فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مع إمام زماننا| مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ*

محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم: الخليفة الأتمّ

الدكتور بلال نعيم


إن الأصل في الولاية والحكومة والتبعيّة أنها لله تعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ} (المائدة: 55)، و{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} (يوسف: 67). وإن إعمال هذه الولاية يتم من خلال الالتزام بالنظام الإلهي في الهدف والمنهج. فالله تعالى، الصانع، هو بذاته القادر على رسم سياسة الخلق، وتقدير مساراتهم لأنه أعرف بهم وبما يصلح لهم مع تنزهه عن الهوى والمصلحة. فالأصل في الولاية: العلم والحكمة والتنزه عن الهوى (أي العدالة).

أما الأول وهو العلم فيوصل إلى القيومية الحقة {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} (الرعد: 33). كما أن العلم يجعل الحكم الصادر والنهج المسنون يصبان في مصلحة الإنسان والمخلوقات {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ} (الأعراف: 7).

وأما الثاني أي الحكمة فيعني وضع الأمور في نصابها وتحميل الإنسان ما يطيق وتكليفه بالمستطاع وذلك طبقاً لما أعطاه الله له من قدرات لا بحسب ظاهر ما يعتقده الإنسان.

وأما الأصل الثالث، العدالة، فهو الغنى عن استدرار النفع إلى الذات والحرص الدائم على مصلحة الموجود. وكل هذه الخصائص أي العلم والحكمة والعدالة توصل إلى الهداية التي هي أحد أهم أصول الولاية {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ} (يونس: 35).
والهدى الحقيقي هو هدى الله تعالى {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ} (آل عمران: 73)، فالمتَّبع هو الذي يهدي بهدى الله، والله هو التام في الهداية، إنْ لجهة معرفة أبواب الهداية أو لجهة حبّه ورغبته ومشيئته في هداية المخلوقين {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} (الأعلى: 3)، لذا فإن الولاية الحقيقية التامة هي لله تعالى.

* الإنسان خليفة الله
إن إعمال الولاية يجعل الإنسان خليفةً يتحمل أمانة الخلافة وأداءها حقها مع صعوبتها وثقلها {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الأحزاب: 72). ومن أجل هذه الخلافة كان لا بد من تطبيق الولاية الإلهية وجعل بني الإنسان ملتزمين بها. وهذا الأمر لا يمكن أن يتم بالتطبيق المباشر على كل إنسان، فكان لا بد من الواسطة في الفيض وهي نفسها الواسطة في الولاية حيث تقوم هذه الواسطة بمهام الولاية في أبعادها المختلفة.
وهذه الأبعاد تتمثل بـ:
أولاً: المثل الأعلى فللّه المثل الأعلى، لكن الوصول إلى الله أمر متعذّر، فاحتاج الأمر إلى البديل الذي بالوصول إليه يتحقق الهدف {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ} (النساء: 100). فالهجرة إلى المثل الأعلى المطلق (الله عز وجل) هي نفسها الهجرة إلى البديل (الرسول).

ثانياً: الهداية، فالله هو الهادي، وبالنيابة عنه فئة تهدي للحق {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (الأنعام: 90).
فالذي يأخذ بيديك أيها الإنسان على طريق الهداية هو المهتدي بتمام أسباب وشروط الهدى الإلهي. فكلما كان الهدى ظاهراً في الإنسان كان هذا الإنسان أهلاً للولاية.

ثالثاً: الصراط المستقيم والمسار الصحيح إلى الحق {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (هود: 56)، فالسير إلى الله مشروط بالسير على الصراط المستقيم الذي يتقوّم بنقطتين، إحداهما: الإنسان السالك وهو المكلّف بالسير نحو التكامل، وثانيهما: الله المطلق اللامتناهي الذي لا بد من حلول نقطة أخرى بديلة عنه قابلة للتشخيص والمعاينة لتسهّل عملية السلوك، والنقطة البديلة هي الإنسان الكامل الذي يصبح بإتمامه المسار هو الصراط المستقيم.
إذاً، الولاية هي: مثل أعلى، هداية، ومسار صحيح.

وهذه الولاية بحسب الأصل هي لله تعالى وهو المثل الأعلى والهادي والصراط المستقيم. ولكن الوصول إلى الله المطلق متعذر بالنسبة إلى الإنسان المحدود في القابليات وفي الإمكانيات والذي تتلاطم في ثنايا نفسه أمواج الصراع بين جنود العقل وجنود الجهل، مع كل الأسباب والعوامل التي تقوّي طرفاً على آخر وتدفع الإنسان في النتيجة إما نحو التكامل أو التسافل. وعليه، كان من الضروري لتسهيل عملية السير والسلوك إلى الله من وجود المقام الولائي البديل الذي يتولى كل مهام الولاية.

* هداية المقام الولائي
ومن شروط هذا المقام الولائي البديل أن يكون إنساناً كاملاً عبّر عنه سبحانه وتعالى في سورة الفاتحة بأن
{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} (الفاتحة: 6-7) والذين أنعم الله عليهم هم النبيّون والصدّيقون والشّهداء والصالحون بحسب النص القرآني. وعلى رأس هذه الفئة يتربع النبيّون وفي المقدّمة توّج خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم زعيماً وقائداً يتقدم طليعة الأنبياء والرسل. لذا فإن النقطة العليا في الصراط المستقيم هي الإنسان الكامل وعلى رأس هذا الإنسان يقع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. لذا، فإنه تعالى في مسيرة الهجرة التكاملية ذكر الله والرسول {مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ} (النساء: 100).

فالله هو الهدف اللانهائي والرسول هو بديله الهدف النهائي (الذي يمكن للإنسان أن يعاينه). وبما أن النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي يتولى هذا المنصب الإلهي فإنه يجب أن يتمتع بالمواصفات والخصائص التي تؤهِّله لشغل هذا المنصب والحلول في هذا المقام، أي امتلاك الصفات الإلهية على نحو من التمام والكمال بحيث تصبح حركة الإنسان في تكامله واقعة بين الكمالات الكامنة في نفسه، والكمال التّام القائم في نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لتكون الحركة من إخراج الشطأ إلى المؤازرة إلى الاستغلاظ إلى الاستواء (الاستواء الذي يعني اكتمال ظهور وانبثاق وتفتّق الكمالات لدى الإنسان باقترابها من التّمام الذي يمثّله النبي صلى الله عليه وآله وسلم {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} (الفتح: 29)).

* المعصوم والولاية التامة
انبثقت كمالات النبي صلى الله عليه وآله وسلم باقترابه من العليّ الأعلى {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}(النجم: 8–9) فقال عنه الكريم : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4). والإنسان تنبثق كمالاته باقترابه من شخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"(1). وتكون الولاية باتباع هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم والاستنان بسنَّته والسير على نهجه وشريعته الحقة من أجل الوصول إلى الكمال. ونكون أمام كمالات كامنة في الإنسان تتفتح وتتكامل وتنمو بربطها بالكمالات التامة للمعصوم. وعلى رأس المعصوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن له الكمالات المطلقة وهو الله له الولاية المطلقة، ومن له الكمالات التامة وهو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمعصوم تكون له الولاية التامة.

* أسس الولاية
والولاية التامة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وللمعصوم مشروطة بعين الشروط التي هي أسس الولاية أي العلم والحكمة وانعدام الهوى المضلّ، أي المعرفة بالإنسان وخصوصياته والحكمة في التصرف والسلوك والموقف والقرار وانعدام الهوى المضلّ الذي به الانحراف عن جادة الحق. وتبقى هذه الشروط سارية إلى الولاية في آخر مراتبها أي الفقيه الذي يجب أن يكون عالماً، وعادلاً، وحكيماً. فالعلم، هو الذي يجعله يحكم وفق شريعة الله، والعدالة، هي التي تجعله لا يبيع دينه بدنياه فيضل الناس، والأمة على علم، والحكمة، هي التي تجعله يتخّذ القرار وفق الشريعة وبلحاظ خصوصيّات الأزمنة، والأمكنة.


1.بحار الأنوار، المجلسي، ج16، ص210.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع