" أثار جمعاً رهيباً من الأسئلة من نوع: هل سيتبعثر الكون وينتهي سريعاً؟
ما هي ماهية هذه القوة الجديدة وطبيعتها، هل هي كثل الجاذبية، مثلاً، تعمل في شكل مستمر وغير منقطع وعن بعد؟
هل إنّها كالضوء، ذات طبيعة ثنائية أي أنّها طاقة وموجات في نفس الوقت! هل توجد في الكون الخارجي فقط أم أنّها موجودة أيضاً في داخل الذرات وتعم على تسريع تفكّك كلّ ذرات الكون وتعجّل في فنائها؟
أسئلة لا تنتهي بل ربّما أنّها لم تبدأ بعد.