أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مجتمع: حُسن الجوار

فاطمة السيد قاسم


جاء الإسلام وحمل لنا معه نظرية متكاملة حول حقوق الجيران وحسن المجاورة. فلكي يقوم المجتمع الذي تسوده المحبة والسلام والعيش الرغيد، لا بدّ له من أن يراعي الموازين الاجتماعية والمبادئ الأخلاقية. التي تربطه برباط الإيمان والعمل الصالح. وبإهمال الموازين هذه وعدم أخذها بعين الاعتبار يتحول المجتمع إلى مجتمع متآكل ومتصدئ ساقط.
ومن أهم الموازين في إقامة هكذا مجتمع، هو ميزان حقوق الجار وحسن المجاورة. ولا نتعدى الحقيقة والواقع إذا قلنا بأنّ نظرية الإسلام في المجاورة هي فصل كامل من رسالة الإسلام تعتبر من أروع الفصول التي سطرها أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين.

من هنا، يجدر بنا أن نأخذ الدروس العظيمة منهم عليه السلام بحيث قدموا لنا أروع الأمثلة في الحفاظ على بناء المجتمع الصالح، القائم على حسن الجوار، وأداء حقوق الآخرين الجيران بعضهم لبعض... في الوقت الذي يعيش فيه العالم أقسى حالات القطيعة فالحضارة المادية المعاصرة، جاءت وهدمت هذا القانون، قانون حسن الجوار، فانهدمت بانهدامه كلّ أعمدة الأخلاق في المجتمع من رحمة وتآخي وتعاون ومحبة فانهارت قواعده من الأساس بحيث أصبح الجار لا يسأل عن جاره حتى ولا مرة واحدة في فترة المجاورة والتي قد تستمر ردحاً من الوقت أو طول العمر، كأن كل جار يعيش في مكان غير المكان الذي يعيش فيه الآخر.
فالحضارة المادية المعاصرة لم تتوقف عند المجتمعات المتقدمة صناعياً الخاوية من الإنسانية التي سحقوها تحت أقدامهم بل تتعداها لتصل إلى مجتمعاتنا التي أخذت الحضارة المادية تتغلغل وتنتشر وتتفشّى داخلها بفعل ما تقدمه لمجتمعاتنا من خلال أساليبها المختلفة، فالخطر كلّ الخطر أن يتحوّل هذا المجتمع إلى مجتمع تتناسل فيه كلّ الصفات الرديئة وكلّ الرذائل المنحطة.

فلهذا، علينا أن نربي أنفسنا تربية إسلامية رفيعة نتغلب من خلالها على مواطن الضعف في نفوسنا. لأنّ النفس البشرية لها وجهان، وجه تنمو فيه الفضائل ووجه تقبع في أكوام الأنانية والمفاسد والرذائل.
فالذي يترك نفسه تتخبّط في الظلام يهلك ويهلك الآخرين معه. في حين أنّ الذي يزكيها ويربيها تربية طيبة فإنّه لا شكّ سيأخذ النتائج المثمرة التي تجعل من نفسه إنساناً عظيماً بحيث تقاس عظمته بمقدار علاقته بالله سبحانه وتعالى وبمقدار علاقته بالآخرين وخدمته لهم وعطاءاته لهم من أجل الله. فالعطاء الصحيح هو الذي يترك أثراً تربوياً في المعطي بقدر ما ينفع السائل. فها هي الزهراء عليها السلام كانت توزع الطعام على جيرانها حتّى يشبعوا وكانت لا تضع لقمة في فمها وأولاد جيرانها في جوع. بل كانت تقدم الطعام لجيرانها أولاً ثمّ تبدأ هي بالأكل ثانياً. وأيضاص كانت تعود مرضاهم وتقضي حوائجهم فيأنس الضعفاء في قربها ويرتاح الأيتام في ظلها.

بالإضافة إلى هذا كانت تقوم في محرابها تصلي من أول الليل إلى انبلاج الصباح فلا تدعو لنفسها وإنما تدعو لجيرانها بإلحاح ودموع حين يسألها ولدها الإمام الحسن عليه السلام عن سبب انشغالها بالدعاء للجيران دون نفسها، تجيبه بقولها: الجار ثمّ الدار.
ونفس الشيء كان يصنعه علي أمير المؤمنين سلام الله تعالى عليه مع خادمه قنبر، وذلك عندما ذهب إلى السوق فاشترى ثوبين، حيث أعطى الثوب الأكثر جمالاً وقيمة لقنبر بينما هو عليه السلام اكتفى بالثوب الأقل جمالاً وقيمة حيث احتفظ به لنفسه.
ومن دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام في الصحيفة السجادية عندما كان يدعو لجيرانه ويبين حقوقهم في الإسلام كان يقول: اللهم صلّ على محمد وآله وتولني جيراني وموالي والعارفين بحقنا.. إلى أن يقول عليه السلام وسد خلتهم وعيادة مريضهم وهداية مسترشدهم، ومفاصحة مستشيرهم، وتعهد قادمهم، وكتمان أسرارهم، وستر عوراتهم، ونصرة مظلومهم وحسن مواساتهم بالماعون، والعود عليهم بالجدة والإفضال، وإعطاء ما يجب لهم قبل السؤال...

من خلال هذه الكلمات الرائعة المعبرة التي كتبها الإمام زين العابدين عليه السلام في الصحيفة السجادية ندرك الأهمية التي أولاها لحفظ حقوق الجيران. والرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يحسن معاملة جيرانه ولو كانوا من غير ملة الإسلام فالجميع يعرف قصته المشهورة مع جاره اليهودي الذي زاره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أثناء مرضه مع أنّ اليهودي كان أيام صحته يقع الأقذار أمام بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فخجل اليهودي من نفسه واعتذر للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأعلن إسلامه.
وأيضاً هناك أحاديث كثيرة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام تدعونا إلى حسن الجوار نقتطف بعضاً منها:
عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم:"من خان جاره شبراً من الأرض، جعلها الله طوقاً في عنقه يوم القيامة من آذى جاره، حرّم الله عليه ريح الجنة، ومأواه جهنم وبئس المصير. وأيضاً ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتّى ظننت أنّه سيورثه".

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "من كفّ أذاه عن جاره، أقال الله عزّ وجل عثرته يوم القيامة".
وأيضاً عن الإمام الصادق عليه السلام:"ملعون، ملعون من آذى جاره".
هكذا نرى أنّ الإسلام خصّ حسن معاملة الجار وتكريمه فجاء في حديث شريف: "أتدرون ما حق الجار؟ إذا استعان بك أعنته، وإن استنصحك نصرته، وإن استقرضك أقرضته وإن مرض عدته، وإن مات شيعت جنازته وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلاّ بإذنه، وإذا اشتريت فاكهة فاهدِ له، وإن لم تفعل فأدخلها سراً، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ ولده، ولا تؤذه بقتار قدرك إلاّ أن تغرف له منها".

ولكن ما هو الجار الذي خصّه الإسلام بالتكريم وحسن المعاملة؟
هل ذاك الجار الذي يسكن قرب بيتك؟ أم الذي يلازمك في حلك وترحالك؟ أم الذي له أرض إلى جانب أرضك؟ أم الجار الذي هو في مكان عملك؟ أم أنّه كل هؤلاء؟
كلمة الجار أشمل من ألاّ تقتصر على كلمة واحدة مما ذكرنا. الجار الحق هو الذي يرعى حق الجوار فلا يخون ولا يغدر ولا يؤذي بل هو الذي يشارك جاره في أحزانه وأفراحه وهو الذي عينه ويخفض عنه مرارة العيش والفاقة والحرمان.

فالجار الجيد المؤمن هو الذي يظهر كلّ الصفات الجميلة في حياة جيرانه ويستر كلّ خلل وكلّ قبيح حيث نصوغ من خلال ذلك مجتمعاً كالبنيان المرصوص يشدّ بعضهم بعضاً.
أمّا إذا كان الجار من أهل السوء فيجب علينا أن لا نعامله بالمثل. بل علينا أن نقدّم له النصيحة والموعظة الحسنة والمعاملة الطيبة حتى يرتدع عن ذلك. بحيث أنّ المعاملة بالمثل تمزق الروابط الاجتماعية وتدمر المجتمع. فعلينا أن نصبر على أذاه، وأن نكف أذانا عنه.

والسؤال الذي هو بحاجة إلى جواب؟
هل كل جار يجب أن نحسن معاملته ونكرمه؟

يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: الجيران ثلاثة: جار له ثلاث حقوق، وجار له حقان، وجار له حق الجار... المشرك من أهل الكتاب.
الجار الأول: له حقّ الجوار وحق القرابة وحق الإسلام.
حق القرابة فهو من أرحامنا، فيكون له حق القرابة صلة الرحم، وحق الإسلام لأنّه مسلم وحق الجوار لأنّه جارك.

الجار الثاني: حق الجوار – وحق الإسلام. فهو مسلم فلا بدّ له من حقوق الإسلام، وهو مجاور لك، فله حقّ المجاورة.. فله حقان الإسلام والمجاورة.

الجار الثالث: فهو المشرك الذي ليس له إلاّ حق الجار وهذا من أدق الأمور في مناهج الإسلام، بحيث يجب أن تراعي حق الجوار حتّى ولو كان جارك مشركاً بعيداً عن الله.
وفي هذا المجال، ذات يوم ذبح النبي شاة ثمّ سأل أهله: أهديتم لجارنا اليهودي؟
وهكذا نرى الإسلام يقدم لنا منهجاً تربوياً رائعاً، منهجاً يقوم على المحبّة والإخلاص وتنمية روح المبادرة إلى عمل الخير. فالأمة التي تسعى إلى التقدم والحياة المثلى هي الأمة التي يكون أبناؤها "كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمّى".


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع