أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مع الإمام القائد: الحكومة في ظل النظام الإسلامي


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله مالك الملك، خالق الخلق، باسِط الرزق، فالق الإصباح، ديان الدين، رب العالمين، والحمد لله على حلمه بعد علمه، وعلى طول أناته في غضبه وهو قادرٌ على ما يريد. والصلاة والسلام على نبي الرحمة ورسول الهدى والسلام، وبشير رحمة الله ونذير نقمته، سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد صلّى الله عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه المنتجبين.

قال الله الحكيم في كتابه: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم، يا داوودُ إنّا جَعَلْناكَ خَليفةً في الأرضِ فاحكُم بَين النّاس بالحقّ ولا تتّبع الهوى فيُضِلّك عن سَبيل الله إنّ الذين يَضلّون عن سَبيلِ الله لَهُم عذابٌ شَديد...﴾ (ص:26).
إنّ من العوامل الرئيسية في يقظة الشعوب هو وجود نظام يستند إلى حركة جماهيرية، ويعتمد مقاومة شجاعة لا تعرف الاستسلام للقوى العالمية. إنّها جاذبية النظام الجمهوري الإسلامي التي تحيي الأمل في نفوس الشعوب، وكلّما مضى يوم ونحن باقون، وهذا النظام باقٍ، والإسلام هو الحاكم الوحيد، ازداد هذا الأمل في الشعوب قوة ورِسوخاً.
إن المحاباة لم يُقضَ عليها بعد، والمتشائمين لما تدخل الثقة في قلوبهم، إلاّ أنّ مرور الوقت كفيل بتحقيق ذلك، على أن يكون مرور الوقت هذا مصحوباً بحفظ المبادئ، إذ أنّنا إذا فقدنا مبادئنا نكون قد فقدنا هويتنا الثورية، وهو ما سوف يدعو إلى زوال ثقة الشعوب التي تريد أن تجعل من إيران قدوة تقتدي بها.

هذه الظروف العجيبة تكشف عن عظم الكارثة التي تحيق بالقوى العظمى والناشئة عن ضعف أنظمتها القائمة على القوة العسكرية الغاشمة. أي إنّنا حتّى لو افترضنا عدم وجود أيّ طرف معارض لتلك الأنظمة المتسلطة المادية في العالم، غربية وشرقية، فإنّها لا بدّ لها من الانهيار والسقوط بسبب بنيتها السقيمة والاختلال والنقص الموجودين في داخلها.
إنّ هذا النقص الذاتي والبناء المادي السريع العطب والسريع الزوال، شبّهه الله تعالى بالكلمة الخبيثة، بقوله: ﴿وَمَثَلُ كَلمةٍ خَبيثةٍ كَشَجرةٍ خَبيثةٍ اجْتُثّت من فَوقِ الأرضِ ما لها من قرار﴾ (إبراهيم /26).
فهي أنظمة غير باقية، لأنّ تلك الكلمة الخبيثة تفتقر إلى الإمكانية الذاتية على البقاء، وخاصّة أنّ الشعوب المظلومة والمستضعفة قد سارعت إلى إعلان معارضتها لتلك النظم المادية، كالذي نراه في أفريقيا والشرق الأوسط، وفي جنوب آسيا وفي كلّ مكان في العالم حيث يوجد شعب مستضعف، وهي اليوم أشد من أيّ وقت مضى. إنّ ما يعتبر قدوة للشعوب هو النظام الجمهوري الإسلامي، وما من نظام آخر تتخذه الشعوب قدوة لها اليوم. في الماضي كانت هناك نظم لفتت أنظار الشعوب التي كانت تريد صنع نفسها ومستقبلها، أمّا اليوم فلا. إنّ البقعة النيرة التي تتطلع إليها الشعوب وهي تناضل وتضحي وتخاطر بحياتها، هي نظام الجمهورية الإسلامية. والمسلمون من تلك الشعوب أقرب إلى ذلك، بطبيعة الحال. وذلك لأنّ المسلمين يرون أنّ شخصيتهم قد برزت اليوم في صورة نظام شجاع، مهاجم، مقدام، تقدّمي، مجرّب، ولذلك فإنّهم يشعرون بالعزّة والفخر.
ظلّت الهوية الإسلامية عرضة للمهانة والتحقير سنوات طويلة. وقد أريد للمسلمين أن يتركوا هذه الهوية وينبذوها.

إنّ الذين استسلموا للضغط وهجروا هويتهم الإسلامية، يشعرون اليوم بالثورة في أعماقهم، وهم يرون تلك القيم التي اعتبروها قيماً سلبية غدت اليوم قيماً إيجابية فعالة أثبتت وجودها النشط على الصعيد العالمي الواسع. إنّهم يحسون بالحاجة إلى العودة إلى تلك القيم. وهذا هو السبب فيما نشهده اليوم من أن المتنورين، الذين تنكروا للإسلام، عادوا يزحفون نحو القرآن والإسلام الصحيح في كثير من دول العالم، فضلاً عن الشعوب والجماهير المستضعفة التي بقيت محافظة على هويتها الإسلامية، وحيوية وفعالة في إيجابيتها، وشجاعة في مواجهة القوى العظمى، وثابتة لا يعتريها الكلل، ونامية كالكوثر في العطاء، لا يعود يخامرهم الشك لحظة في أنّ هذه الهوية قيّمة، فيتجهون نحوها مدركين أنّها مصداق الآية: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ *  إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر﴾ ذلكم هو الدليل على أن التاريخ يعيد نفسه. فاليوم ذلك التمدن نفسه يطعن القيم الإسلامية والإيمانية. إنّه "هو الأبتر"، هو المنتهي الذي لا عقب له. إنّ الأمة الإسلامية تحسن بهذا كلّه، ولكنّه إحساس ليس مقتصراً على الأمة الإسلامية، فالأمم غير المسلمة تحس الإحساس نفسه، وهم كذلك يحبون النظام القوي المقتدر المقاوم، لقد أتعبتهم السلطة، ولا فرق بين السلطات، فالسلطة الظالمة سيئة، بصرف النظر عن نوع النظام الذي تمثله. لذلك فإنّنا نشهد اليوم التوجه نحو الإسلام وإيران الإسلامية والجمهورية الإسلامية والثورة الإسلامية وشعارات هذه الثورة، في بلدان هي تحت سيطرة الشرق والغرب. إنّنا نشهد هذا الميل فيهم بكلّ وضوح وثبات. ولا يختلف الأمر مع أولئك الذين نادوا بالشعارات الاشتراكية في بلدانهم، فهم بعد أن أدركوا فراغ أنظمتهم وضعفها وهشاشتها لكونها بنيت على تلك الشعارات، التفتوا بميولهم نحو ذلك النظام المقتدر الصلب المقاوم. ذلك هو نظامكم؛ نظام الجمهورية الإسلامية.

لحكومة في النظام الإسلامي تعتبر العمود الفقري والدماغ، والقلب ومقر قيادة الجسم ومصدر الأوامر للأعصاب، ذلك لأنّها أحد العناصر الثلاثة المهمة التي يتألف منها النظام الاجتماعي في النظام الإسلامي. وهذه العناصر الثلاثة هي: الحاكم، والقانون، والناس، فالحكومة تأتي على رأس هذه العناصر الثلاثة. ليس من الممكن أن نفكر بإقامة نظام إسلامي من دون أن نفكر في الحاكم وفي شكل نظامه، إذا ما ادّعى أنّه نظام إسلامي، فإنّ خير محك لهذا الزعم هو أن ننظر إلى حاكمه، وهذا أقرب محك إلى متناول اليد. كيف يصح أن يكون الإسلام هو نظام الحياة في بلدٍ ما، ثمّ يكون أهم قسمٍ من هذا النظام ورأسه، وهو الحكومة، بعيداً عن استلهام الأحكام الإسلامية؟ إنّنا إذا أردنا أن نبحث في الحاكم والحكومة علينا أن نبحث بكلّ دقة وإمعان نظر، ذلك لأنّ هذا الموضوع يقع اليوم هدفاً للهجوم. إنّ من المهم للأجيال القادمة ولسائر جماهر العالم أن تعرف أنّ الإسلام وتحقّق نظامه على صعيد الواقع ليس هو وحده الذي يتعرض للتهجم والخصام على يد القوى العظمى وأعدائه، إنّهم يهاجمون حتى وجوده الذهني في الأفكار.
هذه الهجمات قد وجهت إلى وجود الحكومة الإسلامية العيني. إلاّ أنّ مهاجمتها في وجودها الفكري لا يقل ذلك عنفاً، ويتمثل هذا في تحريف مفهوم الحكم الإسلامي. وهو ليس بالأمر الجديد، فقد كان على امتداد التاريخ. فباسم الحكم الإسلامي وإمامة المسلمين، في عهد السلاطين العباسيين والأمويين، حدثت أمور ضدّ "أئمة العدل" كما يصفهم الشاعر الإسلامي المجاهد (الكميت الأسدي) في إحدى قصائده التي يقول فيها:
ساسة لا كمن يرى رعية الــ
ناس سواء ورعية الأنعام

من هذا يبدو أنّ الذين كانوا على رأس الحكم يومذاك، والذين يعرّض بهم الكميت، كانوا لا يميزون بين رعي الناس ورعي الأنعام، ومنذ ذلك اليوم ظهر أناس ارتكبوا مثل تلك الأعمال باسم حكم الإسلام والحكومة الإسلامية، واليوم لا يزال هذا التحريف في مفهوم حكم الإسلام باقياً في الأذهان بشكل أو بآخر.
لقد أثار عالم اليوم الكثير من اللغط حول تحريف مفهوم الحكومة الإسلامية. فمرة يشبهونها بالحكم الكنسي في الفترة المظلمة من تاريخ أوروبا، ومرة يقولون إنّها حكم رجعي ومتخلّف لا يؤمن بالتطور، ومرة ثالثة إنّها ضدّ العلم، ورابعة إنّها ضدّ المدنية، أو يسمونها بأنّها تعارض حقوق المرأة التي تؤلف نصف سكان المعمورة، لو أنهم استطاعوا بكلمة واحدة أن يدخلوا في الأذهان أنّ النظام الإسلامي يعارض منح المرأة حقوقها، لتمكنوا من إثارة نصف سكان العالم ضدّ هذا النظام، وإذا ما صدّقت النسوة بهذا فمن البديهي أنّهن لن يقفن إلى جانبه.
كثيرة تلك الأساليب التي مارسوها، والتهم التي ألصقوها بالنظام الإسلامي والحكومة الإسلامية لتحريف حقيقة الإسلام، ولهذا كان لا بدّ من القيام بعمل جاد في هذا السبيل. إنّ الآيات القرآنية كثيرة بهذا الشأن، وكذلك المصادر الإسلامية أيضاً، فعلى المفكرين الإسلاميين والعلماء المسلمين أن يشمروا عن ساعد العمل، فلو أنّهم تناولوا هذه المسألة وحدها بالشرح والتوضيح، لكان له أثر كبير في تهيئة عقول الأمم والشعوب لمعرفة الحق.

إنّنا في هذا النظام الجمهوري أقمنا الحكومة الإسلامية، وإنْ لم ندّعِ أنّها أُقيمت بصورتها المتكاملة، ولكنّنا ندّعي بأنّنا نتخذ الاحتياطات التامة للتقيّد بتطبيق أحكام القرآن، وإنّنا ندرك أنّ الحركة نحو تكميل هذا النظام حركة تدريجية، وأنّنا سائرون على الدرب نحوه، إذ أنّ هناك الكثير من المسائل لم نحلّها بعد.
إنّ أوّل مسألة برزت أمامنا في باب الحكومة في نظام جمهوري إسلامي، وارتسمت في أذهاننا جميعاً باعتبارها شعاراً إسلامياً وعلماً من أعلام الحكم الإسلامي، هو القول بأنّ الإنسان قد ولد بطبيعته حراً، وليس هناك تحت الشمس إنسان يحقّ له أن يحكم إنساناً آخر. وكان هذا في نظرنا جزءاً من البديهيات والمسلّمات الإسلامية. والأمر كذلك أيضاً في النصوص الإسلامية. فقد جاء في الآية الكريمة: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ (الشعراء/22) وكذلك ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "لا تكن عبدَ غيركَ وقد جَعلك الله حرّاً".
وهذا هو مضمون آيات قرآنية متوافرة ومتواترة. وفي هذه الآية التي ترد على لسان موسى عليه السلام مخاطباً فرعون، القصد من تعبيد بن إسرائيل هو التسلط عليهم وحكمهم واضطهادهم دون اهتمام بمشاعرهم. إنّ الإسلام يمنع كلّ أنواع التسلط المعنوي والمادي على الناس، ما دامت هذه السلطة غير منتهية إلى الله.

يقول الله سبحانه:  ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (التوبة/31).
أي أن سلطة الأحبار والرهبان الفكرية والروحية تعتبر ربوبية، فهي ممنوعة. كذلك سلطة فرعون المادية سلطة ربوبية ممنوعة.
إنّ الحكم على الناس لله وحده سبحانه، كما جاء في الآية الثانية على لسان يوسف عليه السلام: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾  (يوسف/40).

ولعل السبب في أنّ أكثر الناس لا يعلمون هو أنّهم قد اعتادوا على غير ذلك، إنّهم اعتادوا على أن يحكمهم أفراد من البشر فليس بمقدورهم أن يتصوروا أنّ أياً من البشر، مهما تكن قدرته وثروته، ومهما يكن شرف قبيلته ونبل نسبه، لا يمكن أن يتسلط على جمع من الناس ويحكمهم:  ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾
وفي الآية التي أوردتها في صدر كلامي، يخاطب الله سبحانه وتعالى داوود عليه السلام قائلاً: (يا داوودُ إنّا جعلناكَ خليفةً في الأرض) أي لولا "الإرادة" الإلهية في "جعل" داوود خليفة، لما كان لداوود الحق في هذا على الرغم من كلّ فضائله ومقامه.
وفي ما يتعلّق بالأنبياء جاء في سورة البقرة: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (البقرة/213).
ههنا تعين أنّ النبي يحكم بين الناس، لا بحسب ما يهوى ويشتهي، بل وفق الكتاب، فهو الحاكم وهو ميزان الحكم. إنّ هيكل النظام العالمي يقرّره كتاب الله، والنبي قد "جعله" الله القائم بتنفيذ ما جاء في الكتاب. وهذا هو المبدأ الثاني من مبادئنا المقبولة عندنا.

أي، إنّنا بعد أن قبلنا بأن أفراد البشر لا حقّ لهم في أن يحكم بعضهم بعضاً وأن كلّ حكم من هذا القبيل لا ينتهي إلى الله يكون حكماً غاصباً وغير منطقي، نعود لنبحث عما يجب أن يعتمده الحاكم الإلهي عند الحكم، وهو كتاب الله، وهذا هو "القانون" الذي يعتبر العنصر الثاني من العناصر الثلاثة في الحكومة الإسلامية والنظام الإسلامي. فالحكم يجب أن يكون على وفق ما جاء في كتاب الله.
والحاكمون هم الأنبياء الذي نصبهم الله، أو الأوصياء الذين ينصبهم النبي. أمّا عندما لا يكون هناك حاكم نصبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كزماننا هذا، فلا موجب للاختلاف حول إمام منصوب بين القائلين بنصب خليفة بعده. لم يعد اليوم معنى في وجود ذلك الاختلاف حول العثور على الحاكم الإسلامي، لأنّنا سواء أقلنا بالتنصيب أم لم نقل، فإنّ الإمام الحاكم المنصوب لا وجود له، فعلينا أن نبحث عن المعيار.
ترى ما هي تلك المعايير التي إذا توفرت في فرد حقّ له أن يحكم من قِبل الله. إنّ مثل هذا الفرد يجب أن يحكم بكتاب الله، ويجب أن يكون عالماً بالكتاب إذ لا يمكن أن يحكم بكتاب الله من لم يكن عالماً به. ولما كان عليه أن يربي الناس ويهذبهم. وهذا من شؤون الأنبياء، وعلى الحاكم الإسلامي أن يكون كذلك أيضاً. فلا بدّ أن يكون هو نفسه قد تربّى وتهذّب، ولهذا تجب مراعاة العلم والعدالة في الحاكم الإسلامي- إنّ الإمام أو القائد – وهو تعبير دقيق وكامل عن الحاكم الإسلامي – لا بدّ وأن يكون عالماً بكتاب الله، أي يجب أن يكون متفقهاً في الدين، ولا بدّ وأن يكون عادلاً، لا يتّبع هوى نفسه، ذلك لأنّ الله تعالى أمر نبيه داوود (وسائر الأنبياء) قائلاً به: (ولا تتّبع الهوى فيُضلّك عن سبيل الله) لأنّ اتباع الهوى هو أصل الفساد في المجتمعات. وبناءً على ذلك فلا بدّ للحاكم الإسلامي من أن يتجنّب الوقوع تحت تأثير هوى نفسه، وهذا لا يكون إلاّ بالعدالة، فتكون نفسه مصونة عن الميل إلى الدنيا، فلا تجذبها المطامح الدنيوية.

هذه الشروط والمؤهلات لم ترد بصورة تفصيلية في النصوص الإسلامية ولا في الكتاب والسنّة، إنّما هي: حكومة الفقيه وولاية الفقيه التي اخترناها محوراً وقاعدة لبناء نظامنا الجمهوري وأعلنّا عنها. حكومة الفقيه هي حكومة العالم بعلم الكتاب، العالم بالدين، ولكن لا كلّ فقيه، فالعالم الذي يقع تحت تأثير هوى نفسه لا يمكن أن يدير شؤون البلاد، وبالإضافة إلى العلم والتهذيب، أو العلم والعدالة، لا بدّ وأن تكون له القابلية على الإدارة، وهذا شرط عقلي، كما جاء في القرآن الكريم في حكاية طالوت:  ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾  (البقرة/247).

وبديهي أنّ البسطة في الجسم لا تعني القوة الجسمية والبنية السليمة فحسب، بل لعلّها تعني أيضاً العقل السليم والقدرة على الاضطلاع بأعمال الإدارة. وحتّى لو لم تعن ذلك فإنّها شرط لا بدّ منه.
هذه أمور نرى لزوم توفرها في الحاكم، وعلى أساسها تمّ اختيار الحاكم. فالولي الفقيه أو ولاية الفقيه مبنية على هذا الأساس، وبموجبه اختير الولي.
وهكذا نكون قد وجدنا الحل لقضية الحاكم والقانون، فالحاكم هو ذلك الإنسان الذي اختير وفق المعايير والموازين، وهي موجودة في القرآن. والقانون هو ما أُشير إليه في القرآن وما وجب حتّى على الأنبياء اتباعه من دون أن يصدروا حكماً من عندهم، فالكتاب فيه قوانين الدين والوحي الإلهي.
العنصر الثالث هو الناس، أترانا في النظام الإسلامي قد أهملنا الناس؟ كلا أبداً، فالناس عنصر رئيسي في النظام، هم الذين ينتخبون، وهم الذين يعيّنون، وهم الذين يرجع إليهم في التشاور وفي اتخاذ القرارات. إنّ الناس في الواقع هم أصحاب الاختيار، والاختيار حقيقة موجودة.
أمّا في الديمقراطية الشرقية فالأمر أسوأ. إذا أن الانتخابات لا تجري بين الناس جميعاً، فحقّ الانتخاب مقصور على أعضاء الحزب. بل يمكن القول في كثير من الحالات إنّه حتّى أعضاء الحزب لا يحقّ لهم الانتخاب، بل إنّه مقصور على كبار النخبة من الأعضاء فقط.

أما بالنسبة للحكم فللناس دورهم في انتخاب مجموعة لنظام كامل، كما أنّ للقيم دورها، وللأحكام الإلهية دورها أيضاً. وهذا هو النظام النبوي. ذلك أنّنا عندما ندرس تاريخ الأنبياء نجد أنّ أهم عمل قاموا به هو التعليم والتزكية وإدارة شؤون المجتمع. هذه هي الأعمال الثلاثة التي كان الأنبياء يضطلعون بها: تعليم الناس المعارف الإلهية، والمنظور الإسلامي، والأحكام الإلهية، وتربيتهم، وتزكيتهم، ورعاية مواهبهم، وإعداد الناس لكي يديروا شؤونهم بأنفسهم، ومن ثمّ إدارة شؤون المجتمع الذي تكون إدارته من شؤون الأنبياء، ما دام فيهم نبي، بحسب الحكم الإلهي.
إنّني أطلب وأرجو من العلماء المحترمين والخطباء والمتنورين في العالم أن يتناولوا موضوع الحكومة الإسلامية بالشرح والتوضيح للناس، فهذا من أهم المواضيع التي يجب أن تدرس وتُبلّغ لعموم الناس. عليهم أن يبيّنوا للناس مدى المسافة التي تفصل واقع الحياة حولهم عن الحقيقة التي يريدها الإسلام سائلاً الله تعالى التوفيق لكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع