نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قراءة في كتاب‏: الحياة السياسية للإمام الجواد عليه السلام

إعداد: محمود دبوق



الناشر: المركز الإسلامي للدراسات.
الكاتب: السيد جعفر مرتضى العاملي.
عندما نتناول سيرة تحليلية في مرحلة من حياة إمامٍ من أئمة الهدى الاثني عشر، سنجدُ أن الحديث يتسعُ ولا يمكن لنا بالتالي أن نقتصر على بعض الأحداث البارزة والمواقف المفصلية والكبيرة فقط ونغفل عن أخرى كتلك التي صدرت عن الإمام الجواد عليه السلام والتي قد لا يتوفّر لنا منها إلا ما هو بعدد أصابع اليد الواحدة "كما يشير إلى ذلك صاحب هذا الكتاب المحقق السيد جعفر مرتضى".


* الأئمة والسياسة
كتاب الحياة السياسية للإمام الجواد عليه السلام يضمُّ بين دفّتيه سبعة فصول. في الأول يذكر الكاتب عناوين عديدة تحت عنوان رئيس "ممهدات"، ويبدأ الحديث عن التخطيط في مقابل المنحى الدموي الذي سلكه الحكم الأموي من خلال الجريمة النكراء والبشعة بحق الإمام الحسين وآله وصحبه الأبرار عليهم صلوات اللَّه أجمعين، وتتوالى العناوين انطلاقاً من دور الإمام السجّاد عليه السلام في مواجهة الردة حيث لم يكن يعترف في وقتٍ ما بإمامته سوى ثلاثة أشخاص حسبما روي لكنّه استطاع أن يزرع بذرة الخير وتابع المسيرة وهيّأ الظروف في ظلّ الزخم الكربلائي لكل من الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام فانطلقا في نهضة علمية شاملة على قواعد قرآنية ثلاثة مصدرها الآية القرآنية ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (الجمعة: 2). إلى عنوان آخر هو النهي عن الإذاعة لما لها من آثار سلبية في إلحاق الأذى سواء بالإمام المعصوم أو بشيعته أنفسهم.

* الأئمة والعواطف الشعبية الجافة
ونجول بين باقي عناوين الفصل الأول لنرى الشعبية التي حقّقها الإمام الرضا عليه السلام لاحقاً، لكن هذه الشعبية لم تكن لتدفع الإمام الرضا عليه السلام ولا غيره من أئمة الهدى للاعتماد على ذلك الزخم العاطفي لشيعتهم للقيام بالثورة من جديد، لأن ذلك الزخم لم يتعدَّ بعدَهُ العاطفي والفكري الجاف ولم يصل إلى درجة يصبح فيها هو التكوين العقائدي الراسخ ويكون موقفاً رسالياً على صعيد الحركة والعمل، كما يبيّن الكاتب، ويضيف بأن هذه الحركة لو حصلت فسوف ترتدُّ على نفسها لتأكل أبناءها وتنقض مبادئها بعد أن يخبو وهج العاطفة حيث كان يُهيمنُ على الناس عموماً ميلٌ قوي للراحة وللحياة المادية وخير دليل على ذلك الثورة الزيدية، التي فشلت وسهل القضاء عليها حتى أصبحت في خبر كان.

* الإمام المعجزة
لقد كان أعظم امتحانٍ واجه الشيعة حين انتقلت الخلافة إلى الإمام الجواد عليه السلام، هو عمره الشريف حيث كان يبلغ عمر الإمام ثماني سنوات، إضافة إلى أن حكّام بني العباس والفرق الأخرى استغلّوا هذا الموضوع ليقلبوا المعادلة لصالحهم عبر التشويش والتأثير على عقول العامّة خصوصاً، لكن الشيعة خرجوا بقوة من هذه الأزمة بعد أن كانت في وقتٍ من الأوقات قد زلزلت الكثيرين منهم. ويعود خروج الشيعة من أزماتهم العقائدية إلى أن تشيّعهم يقوم على ركنين ثابتين، فالأول هو "النص" والثاني رجوعهم إلى الأئمة المأخوذ علمهم من مصادره الأصيلة، والأئمة قد ربّوا شيعتهم على احترام الفكر والعقل فيما يستقلّ بإدراكه وكان مما تتوافق عليه جميع عقول البشر، فأصبحوا عقليين إلى حدّ كبير، لكنه عقل خاضع للَّه لا يدّعي ما حُجبَ عنه ولا يجد الوسيلة إليه وهذه الأمور قد أشار إليها السيد مرتضى في الفصول الثاني والثالث والرابع غير مستغرب اصرار الحكّام على قتل واغتيال الإمامة تارةً عن طريقِ التشكيكِ وأخرى بالنصوصِ سنداً أو دلالةً لإفراغها من محتواها الفكري والعلمي ليصلوا بعد فشلهم إلى اغتيال نفس الإمام عبر تلفيق التهم الباطلة، ويقدّم السيد جعفر مرتضى تفاصيلاً في مكر المأمون وخداعه وحقده على آل بيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من خلال إجحافه بحق الإمامة وشخص الإمامين الرضا عليه السلام والجواد عليه السلام.

* بغداد.. سجن أم رقابة
إذا تابعنا سياق الأحداث التي يعرضها الكاتب في مضمار الحياة السياسية للإمام الجواد عليه السلام ومن خلال تتبّع ما حدث للإمام الرضا عليه السلام سابقاً، وجدنا أنَّ المأمون لم يغيّر في تعاطيه مع الإمام الجواد عليه السلام سوى موضوع المناظرات التي أعطاها دفعاً في أولى لقاءاته معه سلام اللَّه عليه، ثم ما لبث أن توقّف عنها بعد أن عاينَ قوة الإمام الجواد عليه السلام وحضوره الذي ينمّ عن علم سلالته الطاهرة برغم صغر سنّه والذي حاول أن ينفذ منه كنقطة ضعف في حين كان نقطة قوّة وجذب للإمام عليه السلام، وهكذا أراد المأمون تزويج ابنته أم الفضل للإمام الجواد عليه السلام استكمالاً لمؤمراته، وقد سماها له على أقل تقدير حينما عقد لأبيه الرضا عليه السلام بولاية العهد كما يذكر السيد جعفر مرتضى في الفصلين الخامس والسادس. ويلاحظ أن المأمون قد حاول في بعض هذه المناظرات إثارة أمور خلافية وتحريضية بخصوص خلافة كل من عمر وأبي بكر، لكنه لم يفلح معه عليه السلام كما مع أبيه، وهو قد أراد من تزويجه لابنته واستدعائه إلى بغداد أن يكون تحت رقابته الدائمة وهذا على عادة المأمون في مراقبة تحركات الأئمة عليهم السلام. ويعالج السيد مرتضى عناوين عديدة في هذين الفصلين منها موضوع اللقاء الأول بين المأمون والإمام الجواد حيث كان بعض الصبية يلعبون، ولهذا الحدث تفصيلٌ من المستحسن مطالعته من قبل القارئ، كما يثير إلى مسألة مهمّة تتعلق بسوء نوايا المأمون الدائمة وإلى تنبّه الناس حتى من غير الشيعة لهذه النوايا كما يشير الكاتب، إلى أن ازداد الإمام الجواد عليه السلام عظمة وتألقاً ورسوخاً وتجذّراً، وبشكل مرعب ومخيف لطلاب الدنيا وعلى رأسهم المأمون والعباسيون عموماً كما يعبّر صاحب الكتاب.

* الهمّ الأوّل للمعتصم
يقول الكاتب: "وأخيراً... فإننا نجدُ المعتصم العباسي، بمجرد أن بُويعَ له بالخلافة، توجّه نحو الإمام الجواد عليه السلام وجعل يتفقّد أحواله، فكتب إلى عبد الملك الزيات: أن ينفذ إليه التقي، وأمَّ الفضل، فأنفذ ابن الزيات علي بن يقطين إليه، فتجهّز، وخرج إلى بغداد، فأكرمه، وعظّمه، وأرسل أشناس بالتحف إليه، وإلى أمّ الفضل، وكان استقدام المعتصم له في أول السنة التي توفّي بها عليه السلام... وهذا إن دلَّ على شي‏ء، فإنما يدلُّ على أن نفوذ الإمام عليه الصلاة والسلام كان قد اتسع وتعاظم بحيث جعل المعتصم يبادر فور بيعته إلى تفقّد أحواله عليه السلام ورصدها...". وبعد أن يبيِّن الكاتب أسلوب المعتصم المماثل للمأمون، يشرح في الفصل السابع والأخير أموراً أخرى وتحت عناوين عديدة فيتحدث عن أسلوب الإمام الجواد عليه السلام مع الموالين له، إذ كان عليه السلام وللمحافظة عليهم من بطش حكّام الجور يراسلهم ويكتب لبعضهم فيلحظ العظة والتخويف من حساب اللَّه سبحانه ويطلب منهم أن يعملوا ما هو خير لهم، وبذلك لا يترك عليهم مستمسكاً فلعلَّ في مجالسهم من هو موالٍ للسلطان ومن جواسيسه.

* التزوير المعتصمي‏
إلى ذلك يتحدث السيد مرتضى عن التزوير المعتصمي في ادعاء أنّ الإمام قد خرج عليه فيتفق مع مجموعة من وزرائه ليشهدوا على الإمام الجواد بذلك، وبعد أن حضر الإمام عليه السلام أمامه وأمام حاشيته، وأحضروا الكتب المزوّرة، تذكُرُ الرواية أن الإمام عليه الصلاة والسلام دعا عليهم فأخذ البهو يموج بهم، فطلب المعتصم منه أن يدعو اللَّه لتسكينه، ففعل، فسكن. ويخلص الفصل إلى عناوين تظهر مضايقة السلطة لأبي جعفر عليه السلام وكانت لا تطاق، حتى رويَ عن ابن بزيع العطّار، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: الفرج بعد المأمون بثلاثين شهراً. قال: فنظرنا، فمات عليه السلام بعد ثلاثين شهراً.... إلى عنوان آخر يتحدث عن الأسلوب الجبان للمعتصم، ويذكر السبب المباشر لاغتيال الإمام عليه السلام ويتحدث عن الوسيلة والأداة والتي كانت أم الفضل بنت المأمون وقد كانت هي العدّة التي ادخرها الظالمون للقيام بمثل هذه المهمة وتنفيذها بدقة. ثم يذكر كيفية الاستشهاد ويقول أن في بعض الروايات أنه بعد أن استقدمه المعتصم، أنفذ إليه شراب حماض الأترج مما أدى إلى استشهاده. ويختم السيد صاحب الكتاب فيذكر أهمية دور الإمام الجواد عليه السلام فيما استطاع فيه تثبيت قواعد الدين والحفاظ على خط الإمامة، وفي التمهيد لإمامة الإمام المهدي عجل الله فرجه وهو صبيٌ صغير السن، ثم غيبتاه الصغرى والكبرى عجل الله فرجه. كتاب يقع في 164 صفحة وقد قسّم بطريقة منهجية ضمن فقرات صغيرة تتسم بأسلوب شيق لكاتب قدير، وقد استحق هذا الكتاب أن يكون مادة يستفيد منها كل موالٍ وباحثٍ عن الحقيقة في إطارها العلمي الملحوظ.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع