آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص مجتمع | "الأمّ بتلمّ" مناسبة | من رُزق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حُبّها

لا تتعوَّذوا بغير الله

الشيخ د. محمد أحمد حجازي

 



العوذة جمعها عِوذ ومعاذات وتعاويذ (1)، وكل ما يعالج به الإنسان المريض بالطريقة الذِكْرية الروحية يسمّى عوذة، وهي رديفة لمعنى الرّقية، والحرز، والبريم، والتميمة، والنُشرة. وبهذا المعنى العوذة تعني الملاذ والملجأ، أي عند التعوّذ بالله تعالى مما أخاف وأحذر ألجأ إلى ملجأ، "والله تعالى معاذُ من عاذَ به، أي من التجأ إليه، وهو عياذي أي ملجئي"(2). والعوذة والتعاويذ عادة قديمة نجدها عند كافّة الأمم والشعوب، وقد راج استعمالها عند كل مجتمع بطريقة خاصة به لحلّ المشاكل الروحيّة والبدنيّة. فتعويذة العين والحسد عند الفراعنة كانت بتعليق الخرز الأزرق(3)، وعند العرب كانت بتعليق كعب الأرنب على المعيون والمحسود، وثمّة شعوب تعلّق عظاماً على رقابها. 

وقد تختلف هذه العادات من زمن إلى آخر باختلاف التقاليد وتغيّراتها بين وقت وآخر. ومع تعدّد طرقها وأشكالها، إلاّ أنّها كلها تصبُّ في مصبٍّ واحد ألا وهو دفع السوء المحتمل، والاحتماء من الأشياء التي يحذرها الإنسان، وهو أمرٌ في غاية الغرابة، حيث تجري الأمور وفق معتقدات الإنسان الباطلة، وتتحوّل مع الوقت إلى عادات مقدّسة يصعب التنازل عنها. وإنّ دلّت هذه العادات على شيء فإنّها تدلُّ على حاجة الإنسان إلى ملجأ يحميه من الحوادث والأمور الطارئة، وكأنها هذه التعويذات التقليدية تشكل عنده عامل اطمئنان يُذهب عنه وساوس الخوف والقلق من الأشياء المخبوءة تحت أطراف الليالي والأيام. وهذا يذكِّرنا بما فعله الرومان عندما كانوا يطرقون على جذوع الأشجار الضخمة لطرد الشياطين عن آلهتهم المحبوسة بحسب معتقدهم حتى تحوّل الضرب على الخشب إلى تعويذة شائعة إلى يومنا هذا (4). 

إلاّ أنّ المولى سبحانه وتعالى لم يترك الناس على جهلهم وعاداتهم الباطلة، فبعث لهم الرُسل ليعلموهم الأحكام ويبعدوا الأفكار والتقاليد الباطلة عنهم. ولأجل معرفة الفارق بين التعويذات الدينية والتعاويذ الشعبية نتوقف أولاً عند مفهوم التعوّذ في الإسلام.

• صحّة التعوّذ في الكتاب والسنة
نلاحظ في الأدبيّات الدينيّة أنّ العلاقة مع الله سبحانه وتعالى لا تقف عند حدود الفكر والاعتقاد بمعنى الاكتفاء نفسيّاً وفكريّاً بعقيدة التوكّل على الله سبحانه دون التعبير عن ذلك بطرق معينة، فقد أمر الدِّين الإسلامي أتباعه أن يعبّروا عن ذلك التوكّل والتفويض بالاستعاذة اللّفظيّة والكتابيّة من كل محذور ومخوّف. وقد جاء في القرآن الكريم ذِكرُ الاستعاذة بالله تعالى بطرق مختلفة لإلفات نظر الناس أنّ المستعاذ به والملتجأ إليه هو الله تبارك وتعالى، وليس الأصنام ولا التمائم، ولا خرافات القرون الوسطى. وفي سياق اطّلاعنا على ما صدر عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام في هذا الإطار، نلاحظ أنّهم أرشدوا الناس إلى استعمال التعويذات بالله تعالى من خلال أمرين:
الأول: التعويذ الشفهي الكلامي.
والثاني: التعويذ الكتبي.


• التعويذ الشّفاهي الكلامي
فقد فاضت فيه الروايات حول التعوّذ من كافة الأشياء التي تجلبُ للإنسان المساوئ والمتاعب، حتى ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال: "تعوّذوا بالله من حبّ الحزن"(5). ومن الأمثلة على ذلك:
1.عن النبي صلى الله عليه وآله: "تعوّذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنَّ مَنْ تعوّذ بالله أعاذه كفاه وحصّنه وتعوّذوا من همزاته ونفحاته ونفثاته"(6).

2.عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: "حُمّ من الحمى رسول الله صلى الله عليه وآله فأتاه جبرائيل فعوّذه فقال: بسم الله أرقيك يا محمد بسم الله أشفيك، بسم الله من كل داء يغشيك، بسم الله والله شافيك..."(7).

3.وجاء في رواية طويلة أنّ رجلاً سأل النبي أن يعلِّمه عوذة يسلم وولده ببركتها، فقال صلى الله عليه وآله: "أين أنت عن ذات القلاقل؟" فقال يا رسول الله، وما ذات القلاقل؟ قال: أن تعوذه فتقرأ عليه سورة الجحد ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وسورة الإخلاص ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، وسورة الفلق ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وسورة الناس ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ إلى أن قال السائل معلّقاً وأنا إلى اليوم أتعوّذ بها كل غداة..."(8). ونلاحظ أن أدعية التعويذات الموجودة في الكتب المختصة قد استوعبت كل ما يدور حول الإنسان من طوارق وحوادث الأيام وكل ما يتعلّق ببدنه ونفسه. وهذا يدلّ على عناية الدين الإسلامي بالإنسان عناية تامة.

• التعويذ الكتبي
وهو أن يُعوَّذ المستعيذ برقعة يكتب فيها بعض آيات كتاب الله حسب اختلاف حالات الناس وتعلّق عليه أو تربط بعضُدِه كتفه. وهذه العادة المألوفة بين الناس بكتابة التعويذات وتعليقها على الإنسان هي عادة إسلامية صحيحة وردت في روايات عديدة نذكر أهمها:

1.حدثنا محمد بن موسى المتوكّل رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن ياسر الخادم قال: "لما نزل أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قصر حميد بن قحطبة نزع ثيابه وناولها حميداً فاحتملها وناولها جارية له لتغسلها. فما لبثت أن جاءت ومعها رقعة فناولتها حميداً، وقالت: وجدتها في جيب أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام. فقلت (الكلام لحميد): جعلت فداك إنّ الجارية وجدت رقعة في جيب قميصك فما هي؟ قال: يا حميد هذه عوذة لا نفارقها، فقلت: لو شرفتني بها، قال عليه السلام: هذه عوذة من أمسكها في جيبه كان مدفوعاً، وكانت له حرزاً من الشيطان الرجيم ومن السلطان..."(9).

2.في رواية عن القاسم بن الحسن عليه السلام، ذكر أن أباه الحسن عليه السلام قد ربط له عوذة في عضده (10)، وقال له: يا ولدي إذا وقع عليك أمر شديد وهمّ عظيم فعليك بحل العوذة وقراءتها والعمل بما تراه مكتوباً فيها ، فلما حصلت واقعة كربلاء وقف على العوذة وقرأ ما فيها (11). ومن هنا، نخلُص إلى القول إنّ الفارق بين تعويذات الشعوب المتوارثة والتعاويذ القرآنية والدعائية التي شرعها الدين الإسلامي، أنّ تعويذات الناس الموروثة من جيل إلى آخر، تعبّر عن معتقدات بشريّة وتجارب سيكولوجية نفسيّة عند الناس كمثل اعتقادهم بأنّ تعليق الحذاء على باب الدار يدفع الحسد وهي لا تستند إلى أصل صحيح يمكن الاعتماد عليه، وكل ما يحصله الناس من تعويذاتهم غير الدينيّة أنّها تشبع قناعاتهم ورغباتهم الباطنية، وأحياناً لشدّة انشدادهم إليها يتوهّمُون أنّها تنفعهم وتحلّ مشاكلهم، فتنعكسُ إيجابياً على صحة أبدانهم، ولذا قيل: "من آمن بحجر شفاه".  وأما ما جاء على لسان النبي صلى الله عليه وآله فهو حق لا لبس فيه، وهو وجه من وجوه الاعتماد على الله وتفويض الأمر إليه.

• مشروعية تعليق الأحراز والحجابات على الأبدان
الحرز هو الموضع الحصين، والمكان المأمول، والاتقاء والتحفّظ. ويُقال هذا حرز، وحريز، واحترزت من كذا، وتحرّزت منه أي توقّيته (12). وفي الدعاء ورد: يا حرز من لا حرز له، يا غياث من لا غياث له ، يا سند من لا سند له...(13) وبهذا المعنى ورد أن التقية حرز المؤمن أي حصنه (14). وبإمكاننا أن نلاحظ أموراً عديدة تختص بكيفية حمل الحرز من خلال بعض الروايات الواردة عن الأئمة المعصومين منها:

1.تعليقه على الثياب
عن زرارة بن أعين أنه قال: "سألت أبا جعفر عليه السلام عن المريض هل يعلّق عليه تعويذ أو شيء؟ قال: نعم لا بأس به، إنَّ قوارع القرآن تنفع فاستعملوها"(15). وقوارع القرآن هي: آية الكرسي، وأوّل عشر آيات من سورة الصافات، وبعض آيات من سورة الجن وغيرها. وعن فضالة، عن اسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: "في الرّجل تكون به العلّة فيكتب له القرآن فيعلّق عليه، أو يكتب له فيغسله ويشربه، قال: لا بأس كلّه"(16). والمستفاد من هذه الرواية أمران: الأول جواز التعليق على البدن، والثاني جواز شرب ماء غسل الآيات القرآنية.

1.ربطه بالعضد الأيمن
فعن "ابن علي الوشا": عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال: "قال لي (لابن علي الوشا): ما لي أراك مصفرّاً (مصفاراً)؟ فقلت: هذه حمى الربع قد ألحت عليَّ. قال: فدعا بدواة وكتب بسم الله الرحمان الرحيم...،... وقرأ على كل عقدة الحمد والمعوذتين وآية الكرسي، ثم دفعه إليَّ، وقال: شدّه على عضك الأيمن ولا تشدّه على الأيسر"(17).

1.الكتابة على رقّ غزال.
والروايات في ذلك كثيرة منها:

عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه من كتب سورة عبس في رقّ بياض وجعلها معه حيث ما توجّه لم يرَ في طريقه إلا خيراً، وكفى غائله طريقه تلك بإذن الله تعالى"(18). وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "إني لأعرف آيتين من كتاب الله المنزل..... تكتبان في رقّ ظبي ويعلّقه في حقويها"(19). وبناءً على المعطيات السابقة يمكن للمسلم المؤمن أنْ يكتب الحرزَ وفق عموم الروايات التي استفدناها من مصادر مختلفة بالطريقة التالية:
1.أن يكون على طهارة والأفضل أن يكون جالساً مستقبل القبلة. وهذا مستفاد من عموم الأخبار.
2.أن تكون الكتابة بالزعفران وخاصة فيما ورد فيه ذلك، وتكتب على رقّ غزال.
3.أن يكتب: سورة الحمد، وآية الكرسي، وآخر آيات الحشر، والمعوذتين وقل هو الله أحد.


1.تاج العروس، الفيروز آبادي، 5 / 381.
2.م. ن.
3.المفاهيم الدينية عند العوام ، الشيخ محمد أحمد حجازي، ص109.
4.م. ن.
5.ميزان الحكمة، الريشهري، ج 1، ص 610.
6.بحار الأنوار، المجلسي، ج 60، ص 204.
7.قرب الإسناد، الحميري القمي، ص 42.
8.مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 4، ص 391 392.
9.بحار الأنوار، م. س، ج 73، ص 194.
10.العضد ما بين المرفق إلى الكتف، ثم استعير للقوة لأن اليد تشتد لشد العضد وجملة البدن تقوى على مزاولة الأمور بشدة اليد. وقد ورد أنه يعلّق للرجل في عضده الأيسر والإمرأة في عضدها الأيمن.
11.وفيات الأئمة، من علماء البحرين ، ص 128.
12.معجم ألفاظ الفقه الجعفري، أحمد فتح الله، ص 157.
13.مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 6، ص 279.
14.الكافي، الكليني، ج 2، ص 221.
15.وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 6، ص 238.
16.م. ن.
17.مسند الإمام الرضا عليه السلام، عزيز الله عطاردي، ج 2، ص 49.
18.الأمان من أخطار الأسفار، ابن طاووس، ص 90.
19.مستدرك الوسائل، م. س، ج 15، ص 207.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع