صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

اضربني... ولا تحرمني

تحقيق: زينب رعد

"الضرب أسهل شي.. إذا ضربتني ما رح موت". هكذا يعبر عدد من الأطفال لدى سؤالنا لهم: بِمَ تشعر عندما تتعرض للضرب؟
عندما قصدنا إحدى المدارس وسألنا عدداً من الأطفال في المرحلة الابتدائية عما إذا كانوا يتعرضون للضرب، وكيف يؤثر هذا الأمر على شعورهم، كان الجواب مفاجئاً بعض الشيء... فكل الصبية الذين تتراوح أعمارهم بين السبع والعشر سنوات، قالوا إنهم يتعرضون للضرب من قبل الأهل عندما يتصرفون بطريقة غير لائقة، أو عندما "يتشيطنون" بحسب التعبير اللبناني، أو لأسباب أخرى كالرسوب في المدرسة...ولم يذكر أحدهم أنه يتعرض لضرب مبرح أضف إلى ذلك التعنيف الكلامي والتحقير وما إلى هنالك..

* أفضل الضرب على الحرمان
طبعاً، تفاوت هذا الأمر بين طفلٍ وآخر،.. فعندما سألنا كل طفل بمَ يشعر عندما يتعرض للضرب؟ قال أحدهم إنه يبكي، وآخر قال إنه يغضب كثيراً ويرغب بتكسير كل ما حوله، وهناك من قال إنه يغضب ويكرر نفس الأمر دائماً.. أما بعضهم الآخر فقال إنه يتحمل الضرب لأنه قد تعوّد على "الأتلة"!!
هؤلاء الأطفال يعلمون أن هذا العقاب هو نتيجة تصرف أو سلوك غير جيد قاموا به، لذلك اقترحنا عليهم بديلاً عن العقاب بالضرب، فسألناهم ماذا لو قرر أهلكم التخلي عن الضرب، وتوسلوا حرمانكم من أمور تحبونها، كاللعب على الكومبيوتر أو مشاهدة التلفاز أو غير ذلك؟
فكان الجواب الذي أجمعوا عليه: لا!! وبدأت تتوالى التعليقات: أنا أتضايق أكثر/ أنا أفضل الضرب/ (الأتلة) مَرَة/ الضرب أسهل شي... إذا ضربتني ما رح موت..
من المؤثر جداً أن ترى كيف تنعكس هذه الوسيلة على أطفالنا اليوم... فهذا التقليد الذي تعود جذوره الى آلاف السنين، والتقنية الأسهل بالنسبة للعديد من الأهالي، لم يعد يجدي إلا في خلق العقد النفسية والحالات العصبية التي يعيشها مجتمعنا اليوم.

* تأثير العقاب على بناء شخصية الطفل
العقاب هو أن يقوم أحد ما في موقع السلطة أو القرار، بمحاسبة من هو خاضع لسلطته عندما يسيء التّصرف. إلاّ أنّ الضرب كوسيلة للعقاب، يعرّف الأطفال إلى عالم الفوضى وإلى عالم العصبيّة، لأنّه يقول لهم إنّ العنف مقبول في حالة الغضب.
"يتفاوت العقاب في المجتمع اللبناني حسب الوعي الثقافي والاجتماعي عند الأهل": تقول الدكتورة علا بيطار الأخصائية في علم النفس، فالأهل يلجأون للضرب إما لأسباب غير متوازنة أو لضغوطات معيّنة يشعرون بها فيكون الولد "فشة خلق".
لكن.. في المقابل، تجد أن هناك بعض الأهالي المتعلّمين والمطّلعين على الأساليب العلمية في موضوع تربية الأولاد، يصرّون على فكرة "أريد أن أربي أولادي كما رباني أهلي".
فالطفل بحسب د. بيطار، عندما يتعرض إلى القسوة والتعنيف، تهتزّ ثقته بنفسه، ويصبح لديه تقدير ذاتي متدنٍّ، وأحياناً قد يصبح مشروعاً غير سوي في المجتمع. فالأسلوب القاسي والخاطىء في التعاطي مع الولد، قد يحوله من طفل ذكي إلى إنسان فاشل في المستقبل، بسبب الضغط النفسي الذي يشكله هذا الأمر على بناء شخصيته.
والضرب له نوعان، شق جسدي يشمل الألم وهو يخيف الأطفال ويردعهم، وشق نفسي خاصة على الطفل الأكبر، لأنه يمسّ احترامه لذاته وشخصيته، لأنه في مرحلة ما يصبح قادراً جسدياً على الدفاع عن نفسه. 

* لماذا لا يجب أن تضرب طفلك؟
أولاً:
الضرب يزيد من احتمال التعرّض الى أزمات نفسيّة. فأحياناً تكون القابليّة للمرض النّفسي موجودة، وتظهر إذا عاش الطفل في بيئة ضاغطة، ولكن إذا لم يتعرض لهذه البيئة لا يظهر هذا الأمر حتى مراحل متأخرة وقد لا يظهر أساساً.
ثانياً: الضرب يقضي على الثقة بالنفس! فالطفل عندما يتعرض للضرب من الأشخاص الذين من المفترض أنهم يحمونه ويحبونه، سيقول لنفسه: "إنّ الخطأ فيّ أنا؟".
ثالثاً: الضّرب يعلّم الأطفال الكذب، فالطفل عندما يخاف قد يستعين بالكذب لإثبات براءته كي يتجنب الألم، وقد يصبح هذا الأمر عادة عنده. وهناك بعض الأطفال يستأنسون بهذه العادة، إلى درجة أنهم يتلذذون باختلاق كذبة، ويرتاحون كثيراً عندما يرون أن غيرهم قد خُدع بأكاذيبهم. عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنه قال: "جعلت الخبائثُ في بيت، وجُعل مفتاحه الكذب".  
رابعاً: الضّرب يثبّت قاعدة أنّ الأقوى على حق. فالضرب قد يعني للطفل أن الطرف الأقوى هو الذي يحدّد الخطأ من الصواب، لذلك عندما يكبر ويصبح هو الأقوى سيبدأ بدوره بفرض هذه القاعدة.
خامساً: لا يمكن لأحد أنّ يتعلّم عندما يكون خائفاً، فكيف بالنسبة للطفل؟ فقد أثبتت دراسة لدكتور بروس ليبتون، أنه من المستحيل التعلم في حالة الخوف. فردة فعل الدماغ للخوف، تحفّز غريزة الدفاع أو الهرب، فيتدفق هورمون الأدرينالين والكورتيزول في الدم والدماغ، ويتوقف القسم المتعلق بالتقكير عن العمل لصالح ردات الفعل الانعكاسية، التي يفرزها الجزء الغريزي من الدماغ 
سادساً: الضّرب يقلّل من التأثير الذي تمتلكه على طفلك. فإذا كنت ترغب أن تبقى مؤثّراً في طفلك، عليك أن تتوقف عن ضربه حتى ولو كنت تعتقد أنه لمصلحته.
سابعاً: إنّ الضرب قد يحدّ من تصرف الولد السيئ لمدة محدودة، إلا أن الرسالة التي يتلقاها من الضرب هي "أنا ولدٌ سيئ".

* كيف تجنّب طفلك العقاب؟
"وأما حق ولدك فأنْ تعلم أنه منك ومضاف إليه في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسؤولٌ عما ولّيته به من حسن الأدب والدلالة على ربّه عزّ وجلّ، والمعونة له على طاعته. فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثابٌ على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه" الإمام زين العابدين عليه السلام.
إنّ احترام الطفل وتكريمه، أو إهانته وتحقيره لا يختصّ بأسلوب معيّن، بل إنّ الوالدين يستطيعان أن يحترما أطفالهما بطرق مختلفة، كما يقدران على إهانتهما بصور متعددة.
"إن الشرط الأول للتربية الصحيحة وتنمية الشخصية والاستقلال عند الطفل أن يعرف الوالدان حقيقة طفلهما ولا يتجاهلا قيمته الواقعية، وأن يعتقدا بأن طفلهما ليس شاة أو دجاجة تحتاج إلى الطعام واللعب والنوم... إنه إنسان صغير، إنسان واقعي ولكنه ضعيف، إنسان حقيقي يملك من الذخائر الفطرية ما يجب أن تبرز من عالم القوة إلى حيّز الفعل... .
إذن هي مسألة إعداد وتنشئة من المراحل الأولى، بحسب الأستاذة وفاء همدر (ماجستير في علم النفس)، لأنك عندما تتعامل مع طفلك منذ البداية على مبدأ الصح والخطأ، والذي يستوجب في المقابل الثواب والعقاب، تأخذ الأمور نوعا" من التّسلسل والانسيابية، بحيث يعرف الطّفل أن الخطأ يقابله العقاب ما يعطيه رادعاً داخلياً. والأهل هم الأقدر على معرفة شخصيّة طفلهم وتحديد الطريقة الأنسب للعقاب السليم بعيداً عن العنف الجسدي.

* لكل طفل في التربية مفتاح 
هناك بعض العوامل الوراثية التي تؤثّر على طبع الطفل وتصرّفاته كالعناد وغيره. ويفترض أن يتوفر، عند الأهل، الوعي في الأمور العلمية والفروقات الفردية. لأنه من الخطأ أن يعتمد الأهل صورة معيّنة في أذهانهم عن الولد المثالي، ويحاولوا أن يسقطوها على أطفالهم.
ولكل طفل ٍمفتاحه، وعلى الأهل أن يكونوا أذكياء لمعرفة هذا المفتاح. فقد يكون مفتاحه التقدير والاحترام، وقد يكون موقعيّة وامتيازات معينة... ففي الوقت الذي يكون فيه تصرّفه جيداً عززْ له هذه الشخصية، وعندما يخطىء تستطيع أن تسحب منه هذه الامتيازات.. والحرمان من بعض الأمور الكمالية، يقع في نفس الدائرة أيضاً. حين يعرف الطفل أنه سيحرم من الأمور التي يحبها ويهتم بها سيفكر أكثر من مرة قبل أن يقدم على أي تصرف خاطىء.
الحوار أيضاً أمر ضروري جداً في بناء عملية تواصل هادئة مع الطفل، بحيث يصبح كل حدث قابلاً للنقاش حتى وإن كان الرأي الحاسم للأهل، لكن في المقابل، على الأهل أن لا يبقوا مصرّين على رأيهم في بعض الحالات إذا تبيّن لهم أن نظرتهم للموضوع غير منطقيّة.
 
* أكرموا أولادكم
من جهةٍ أخرى، إنّ الإفراط في الدلال والغنج يُعدّ أمراً خطيراً على صعيد التّربية. يقول الإمام الباقر عليه السلام: "شرّ الآباء من دعاه البرّ الى الإفراط" . أحياناً يعبّر الأهل عن استيائهم من سلوك أطفالهم بقولهم: "إنهم يملكون ما لا يملكه أطفالٌ غيرهم!  لكن إذا أنا أحضرت له كل شيء في صف السادس أو السابع، فما الذي يمكن أن أقدّمه له لاحقاً؟ نقول للأهل إن المسألة في التعاطي مع الأطفال ليست فقط موضوع القدرة المادية، والمسألة تتعلق بالمخطط الاستراتيجي للتربية. فالمال يجب أن يكون نعمة وليس نقمة هذا الدور الذي يقوم به الأهل من خلال تربية أطفالهم، هو أمر حساس ودقيق جداً، وهو يشكل مسؤولية دينيّة ووطنيّة خطيرة. فلا مجال للشك أن جزءاً كبيراً من المشاكل والفوضى التي يعيشها مجتمعنا اليوم، يعود سببه إلى أساليب التربية التقليدية التي كانت ما تزال تتبع حتى الآن.

ضعوا، ببساطة، أنفسكم مكان طفلكم، وعاملوه كما تحبوا أن تُعامَلوا.. يقول نبينا الأكرم: "أكرموا أولادكم" !!

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع