أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

المحقّق الحلّي: مجدّد الفقه الشيعي في القرن السابع الهجري



م.ح


تعدّدت الحواضر العلمية الشيعية التي ساهمت في نشر وتطوير العلوم الإسلامية وتعاليم آل البيت عليهم السلام كما تعدّدت الشخصيات العلمية التي تصدّت للاهتمام بطلب العلم وبذله وتدخل في ذلك عوامل كثيرة. وكانت الحلة إحدى هذه الحواضر فهي شكّلت ومنذ منتصف القرن السادس الهجري تقريباً المركز الأساسي للحركة العلمية الشيعية وقد أعطت الحلة العديد من الفقهاء الأجلاء، فبالإضافة إلى ابن إدريس الذي وضع أسس الحركة العلمية فيها جاء المحقّق الحلّي ليمثل الشخصيّة العلمية الأبرز بعده وليمهّد الأرضية التي استمرّت عبرها الحلّة ولعقود كثيرة مركز الحركة العلمية الشيعية.
في هذه الحلقة من حصون الإسلام نعرض لجوانب من حياة المحقّق الحلّي:

* المحقّق الحلّي:
هو جعفر بن الحسن بن أبي زكريا يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلّي. كنيته أبو القاسم وألقابه: نجم الدين المحقّق، المحقّق الحلي، والمحقّق الأول.

* ولادته ووفاته:
يذكر أصحاب التراجم تواريخ متعدّدة لولادته ووفاته ولكن أرجح هذه الأقوال هو ما ذكره تلميذه ابن داود في رجاله حيث حدّد ولادته في العام 602 ه ووفاته في ربيع الآخرة من العام 676 ه وكان عمره 74 عاماً.
وكان سبب وفاته كما تذكر بعض الروايات أنّه سقط من أعلى درجة في داره فخرّ على الأرض ميتاً لوقته وقد اجتمع لجنازته خلق كثير.
أمّا مكان دفنه فإنّه مختلف فيه بين أن يكون في مشهد أمير المؤمنين عليه السلام أو في الحلّة حيث مزاره الآن وحيث الشارع مسمّى باسمه وهناك رأي ثالث يقول "إنّه دفن في الحلّة أولاَ ثمّ نقل إلى النجف" كما أنّ هناك قول أنّه "حُمل إلى مشهد أمير المؤمنين عليه السلام المعروف بمشهد الشمس بالحلّة وقبره هناك وقد وهم بعض المتأخرين فظنّ أنّه حُمل إلى النجف الأشرف".

* حياته العلمية:
ولد المحقّق وترعرع في بيت من بيوت العلم لا يتنفس فيه إلاّ عبير التقى ولا يطعم إلاّ من رياض الأدب فكانت بيئته مدرسته الأولى وكان والده الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد أستاذه وشيخه الأول الذي أخذ بيده إلى طريق العلم والمعرفة ولم يكتفِ المحقّق بالدرس على يدي والده فدرس عند الشيخ نجيب الدين محمد بن جعفر ابن أبي البقاء (ت645) تلميذ الشيخ ابن إدريس (ت598) كما درس عند السيد شمس الدين أبو علي فخّار بن معد الموسوي من أكابر الفقهاء ودرس أيضاً على أبو حامد نجم الدين محمد بن أبي القاسم عبد الله بن علي بن زهرة الحلبي.
وقبل أن يرتقي في مراتب العلم كان المحقّق قد نشأ مولعاً بنظم الشعر وتعاطي الأدب والإنشاء فكان مجلياً في ذلك ولكنّه تركه وعكف على الاشتغال في علوم الدين يدفعه إلى ذلك وصايا والده المتكرّرة في ترك الشعر ورغم ذلك ظلّ المحقّق يمتاز بأدبه العالي فهو يمتلك ثروة من المفردات اللغوية المشفوعة باطلاع واسع وأساليب أدبية وبلاغية متنوعة ظهرة جلية في كتاباته وشعره وربما كان ذلك أحد أسباب سهولة عبارته الفقهية في الكتب التي ألّفها.. وقال عنه تلميذه ابن داود في رجاله "كان ألسن أهل زمانه وأقولهم بالحجّة وأسرعهم استحضاراً" أمّا فقاهته فإنّها لا تحتاج إلى دليل بعدما خلدت آراؤه الفقهية في كتابه الشهير شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام وكتبه القيّمة الأخرى.

* مؤلفاته:
1- رسالة التياسر في القبلة.
2- شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام.
3- النكهة في المنطق.
4- مختصر المواسم (لسلار الديلمي).
5- فهرست المصنفين.
6- رسالة في الكلام.
7- المسائل البغدادية.
8- المسائل العزية.
9- المسالك المصريات.
10- المسالك في أصول الدين.
11- معارج الأصول.
12- المعتبر في شرح المختصر.
13- النافع (المختصر النافع).
14- نكت النهاية (حلّ مشكلات النهاية للشيخ الطوسي).
15- نهج الوصول إلى معرفة علم الأصول.

* قيمته العلمية:
تنوعت عطاءات المحقّق العلمية ولما تميز به من منهجية دقيقة وخاصّة في كتابته الفقهية، فقد أطلق عليه اسم المحقّق ويعرف بها دون سواه إن اطلقت بلا قرينة كما أنّه يعرف بالمحقّق الأول، ومن خلال الاطلاع على مجموعة مؤلفاته تبرز قيمة مختلفة لخمسة كتب منها:
(معارج الأصول)، (نهج الوصول إلى معرفة علم الأصول)، (شرائع الإسلام)، (المختصر النافع)، (المعتبر في شرح المختصر).
فمن خلال كتابيه المعارج والمنهج ساهم في تطوير الفكر الأصولي وهو يمثّل امتداداً لفكر ومدرسة الشيخ ابن ادريس الذي كان أستاذ أستاذه والذي حرك الوضع الفقهي بعد مرحلة الشيخ الطوسي (ت460 ه) وقد استطاع المحقّق أن يبلور بعض المفاهيم والمصطلحات الأصولية وأن يوضح ويضيف في مجال القواعد الأصولية.
أما على صعيد الفقه والفقه الاستدلالي فإنّ كتابه شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام مثّل مرحلة مهمّة من مراحل تطوير المتون الفقهية يظهر قيمته بوضوح من خلال مقارنته بكتاب النهاية للشيخ الطوسي

الذي كان معتمداً حتّى ذلك الحين، فنجد أنّ المحقّق لم يذر متون الأحاديث ولم يحافظ على ألفاظها وأكثر من تفريع الأبواب وذكر الأقوال المتعدّدة وأشار إلى نتائج الأدلّة.
لقد سطّر المحقّق في كتابه هذا آراءه الفقهية بأسلوب سلس وعبارة مشرقة ودقّة بالغة في تأدية المعنى وإيجاز في الألفاظ ومنهجية متميزة في البحث والموضوعية وأمانة كبيرة في عرض الآراء المتعدّدة. لقد أدخل المحقّق من خلال هذا الكتاب منهجية جديدة في ترتيب وتبويب الكتب الفقهية وكان هذا إنجاز كبير قام به المحقّق، ولهذا أصبح الشرائع من أحسن المتون الفقهية ترتيباً وأجمعها للفروع، "وأصبح شغل الفقهاء" الذين تلوا المحقّق و"ولع به الأصحاب من لدن عصر مؤلفه إلى الآن ولا يزال من الكتب الدراسية" المعتمدة في كلّ الحوزات العلمية في إيران والعراق ولبنان... لقد صار كتاب الشرائع موضوعاً لشروحات متعدّدة ذكر منها صاحب الذريعة في مائة شرح وتعبير "معظم الموسوعات الفقهية الضخمة التي ألفت من بعد عصر المحقّق شروح له". حتّى أنّ مختصر المحقّق للشرائع والذي أسماه المختصر النافع أصبح هو أيضاً موضوع تدريس وبحث وتعليق وشرح كما الشرائع نفسه. وباختصار فإنّ المحقّق الحلّي استطاع من خلال كتابيه الشرائع والمختصر أن يقفز بالتأليف الفقهي من وضع ومنهج كانا هما واقع التأليف إلى حالة أخرى لم يلتزم فيها بمتون الأحاديث ولا ألفاظها. كما أنّ كتابه الخامس المعتبر في شرح المختصر يمثل ثاني كتاب استدلالي بعد كتاب المبسوط للشيخ الطوسي.
كما أنّه مما لا شكّ فيه أنّ وجود ذلك العدد الكبير من الطلاّب الذين درسوا وتخرّجوا على يدي المحقّق ساعد على أن ينال منهجه تلك الشهرة الواسعة وأن تستمرّ طريقته الفقهية وأن يدرّس كتابه ويصبح موضع بحث ويذكر أنّه تخرّج من "تحت منبره أكثر من أربعمائة مجتهد من أبرزهم ابن أخته العلاّمة الحلي (ت726 هـ) الذي واصل المسيرة التطويرية من بعده" والتي استمرّ بها فخر المحقّقين (ت 771 هـ) الذي تتلمذ على يديه الشهيد الأول (ت786 هـ).

* من شعره:
 

يا راقداً والمنايا غير راقدة

وغافلاً وسهام الدهر ترميه

بم اغترارك والأيام موصدة

والدهر قد ملا الأسماع داعيه

أما ارتد الليالي قبح دخلتها

وغدرها بالدذي كانت تصافيه

رفقاً بنفسك يا مغرور إنّ لها

يوماً تشيب النواصي من دواهيه


* رثاء الشيخ محفوظ للمحقّق:
أبيات من قصيدة الشيخ محفوظ بن وشاح في رثاء المحقّق الحلي:
 

أقلقني الدهر وفرط الأسى

وزاد في قلبي لهيب الضرام

لفقد بحر العلم والمرتضى

في القول والفعل وفصل الخصام

أعني أبا القاسم شمس العلى

الماجد المقدام ليث الزحام

أزمة الدين بتدبيره

منظومة أحسن بذاك النظام

شبه به البازي في بحثه

وعنده الفاضل فرخ الحمام

قد أوضح الدين تصنيفه

من بعدما كان شديد الظلام

بعدك أضحى الناس في حيرة

عالمهم مشتبه بالعوام

لولا الذي بنى في كتبه

لأشرف الدين على الاصطلام

قد قلت للقبر الذي ضمّه

كيف حويت البحر والبحر ضام

عليك منّي ما حدا سائق    أو غرّد القمري ألفا سلام

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع