أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

ما نودي بشيءٍ مثلما نودي بالولاية

السيد عباس نور الدين


قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: (إنّ الدين عند الله الإسلام).
إنّ التدبّر العميق في هذه الآية، والانطلاق من المقدّمات الأصولية يرشدنا إلى أنّ مطالب عظيمة الفائدة تؤمّن لنا سعادة الدارين. فإذا اعتقد الإنسان بوجوب عبادة الله تعالى بعد توحيده، وتوجه بفطرته نحو الخضوع له، وأدرك أنّ الوصول إليه سبب وجوده، سيبحث عن الطريق الذي يحقّق له ذلك. وأنّ بحثه هذا لن يكون صعباً أو مضنياً. لأنّه إذا آمن بحكمة خالقه يعلم يقيناً بأنّه لا يعقل أن يخلقه سدى، وحيث كان يعتقد برحمته التي وسعت كلّ شيء فإنّه لا يعقل أن يتركه من دون هدايته إليه. ولهذا تنحصر مسؤوليته في البحث عن الطريق الذي أنشأه له خالقه جلّ جلاله. لا بل إنّ عليه أن يلتزم ويتعبّد فقط، ذلك لأنّ الله سبحانه سيوصل إليه الدين الذي هو الطريق الإلهي القويم. قال الله تعالى: (ولقد وصّلنا لهم القول).

* فهذه المقدّمة تبيّن لنا الأمور التالية:
أولاً: إنّ وجوب عبادة الله تعالى لازم من الاعتقاد بربوبيته المطلقة.

ثانياً: إنّ الوصول إلى الله تعالى هو غاية وجود الإنسان. قال الله تعالى:  ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾، وقال عزّ من قائل:  ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد﴾

ثالثاً: إنّ الوصول يستلزم السعي:  ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ لأنّ كمال الإنسان ورقيّه لا يحصل إلاّ بالاختيار، والاختيار يستلزم العمل.

رابعاً: إنّ السعي ينبغي أن يكون صحيحاً للوصول إلى المطلوب الحقيقي.

خامساً: إنّ الاعتقاد بربوبية الله تعالى ورحمته المطلقة يستلزم الإيقان بأنّه سبحانه لا يعقل أن يترك الإنسان من دون الهداية إلى المطلوب.

سادساً: إنّ هداية الله للإنسان المختار تكون من خلال بيان الطريق الموصِل.

سابعاً: وهذا الطريق هو الذي يعبّر عنه بالدين.

فما هو هذا الدين؟ وما هي مقوماته؟ وكيف يتحقّق الالتزام به؟
لقد بيّن الله سبحانه أنّ الدين المرضي عنده هو الإسلام، وذكر بأنّ من لا يتبع منهاجه فلن يصل إليه عزّ وجل: (ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يُقبلَ منه). وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى روح هذا الدين القويم بقوله: "الإسلام هو التسليم". فكان هذا الاختصار الشديد تعبيراً عن المنهج الأصيل للإسلام، ولا يتحقّق به إلاّ بالخضوع لتعاليمه وطريقته وأحكامه وأوامره من دون أيّ حرج أو اعتراض. وأكّد هذا المعنى العميق صادق أهل البيت عليه السلام في الحديث المروي عنه حيث يقول:
"لو أنّ قوماً عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجّوا البيت الحرام وصاموا شهر رمضان ثمّ قالوا لشيء صنعه الله أو صنعه رسوله ألا لو صنع بخلاف الذي صنع أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين. ثمّ قال عليه السلام: فعليكم بالتسليم".
والنتيجة أنّ دين الإسلام يقوم على أساسين؛ الأول: الالتزام بأحكامه. والثاني: التسليم لأوامره وتعاليمه. فإذا قام العبد بحقّ الإسلام كان سالكاً إلى الله تعالى، وإلاّ فلا ينال شيئاً.
وعندما نتّجه نحو أحكام الإسلام نجدها تقوم على أمور. وهي بنفسها قائمة على أساس أولي. ففي الحديث: "أنّ الإسلام قام على خمس الصلاة والصوم والحد والزكاة والولاية، وما نودي بشيء مثلما نودي بالولاية". فإذا جمعنا جميع أحكام الإسلام نجد أنّها ترجع إلى الأحكام الخمسة المذكورة. ثمّ نجد أنّ أربعة منها تقوم على أمر عظيم وهو: الولاية.

فما هي هذه الولاية وكيف تظهر في الدنيا؟
الولاية هنا بمعنى التولّي أي الطاعة والانقياد. والولاية قد حدّدها الله تعالى بقوله:
(إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون..).
فولاية الله تعالى تتحقّق في الدنيا بطاعة رسوله وأولي الأمر من بعده:
(من يطع الرسول فقد أطاع الله) (.. وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
ومن الثابت في مكانه أنّ أولي الأمر من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هم الأئمة المعصومون عليه السلام، الذين أعطوا هذه الولاية في عصر الغيبة للفقيه الجامع للشرائط الذي يتصدّى لأمور المسلمين، ويبين لهم أحكام الدين ويأخذ بأيديهم إلى اليقين.
وفي الحديث كما في البحار عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنّ وليّ أمير المؤمنين عليه السلام هول وليّ الله تعالى".
أي أنّ تولي أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة من بعده يكون بتولّي من يوليه الإمام المعصوم عليه السلام.
وهذا الولي سيُعمل ولايته بالتصدّي لأمور المسلمين بقيادتهم وإدارة شؤونهم وشؤون الدين، ولا شكّ بأنّه سيعيّن عليهم من يتولّى شيئاً من أمورهم، وهكذا.
إنّ طاعة الولي الفقيه واجبة، وهي الولاية الحقيقية لأهل البيت عليه السلام وطاعته تتحقّق من خلال اتباع أوامره في شؤون الحياة كافّة.

فما هي هذه الشؤون؟
شؤون الحياة كثيرة تشمل جميع أبعاد الإنسان، وأعظم هذه الشؤون ما يتعلّق بحفظ الدين والدفاع عنه. لأنّه لا معنى لوجود الإنسان في الدنيا من دون الدين. قال الله تعالى: (قل ما يعبؤ بكم ربّي لولا دعاؤكم) بل الحياة الحقيقية للإنسان هي في الدين. كما قال عزّ من قائل:
(استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم..).
وحفظ الدين يقف على رأس الأحكام الإلهية. ولهذا قد يتطلّب من الإنسان أن يبذل نفسه في سبيله.
"فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين" [الإمام علي عليه السلام].
وهكذا نخلص إلى هذه النتيجة وهي أنّه لا حدّ لولاية الولي في ما يتعلّق بشؤون الحياة إلاّ ما استثني بالدليل. وإنّ ولايته شاملة للأنفس والأعراض والأموال. وعليه فلا حدّ لطاعته.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع