صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

أمراء الجنة: شهيد الوعد الصادق المهندس راني عدنان بزي (حاتم)

نسرين إدريس قازان

 



اسم الأم: نجلة بزي
محل وتاريخ الولادة: بنت جبيل 23/ 1/ 1967
الوضع العائلي: متأهل وله ولدان
رقم السجل: 87
محل تاريخ الاستشهاد: الغندورية 12/ 8/ 2006

هو الذي في جبهته تتربّع الشّمس.. رجلُ الأسرار الذي ما انفكّ حتى آخر لحظات حياته يُحيّر الألباب، وإذا ما طرق الجواب الفكر، فتح أبواباً أخرى لألف سؤال.. لا يعرف الإنسان من أين يبدأ معه؛ فهو رجل البدايات المحيّرة؛ فالولد الذي تربى حتى كبر واشتد عضده في "الكويت" حيث كان يعمل والده مديراً في إحدى الشركات، ولد في مدينته "بنت جبيل"، وهو الوحيد بين إخوته الذي ولد هناك، وربما كانت هذه الولادة واحدة من غرائب تعلُّقه ببنت جبيل.

* علم والتزام في الجامعة
حينما نجح راني في الثانوية العامة حضّر أوراقه للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة هندسة الميكانيك التي يعشقها، ولكن خوف والده الشديد عليه، دفعه إلى تسجيل ابنه في إحدى جامعات سوريا. وعوض السفر إلى أمريكا، وجد راني نفسه يشق طريقه في مدينة اللاذقية، لتكون تلك بداية ثانية له.
لم تكن الفترة الطويلة التي قضاها في سوريا عبارة عن مجرد تحصيل علمي، ذلك أن اهتمامات أخرى أخذته من الدراسة، بعد أن تعرّف في الجامعة إلى مجموعة من الشباب الملتزم الذين أعجب راني كثيراً بأفكارهم وآرائهم. وسرعان ما تغيّر نمط حياته بتغيّر أهدافه وصار الشابَّ الذي يحملُ مخزوناً واسعاً من مختلف الثقافات، والمناقشَ الفذَّ والداعية للإسلام الأصيل.

* مقاوماً في "صفوف العملاء"
ما كان يريح راني في سوريا هو قربه إلى لبنان، وبالتالي إلى بنت جبيل، فما أن تُعلن العطلة في الجامعة حتى يركب السيارة متوجهاً إلى مدينته الرابضة تحت الاحتلال الإسرائيلي. وبعد تخرّجه، حسم راني خياره بالسكن في بنت جبيل، فتزوج وأسس عملاً هناك ضمن اختصاصه، وتعرّف إلى أحد كبار العملاء اللحديين "عقل هاشم" الذي ربطته براني صداقة قوية، حتى بلغ الأمر أن كان يناديه بـ"ابني راني"..
كان راني يقوم بتصليح سيارات العملاء في معمله الصغير. وذات نهار تمّ اعتقاله وزجّه في معتقل الخيام بتهمة التّعامل مع المقاومة الإسلامية، فتصدّر عنوان اعتقاله الصحف اللبنانية وكُتب عنه: "الابن المدلل لعقل هاشم في الخيام".
لم تثبت التهمة على راني، فأطلق سراحه بعد تعرضه لأبشع أنواع التعذيب، وأكمل عمله المقاوم برويّة وهدوء، ولكن العملاء زرعوا حوله العيون ولم ييأسوا من مراقبته، حتى إذا ما كان وقتٌ يحضّر فيه العبوات الناسفة في معمله الصغير، أُلقي القبض عليه بالجرم المشهود، وزُجّ في المعتقل.

* صدق أبو طالب
قلّب راني أيام الاعتقال المريرة بصبرٍ واحتسابٍ، ونال نصيباً وافراً من التعذيب الجسدي والنفسي. وبعد مرور سنة ونصف على اعتقاله، وكانت أياماً سوداء حتى كادت روحه أن تفارق جسده لشدّة ما ضاق ذرعاً من الاعتقال، رأى ذات ليلة في منامه أبا طالب رضي الله عنه في رؤيا فسّرها بأنها الخروج من المعتقل، ولكنه عندما استيقظ ووجد نفسه داخل الزنزانة راح يضربُ أبوابها بشدة وهو يصرخ. ولم تتأخر البشرى فبعد يوم أو يومين اندحر العدو الصهيوني عن لبنان، وما إن خرج راني من الزنزانة ولفح النسيم وجهه حتى صرخ: "صدق وعد الله.. صدق أبو طالب".

* من بنت جبيل 13 شهيداً
عاد راني إلى بنت جبيل ليؤسس مع رفاقه المجاهدين خلايا المقاومة وليبدأ معهم وضع منظومة العبوات الناسفة التي كانت إحدى أبرز مفاجآت حرب تموز 2006.
إلى جانب عمله الجهادي درّس راني في مهنيّة بنت جبيل. وقد بنى علاقة مميزة جداً مع طلابه الذين استقوا منه حُبَّ الجهاد والمقاومة، فأستاذهم أجاد ربط ما يدرّسه بالمقاومة، لذا لم يكن مستغرباً أبداً أن تُقدّم مهنيّة بنت جبيل 13 شهيداً مقاوماً من تلامذتها.

* في فضاء العشق الإلهي
الأب المحبّ لولديه اللذين أنتقى لهما اسمين لهما صلة بالشهادة، فكان "أمير" لأن الشهداء أمراء أهل الجنة، و"شهيد" وكفى باسمه دلالة، كان يغدق الحنان والعطف على عائلته وأهله، دون أن يترك وسيلة لإرضائهم وإضفاء السعادة عليهم.
رجلٌ متواضع زاهد في الدنيا، يكفيه أن يفطر على القليل من فتات الخبز واللبن أيام الصوم الطويلة. وقد ظهرت على وجهه سيماءُ العاشقين لشدة تعبدُّه وتعلقه بأهل البيت عليهم السلام.
جاءت الحرب، وكانت لقلبه البُشرى، فهو الغريب الذي ما عاد يطيق حدود الدنيا، بل يود أن يغرّد في فضاء العشق الإلهي..

* بيني وبينها 14 معصوماً
بين بنت جبيل وأغلب القرى المجاورة، تنقل راني ليزرع العبوات الناسفة التي دمرت أسطورة الميركافا، ونقل الصواريخ المضادة للدروع، وتفقد المدنيين المحاصرين، وساعد في إجلائهم عن مناطق الخطر. كان كالعصفور الدوري سريع التنقل، هادئ القلب، فيبقى ثابت القدمين وهو يزرع عبواته وفوق رأسه تحلّق طائرات الاستطلاع والطائرات الحربية، ما أثار استغراب من يعمل إلى جانبه، وحينما سألوه عن سبب بقائه واقفاً تحت الطائرات، أجابهم وقد وضع يده على قلبه: "بيني وبينها أربعة عشر حجاباً" إشارة إلى المعصومين عليهم السلام.
في الحرب رافق راني صحفياً أجنبياً يغطي الحرب إلى تلّة مسعود، وهناك رأى الصحفي ما قال عنه: "كنت سأدفع كل عمري لأجل أنْ ألتقط الصورة التي استطعت التقاطها له وهو يسجد لربه ثم يرفع رأسه إلى السماء صارخاً بالشكر له".

* عبوات الانتصار
كان وادي الحجير أحد أبرز الأمكنة التي عُزفت فيها منظومة عبوات المهندس راني موسيقى الانتصار العظيم، وكان قد التحق بمجموعة المجاهدين المتصدّين لإنزال قرية الغندوريّة، هناك حيث تصدّت القلة القليلة لعددٍ لا يُحصى من الجنود، ولم يستطع العدو الإسرائيلي إخفاء خسارته الفادحة.

وعند أطراف وادي الحجير، فتح راني هاتفه الخلوي ليسمع لآخر مرة صوت أمه.. وكتب رسالة إلى أقرب أصدقائه يرسل له فيها تحيات البطولة والصمود. كانت تلك اللحظات الأخيرة.. وعلى الرغم من التعب والجوع والعطش لم تهن عزيمة راني، ولكن رصاصة القناص الإسرائيلي طالته في صدره، فركض جريحاً إلى سُورٍ ليختبئ خلفه، غير مدرك أن السور وما بعده مكشوف أيضاً للقناص..

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع