صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

دور التربية في توحيد الأمة

إعداد: محمود دبوق‏



دور التربية في توحيد الأمة.
الكاتب: د. فاضل بن حميد الكثيري.
الناشر: دار الهادي
من الخصائص الناجحة لأي بحث أن يمتاز؛ بالشمولية، والتركيز، والتقسيم الممنهج، إضافة لنوعية الموضوع من حيث حاجة الناس العملية إليه. ومما لا شكّ فيه أن الحديث عن دور التربية في توحيد الأمّة وهو محور الكتاب الذي بين أيدينا لهو من أشد المواضيع أهمية لدى أي أمّة أو شعب، فكيف إذا كان في شرقنا الذي مزّقته أعاصير المستعمرين، ولم ترد به سوى الشر منذ أن سطع فيه نور الإسلام المحمدي بالخصوص.


* مفهوم الأمة
ضمن الحديث عن مفهوم الأمّة وقضية الوحدة؛ يشرح الكاتب معنى الأمّة من الفهم اللغوي إلى البعد الاجتماعي قائلاً: "عندما نتكلم عن مفهوم الأمة، فإننا بحاجة إلى تناول أبعادها التي يمكن أن تكون معلماً واضحاً لتحديد عناصرها، كونها تعد مجتمعة تكويناً لجسم الأمّة ذاتها، ابتداءاً من البعد التاريخي والثقافي والديني والخصوصيات الاجتماعية... وفي ما يخص المؤشر الأول المستقر من التاريخ، فالمجتمع العربي قبل الإسلام كان مجتمعاً يشبه إلى حدّ كبير مجتمعنا الحالي، منهكاً بالفقر والتشتت السياسي، ليس له قرار أو قدرة على المساهمة في بناء الحضارة أو حتّى الدفاع عن ذاته، تتنازعه مشكلات لم يستطع الخروج من وحلها إلا بمجي‏ء الإسلام؛ فشهد العرب انطلاقة غير مسبوقة وأسهموا بشكل لافت ومثير في الأداء الحضاري والإنساني".

* الوضع الراهن‏
من جهة أخرى يتحدث الكاتب عن الوضع الراهن للدول العربية في موضوع الوحدة وعلى عدّة مستويات؛ فعلى مستوى الزمان فقد حدث فيه اختلاف مهم وتغيّر موازين القوى، وعلى مستوى المكان فقد تحوّل إلى رقعة جغرافية مستقلة الواحدة عن الأخرى. وزد على ذلك المشكلة الكبرى التي تتلخص في تسلط الغرب الأوروبي والشمال الأمريكي المتوثب دائماً للحرب، والذي فرض سيطرته على ممرات المياه الدافئة ولم يدخر شيئاً للسيطرة على بحيرات النفط، وما حمله من هجمات أخرى أثرت في واقع الأمّة على المستويات الفكرية والقيادية، بما فيها الصعيد الديني واللغوي والعقائدي والسياسي والعسكري بما يمثله ثقل الغرب في دولة الكيان الصهيوني الغاصب. وأما أسباب ذلك الوضع فيرجعه الكاتب إلى سببين هما: الأسباب الذاتية المتعلّقة سواءاً بالأفراد من عوام الناس أو بمن هم في سدّة الحكم، والأسباب الموضوعية المتعلّقة بالحقبة الزمنية التي مرت بها الأمة الإسلامية من الصراعات والحروب، والتي شغلت الناس نسبياً عن الاستقرار فحالت دون اهتداء العقل إلى الابداع العلمي.

* أنواع التربية
وفي أنواع التربية يتحدث عن التربية العفوية، والشبيهة بالمقصودة. فالعفوية منها تبدأ مع الأهل حيث يحصل منها الفرد على مجموعة مكتسبات تتم بشكل تنازلي أي من الوالدين إلى الأولاد ونادراً ما يحصل العكس. وأما التربية الشبيهة بالمقصودة: فغالباً ما تتم في مؤسسات مدنية تفتقر إلى الخطط التربوية الممنهجة والخاضعة لمنهج تعليمي، وأكثر ما يقوم بهذا النوع هي الجمعيات الكشفية والشبابية والنوادي الرياضية والمنتديات الفكرية المستمرة، لكن العمل التربوي فيها يبقى محدوداً. وإلى الحديث عن التربية بين التعليم والتكوين، ينتقل الكاتب للكلام عن أهمية المربي في هذا المجال فيعتبره مخلّصاً تربوياً، ومن سماته أنه رجلٌ قومة مستمرّة، فهو مربٍّ رسالي وهو حاجةٌ أساسية وحصانة إنسانية لبناء شخصية الأجيال. وإن كل هذه المقدمات مع ما يليها من حديثٍ عن النفير التربوي، والاستنهاض التربوي، وحواجز الجمود التربوي، إلى التربية والسياسة، والمناهج التربوية واختيار المعلم وآليات المناهج في عالمنا العربي الذي يركز عليه الكاتب، إنما تهدف للسعي إلى الوحدة والتوحد ضمن خططٍ علاجية لهذه الأمة في جانبين هما: الخطة المنهجية ثم الدراسات التربوية.

* أسس توحيد الأمّة:
في سياق هذا العنوان للكاتب نظرة؛ أنَّ الأسس العقدية والتربوية والعرقية والجغرافية والطبيعية مجتمعة هي منظومة توحيد مهمّة في جوانب الوحدة ذاتها، ولا يناقش هذه الفكرة هنا من منطلق العربي وغير العربي، بل انطلاقاً من الاستفادة من الجانب الايجابي لها حيث يوضح ذلك قائلاً: "تبقى العروبة ذات شأن مهم في كونها رابطاً متيناً في بلورة أساس استراتيجي يمكن أن يكون دعامة لجميع الشعوب الإسلامية، فالعروبة لها من المعالم ما يجعلها على غاية من الأهمية، أبرزها ذلك التدين الفطري، والحسّ القومي، والتواصل النسبي، والحمية، وحفظ النسل وفق معايير أكثر ضبطاً من غيرها". (وكل هذا بحسب رأي الكاتب).

* رؤى التغيير:
من نقطة الصفر (إذا صحَّ التعبير) ينطلق الكاتب مجدداً فيطلّ على موضوع أسس الوحدة والتربية من جانبها التغييري، ويرى أن هناك مجموعة من الرؤى تمثل في مجملها تعبيراً دقيقاً عن إرادة التغيير هذه؛ فمنها اللغة كونها تأخذ محلاً هاماً من جوانب عديدة: من تعريف اللغة إلى قيمتها؛ في توصيل المعرفة، ونقل العلوم، فاللغة التي تملك جوانب ثابتة ومرتبطة بهوية الشعب والمؤثرات النفسية، هي أيضاً كلغة أم تمنح المتعلم انسجاماً بين تفكير المتعلم ولغته، وبالتالي يصبح التوافق ذا فاعلية في إطار الانتاج الفكري. واللغة العربية كما يضيف الكاتب، هي "كما الأرض العربية تملك من الامكانات ما يجعلها من اللغات الحيّة باستمرار، ولكن الهزال الذي بليت به هذه الأمة لم يطلق عنانها لجعلها لغة تواصل بين أبناء الأمة قاطبة، وهذا ما يجعلنا نبرز أهميتها ضمن دوائر الحريّة نفسها". ومن اللغة يشرع صاحب الكتاب في موضوع الحريّة ودورها الهام كمفصل أساس في رؤى التغير، إذ أن الحريّة متعلقة بإرادة التغيير، وهي على نوعين حرية شخصية وأخرى مدنية.

* كيفية الإعداد:
كون الحديث يدور حول الإنسان، وهذا الإنسان العربي بالخصوص، والذي من المفترض أن يحمل على عاتقه المسؤوليات الجسام ضمن الجانب الذي أشار إليه الكاتب حصراً في مزايا مجتمعه، فالمطلوب أن يكون الإعداد لكل إنسان عموماً على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة. ولا ينسى الدكتور فاضل الكثيري أن يعرج على نقطة هامة تتعلّق بالحراك الاجتماعي الذي يمر به هذا المجتمع أو غيره في مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية.

* التربية لم تأخذ حقها في المجتمع العربي:
في خلاصات ملفتة وفي خاتمة البحث يتناول الكاتب أفكاراً أراد منذ البداية أن يفصّل فيها بغية الوصول إلى دور التربية في توحيد الأمّة، فيقول: "بما أن الدراسة تناولت محاولات الوحدة، فإن الجانب التربوي في هذه الدراسة جديرة بالإضاءة، وقد تبين أن التربية عملية بناء اجتماعي فعّالة لكنها لم تأخذ حقّها في المجتمع العربي، ولم تنطلق من مرتكزات تقوم عليها هذه الأمّة. ومن هذا المنطلق، فضرورة التربية في هذا الجانب هي ضرورة الوحدة في فعل التأسيس والتكوين وديمومة الاستنهاض، وهي ذات حدّين، إما أن تكون تربية بنّاءة أو فعلَ هدمٍ وتدميرٍ". الكتاب للمطالعين والقرّاء ولأصحاب الاختصاص في هذا الحقل، وقد شمل العنوان المطروح للكتاب تفاصيل في أبعاده كافة كما أرادها الكاتب، بالرغم من اقتصار الشواهد والحواشي على خصوصيات معيّنة. وهو كتاب غني في جوانب عديدة لكنه يحتاج للتركيز والتمعّن.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع