آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص مجتمع | "الأمّ بتلمّ" مناسبة | من رُزق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حُبّها

قراءة في كتاب: في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي عليه السلام

إعداد: محمود دبوق‏



كتاب: في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي عليه السلام
الكاتب: عبد الرضا الزبيدي
أمير المؤمنين عليه السلام هو ذاك البحر اللامتناهي من العلم والإيمان والأخلاق، كيف لا وقد غذّاه رسول الإنسانية من أخلاقه وعلمه ما فتح له منها ألف باب وباب، فإذا ما أراد طالب الحقائق أن يدرك واحداً منها على الأقل، فما عليه سوى أن يعود إلى من قال: "سلوني قبل أن تفقدوني". ولأن الحاجة تقتضي في كل مرّة أن نطلّ على جانبٍ من عطاءات الأمير عليه السلام، فقد آثرنا عرض هذا الكتاب لما فيه من الفائدة العملية والعلمية للمجتمعات البشرية ولما تعاني منه الإنسانية في هذه الأزمنة من تعقيدات الحياة، كما يقول الكاتب: ".. فماجت الأرض بذلك الضياع الفكري وحالة الفراغ الروحي الذي يعيشه الكثير من الشباب في هذا الوقت، كل هذه الأمور وغيرها دعت إلى طرح الفكر الاجتماعي عند الإمام علي عليه السلام... فمع هذا الفكر العظيم تتحرّر العقول والأفكار التي اختلطت أوراق معرفتها وتشابكت خطوطها".


* تعاريف علم الاجتماع وماهيته:
يطل الكاتب وفي نظرة واقعية إلى وضع المجتمعات الإنسانية، فيتحدث في الجانب المسيحي عن الابتعاد الحاصل عن أصل العقيدة والذي أدى إلى ظهور طبقة دينية وظّفت العقيدة لمصالحها الخاصة بالتعاون مع طبقة الملوك والأمراء والنبلاء والإقطاعيين وصار لدى أتباع هذه الديانة نزعة إلى الرضا بهذه الأوضاع لأن اللَّه قد فرضها عليهم بحسب اعتقادهم، أما في بلادنا الإسلامية فيبيّن كيف أن الحكّام قد ابتعدوا عن السير على ما رسمه القرآن والسنّة النبوية الشريفة الطاهرة واتخذوا هواهم منهجاً، واتكأوا على طبقة من الوعاظ الضّالين المضلّين في تأويل الآيات وتحريف الأحاديث الشريفة. ... وبين هذه الحالة وتلك، هناك مجتمعات بأكملها بأمسّ الحاجة لتعرف كيف تدير أمورها وعلاقاتها فيما بينها. لذا يبدأ الكاتب بتعريف علم الاجتماع قائلاً: "إن علم الاجتماع هو ذلك العلم الذي يدرس طبيعة العلاقات الاجتماعية وأسباب هذه العلاقات ونتائجها"، وبحسب قول البروفسور "مورس كنزبرك": "هي أي اتصال أو تفاعل أو تجاوب بين شخصين أو أكثر بغية سد أو إشباع حاجات الأفراد الذين يكوّنون هذه أو تلك العلاقة الاجتماعية". هذا وبعد أن يدخل الكاتب في تقسيمات علم الاجتماع بحسب آراء بعض الغربيين أمثال "دوركايم" وهو زعيم المدرسة الفرنسية لعلم الاجتماع إضافة إلى "مورس كنزبرك" يصل للحديث عن معنى الظواهر الاجتماعية وينتقل بعدها إلى أثر هذه الظواهر في بناء النظرية الاجتماعية ثم إلى الحديث عن الاستعارة السلبية لبناء النظرية الاجتماعية بالاتكاء على مباني علم الاجتماع المنبثقة من الواقع الأوروبي والذي يعتبر منهجاً غير صحيح إن لم يكن ينظر إليه بالريبة والشك، مع استعراض آراء بعض علماء الاجتماع، إلى أن يبدأ بالحديث عن تراث الأمة وبناء المجتمع، وهنا يعرض وتحت عنوان رئيسي هو "السير على نهج علي عليه السلام" عنوانين فرعيين هما "الإمام علي عليه السلام والفكر الاجتماعي الإسلامي" و"الإسلام والاتجاه الحقيقي للعلوم" وهنا تبدو المقدمات الفعلية وما يلحقها تباعاً للدخول إلى صلب موضوع الكتاب وهو الفكر الاجتماعي عند الإمام علي عليه السلام.

* السلطة والمجتمع:
يقول الكاتب أن: "من العوامل المؤثرة في طبيعة تشكيل النظام الاجتماعي وتوالد وتراكم الظواهر الاجتماعية هو ماهية الحكم والحاكم في المجتمع". هنا تتضح معالم الموضوع في بداياتها انطلاقاً من تأثير السلطة في المجتمع وتأثّرهما ببعضهما من خلال الحقوق المتبادلة فيما بينهما ويذكر كلاماً لأمير المؤمنين عليه السلام حول ذلك، يتحدث عن أثر الحرب والسلم في المجتمعات وهل لهذه المجتمعات البشرية بسببهما دورات حضارية تتكرّر دائماً وبنمط معيّن واحد؟ أم حتمية تاريخية أو اقتصادية أو نفسية أو مثالية؟ أو تحدٍّ واستجابة، أم ديالكتيك حسب قانون التناقض؟ أم أن أصل ذلك كما جاء في نظرية "الصراع من أجل البقاء" أو البقاء للأصلح الدارونية؟ أو "التعاقد الاجتماعي" لـ"هوبز" و"لوك" و"روسو" أم غير ذلك؟ وكل هذه نظريات من بنات أفكار البشر كما يقول الكاتب، ويدخل في هذا إلى النظرة والواقع الإسلامي في عهد الرسول صلى الله عليه وآله، ويدل على معانٍ في ذلك من الآية الشريفة ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ (الحج: 40) مع تفسير للسيد الطباطبائي حول ذلك، إلى مبدئية أمير المؤمنين عليه السلام وحكمته وإدارته بالمعنى الإلهي للحرب والصلح والسلم، والعهود والعقود، والقتل وسفك الدماء، وليظهر بذلك الفارق بين النظرة المحدودة للبشر وبين الحكمة الإلهية التي ظهرت في الرسالة الإسلامية وفي أكمل صورتها دون غيرها.

* بناء الذات الإنسانية:
ويستمر الأنس مع الكتاب حيث يتناول الكاتب موضوع بناء الذات الإنسانية وفق المعايير الإسلامية، من خلال كلمات الأمير عليه السلام في نهج البلاغة وهو المصدر الأساس في معالجة مواضيع الكتاب حيث يدعو عليه السلام إلى التمسك بالقرآن الكريم وإلى الحذر من النفاق والمنافقين ومن الأعراف التي سنّها الكثير من الناس بما يخالف الشريعة الغراء والأخلاق والقيم إلى موضوع الشورى كما يوضحها الإمام علي عليه السلام، وهناك عناوين أخرى هي جملة من المفاهيم التي أرسى قواعدها سلام اللَّه عليه، ومنها رعاية الحقوق ومعنى الارتباط بالآخرة، ومواساة الأمير عليه السلام للآخرين، إلى أهمية الارتباط بالقانون بما يحتاجه إلى نظام أخلاقي في المجتمع، وإلى معاني العبودية للَّه والحزم واللين، وإقامة التوازن في التعامل مع الجميع دون استثناءات.

* تقسيمات المجتمع:
المحطة التفصيلية والهامة تبرز عندما يأخذنا الكتاب إلى تقسيمات المجتمع كما يقدّمها الكاتب من خلال فهمه لكلمات الإمام عليه السلام، وهي تنفرد عن غيرها بتنوعها وأسلوب التعامل معها ومعالجتها وهي إما نفسية أو معرفية أو إنسانية كما يقول. ويضي‏ء الكاتب عليها جميعاً بأنوار حكمة الأمير وعلمه ومعرفته التامّة بها حيث يضع لنا عليه السلام القواعد والأسس، ويذكر الكاتب العديد من التفاصيل في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام وهي بحدّ ذاتها دروس وعبر تجدر مطالعتها والاستفادة منها.

* المال وبطانة السوء:
يشير الكاتب إلى علم الاجتماع عند الإمام علي عليه السلام حيث اهتم بالحالة الاقتصادية وكأنه يناقش علم الاجتماع الاقتصادي ويعطي الأفكار المناسبة للعمل الصحيح، ويدحض الكاتب الكلام حول أنَّ ابن خلدون هو واضع الأسس لعلم الاجتماع من خلال مقارنة علمية يدخل في سياقها صاحب الكتاب، ويتحدث عن أهمية المال وكيف عمل وأوصى أمير المؤمنين عليه السلام بالعمل به بما ينعكس ايجابياً على التطوّر الحضاري والمدني، ثم يصل إلى تبيان معنى الخراج وكيفية استغلال الأموال العامة ونتائج الاستغلال الخاطئ ثم وصايا الأمير عليه السلام الإنسانية لعمّال الخراج ووكلاء الأمّة وسفرائها وكيف يوصي بالعدالة وعمارة الأرض في مقابل جمع الخراج ومسؤولية الدولة عند وقوع الكوارث الطبيعية ويتعرض إلى مواضيع أخرى كالإدخار النافع، والفقر والحاجة وتراجع العمران إلى النظريات الاقتصادية الحديثة المختلفة والعلاج الإسلامي لها إلى أمير المؤمنين عليه السلام كونه القدوة الحسنة في القيادة والجهاد والعدل، ثم يشرع الكاتب بالحديث عن بطانة السوء والتكالب على استحصال المنافع، وكيفية دفع الأضرار وقطع الأسباب الموجبة لهذه الحالة المستشرية في المجتمعات.

* السلطة والعلاقات العامة مع الأمّة:
إننا كقرّاء نلاحظ أن الجامع المشترك في الكتاب بين مختلف العناوين هو الدولة والمال والحاكم بصورة عامة حيث ويقدّم الكاتب تفاصيل هامّة حول الوالي وروحه الإنسانية بالتعامل مع الرعية، وحول الدعوة للقاء الأمّة، وعلم الاجتماع السياسي فيتحدّث عن الآثار السلبية لاحتجاب الحكام والولاة عن الأمة وعدم مكاشفتها، وحول موضوع المظالم ووصايا الإمام في ذلك إلى الحديث عن العدل والظلم وموقع أمير المؤمنين عليه السلام في كل تلك التفاصيل ما يدفع القارئ عملياً إلى الاستفادة منها بلا شك ولا ريب إذا ما كان واقعاً ممن يبحثون عن العدالة الاجتماعية ومفاهيمها وبكل ما تحمله ويحمله هذا الكتاب الشيّق والذي يقع فيما يقرب من ثلاثمئة وخمسة وسبعين صفحة تستحق منّا الوقت وبعض الجهد في آنٍ معاً.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع