سكنة حجازي
﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا﴾ (مريم/7)
﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّاً* وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ (مريم /12-14).
﴿فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِين﴾َ (آل عمران/39).
﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين﴾َ (الأنبياء/90).
النبي يحيى عليه السلام سمي الله ومعجزة المناجاة الصادقة لكفيل مريم النبي زكريا عليه السلام ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا﴾
ذلك النبي الذي آتاه الله الحكم صبياً صغيراً كما آتى النبي عيسى الحجة عجل الله تعالى فرجه ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾. والحكم هو النبوة.
لقد فاض الوجد بزكريا عليه السلام فتوجه بالقلب الصادق والنية الخالصة لأن يهبه الله تعالى ذرية طيبة صالحة ولداً مؤمناً عابداً.
وكان له ما سأل بعد وصوله إلى سن الشيخوخة واليأس، هو وزوجه العاقر.
النبي يحيى عليه السلام هو النبي الحصور، الذي لم يتزوج قط، كالنبي عيسى علي السلام فلم يعش إلاّ لذة الولَه والمناجاة بالقرب من الله تبارك وتعالى. فقد كان بينه وبين الله سبحانه حالة عطف وانجذاب خاص وأكثر من المألوف. وقد ذكره تعالى فقال عزّ من قائل: ﴿وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً﴾ فنما ونمت روحه على ذلك الحنان والانجذاب لذا كان مباركاً، نفّاعاً ومعلماً للخير ﴿وَكَانَ تَقِيًّاً﴾ فالتقوى هي الورع عن محارم الله، ولا غرو في ذلك، فهو النبي المخلص المعصوم كغيره من إخوته الأنبياء عليهم السلام.
لقد دعا النبي يحيى عليه السلام لله ولم يدعُ الله لحاجة له، وأخلص في دعوته حتّى قضى فداءً لهذه الدعوة بعد أن آمن بكلمة الله عيسى عليه السلام، لأنّه عاش لله كلّ حياته:ِ ﴿أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِين﴾ فلم يرد عنه في آيات القرآن الحكيم أنّه سأل الله شيئاً لنفسه غير ما ورد في الحديث أنّه كان يصلي ويبكي حتى ذهب لحم خده، فجعل لبداً وألزقه بخده حتّى تجري الدموع عليه، وعندما طلب منه والده الصلاة والتخفيف من حزنه أجابه: "إنّ جبرائيل حدثني أنّ أمام النار مفازة لا يجوزها إلاّ البكاؤون". فقال له: "يا بني فابكِ وحق لك أن تبكي".
وما يلفت في أمر هذا النبي المعجزة، المضحي بنفسه في سبيل الدعوة وما ذكره الله تعالى من السلام عليه بخلاف ما ورد عن النبي عيسى عليه السلام بحيث سلّم على نفسه.
وقد سلّم الله عليه في مواضع يشتدّ فيها الخطر على الإنسان، والسلام يعني أنّه آمنه من الخطر والخوف، فهو وإن مات من الخطر والخوف، فهو وإن مات بغية من بغايا بني إسرائيل قاتلي الأنبياء، إلاّ أنّ افتتاح العوالم الثلاثة التي يدخلها الإنسان كانت بالأمن والسلام بالنسبة له. وقد وردت لفظة السلام نكرة للتفخيم والمواضع هي:
1- ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ﴾ كما يرافق الحياة الدنيا من الألم والمشقة (ولقد خلقنا الإنسان في كبد) البلد /4، فهو في أمن لا يمسه مكروه يزاحم سعادته.
2-﴿ وَيَوْمَ يَمُوتَُ﴾ في عالم البرزخ حيث تكون له عيشة النعيم هناك حتّى يوم القيامة.
3-﴿وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ في الحياة الحقيقية الخالدة، فلا نصب ولا تعب.
وفي بعثه حياً نكتة الدلالة على أنّه يقتل شهيداً، والشهيد لا يموت ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون﴾َ آل عمران/169.
ولا يخفى ما في ذلك من تنبيه للإنسان في هذه المواضع التي تشكل المراحل التي يمر بها بأنّه لا ينجو من النصب والعذاب ما لم يتصف بصفات التقوى والعمل والطاعة، والقيام بتكليفه بكلّ جوانبه مهما كان ثمن هذا الأداء في الحياة الدنيا حتّى لو دفع حياته وحياة أسرته كما فعل أبو عبد الله الحسين عليه السلام فالآخرة هي الحيوان لو كانوا يعلمون، فسلام عليك يا يحيى يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حياً.
وسلام عليك يا أبا عبد الله وعلى أولادك وأصحابك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً شهيداً، إذ: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين﴾.