نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الثقافة الملغومة

د. حسين حيدر

 



بات تَطبيعُ العلاقاتِ بين "العدوّ الإسرائيليّ" والدولِ والشعوبِ العربيّةِ والإسلاميّةِ أحدَ أهمِّ ركائزِ السياسةِ الخارجيّةِ لكيانِ العدوّ، ومطلباً ثابتاً لـ"العدوّ الإسرائيليّ"، وبنداً أساسيّاً على جدولِ أعمالِ أيّةِ مفاوضاتٍ، أو معاهداتِ "سلام"، يُجريها "العدوّ الإسرائيليّ" مع هذه الدولةِ أو تلك. الوسائلُ كلّها مشروعةٌ من أجلِ تحقيقِ خرقٍ ما في جدارِ العلاقةِ مع شعوبِ المنطقة، وما مسارعةُ قادةِ العدوِّ إلى الإعلانِ عن أيِّ تواصلٍ مع أيِّ جهةٍ عربيّةٍ أو إسلاميّةٍ، أو ثقافيّة، ومن أيِّ مستوى كانت، إلّا مؤشّرٌ على مدى الأهميّةِ التي يولِيها "العدوّ الإسرائيليّ" للتطبيعِ، بمختلفِ أشكاله السياسيّة، والاقتصاديّة، والثقافيّة؛ لأنّ "التطبيع" يتيحُ لـ"العدوّ الإسرائيليّ" الادّعاءَ بأنّه "دولةٌ" طبيعيّة، تعيشُ في وسطٍ يَقبَلُها، أو بالحدِّ الأدنى يتقبّلُ وجودَها. مقالُنا هذا سيتناولُ التطبيعَ بشقَّيه الثقافيّ والتربويّ.

•"جمعيّةُ الحلفِ الأطلسيّ" ومناهجِ تربويّة للعالم العربيّ
"جمعيّةُ حلفِ الأطلسيّ (ATA)" هي جهاز مدنيّ تابع لمنظّمةِ "حلفِ شمال الأطلسيّ (NATO)"، أخذت على عاتِقِهَا مهمّةَ "إرشادِ" العربِ إلى كيفيّةِ نبذِ العنفِ والتطرّف، واعتناقِ الحداثةِ وتقبّلِ الآخر، والآخرُ ههنا هو "العدوّ الإسرائيليّ" طبعاً. فقد جاءَ على صفحةِ موقعِ الجمعيّةِ أنّ مُكافحةَ التطرفِ في العالمِ العربيِّ تقتضي إحداثَ ثورةٍ ثقافيّةٍ مضادّةٍ لطريقةِ التفكيرِ الرجعيّةِ السائدةِ منذ آلاف السنين، وأنّ مكافحةَ التطرّفِ تحتاج إلى تغييراتٍ ثقافيّةٍ وإصلاحاتٍ، وتعديلٍ للمناهجِ التربويّةِ في مدارسِ وجامعات العالم العربيّ، خصوصاً أنّ الجهازَ التعليميَّ في بلدانِ الشرقِ الأوسطِ قد فَشِلَ في زرعِ مبادئِ الحريّةِ، والتنوّعِ، والمساواةِ، والعدالةِ، واحترامِ حقوقِ الإنسان في عقولِ الطلّاب.

تُضيفُ "جمعيّةُ حلفِ الأطلسيِّ" أنَّ طرائقَ تدريسِ التفكيرِ النقديِّ في المدارسِ والجامعاتِ في العالَمِ العربيِّ تستندُ إلى الحفظِ والتلقينِ لا إلى التفكيرِ النقديّ والمنطقيّ، الأمرُ الذي جَعَلَ التلامذةَ عاجزينَ عن مواكبةِ الحاضِرِ، فما بالك بالمستقبل؟! ولهذا، تدعو "جمعيّةُ حلف الأطلسيّ" إلى ضرورةِ التدخّلِ المباشِرِ والجِدِّيّ؛ لأنَّها تدّعي أنّ ثمّةَ حاجةً إلى القيامِ بخطواتٍ عمليّةٍ في المجالاتِ الاجتماعيّةِ، والتربويّةِ، والثقافية في العالم العربيّ.

•أهدافٌ استعماريّة ووقاحةُ الدور
يبدو أنَّ ما أعلَنته "جمعيّةُ حلفِ الأطلسيّ" ما هو إلّا رأسُ جبلِ جليدِ الخِططِ الموضوعةِ والجاري تنفيذُها لغزوِ العالَمِ الإسلاميّ ثقافيّاً لأهداف استعماريّة، ذات أبعادٍ تطبيعيّةٍ مع صنيعه "العدوّ الإسرائيليّ". وقد نبّه سماحة الإمام عليّ الخامنئيّ دام ظله من مخاطرِ تطبيعِ العلاقاتِ مع أميركا والصهاينة؛ باعتبار هذا الأمرِ "مخالفاً لتعاليم الإسلام"(1)، كما نوّه سماحته بأنّ "الجبهة الثقافيّة توازي بخطورتها وأهميّتها الجبهات الاقتصاديّة والعسكريّة"(2)، وأنّ "الهجمات الثقافيّة أشدّ خطراً من الهجمات العسكريّة"(3)؛ ما يدفعُ إلى السؤال عن طبيعة الهجمات الثقافيّة الغربيّة، كيفَ يتمُّ تطبيقها وتوظيفها في عمليّةِ تفكيكِ البنيةِ الثقافيّةِ والتربويّةِ في العالَمين العربيّ والإسلاميّ، بهدفِ إعادة تركيبِها تركيباً مشوّهاً ومهجّناً لا يمتُّ إلى التراثَين الثقافيّ والحضاريّ بصلة؟

•هجمة ثقافيّة بريطانيّة
نفّذت بريطانيا في العام 2014م "هجمة ثقافيّة" ضدَّ لبنان، حيث قامت الحكومة البريطانيّة آنذاك بمنحِ وزارةِ التربيةِ اللبنانيّةِ هِبَةً ماليّةً لتغطيةِ ثمنِ الكتبِ المدرسيّةِ للتلامذة، استثنت منها كتابَ الجغرافيا؛ لكونِه يتضمّنُ كلمةَ "فلسطين المحتلّة" على الخريطة لا كلمة "إسرائيل"، واشترَطَتْ وضعَ اسم "إسرائيل" على الخرائط الواردة في الكتاب لتمويلِ شرائه. ثمّ قامت بعدَ مدّة قصيرةٍ، بتقديم تمويلٍ آخر لإعادةِ النظرِ في المناهجِ التعليميّة، وأصرّت على تخصيص هذا التمويلِ عبر مؤسسةٍ تُدعى "أديان" قامت بالإشراف على ورشِ العملِ الجاريةِ لمناقشةِ تعديلِ المناهجِ، وبثّتْ فيها ما تعتبرُه قيمَ "السلامِ" و"قبولِ الآخر".

ويبدو أنّ المحاولات البريطانيّة آتت أُكُلَها في العام 2016م، عندما اتّخذتْ وزارةُ التربيةِ آنذاك قراراً قضى بحذفِ عددٍ من الدروسِ والمحاورِ في التعليم المتوسّطِ والثانويِّ للعامِ الدراسيِّ 2016/2017م، حيث طالَ الحذفُ محاورَ ودروساً مهمّةً للغاية، بحجّة التخفيف عن التلامذةِ وترشيقِ الامتحاناتِ الرسميّة. وقد أثار حذفُ ثلاثةِ دروسٍ في مادّةِ التاريخِ للسنةِ التاسعةِ السجال؛ لأنّها تتعلّق بـ: "نشأة الصهيونيّة"، "فلسطين في ظلّ الانتداب البريطانيّ"، "الحروب العربيّة - الإسرائيليّة"، و"نكبة سنة 1948م"... ليقتصرَ ذكرُ فلسطين وبشكلٍ عرضيّ على نصفِ صفحةٍ تحت عنوان: "الأردن والقضيّة الفلسطينيّة حتّى 1967م" فتصبحُ القضيّةُ الفلسطينيّةُ مرتبطةً بالأردن، لا بفلسطينَ المحتلّة(4).

•"إسرائيل" بدلاً من "فلسطين"!
يلاحَظُ في السنواتِ الأخيرةِ حدوثُ طفرةٍ في المحاولات الراميةِ إلى استبدالِ اسمِ "فلسطين" باسمِ "إسرائيل" عمداً، ولكن عندما يتعرّضُ بعضُهم لهجومِ مناهضي التطبيعِ يبادرُ إلى تصحيحِ "خطئه"، مدّعياً أنّه حصلَ سَهواً. والأمثلة كثيرة، وهي تحصلُ حتّى في دولٍ معروفة تاريخيّاً بمناصرتها للقضيّة الفلسطينيّة.

1- في الجزائر: تداولَ نشطاءُ فيها، على صفحاتهم الاجتماعيّة، صورةً لخريطةٍ من كتابِ الجغرافيا للسّنة الأولى للتعليم المتوسِّط، وُضع عليها اسم "إسرائيلَ" بدلاً من "فلسطين"، لتسارع وزارةُ التعليمِ الجزائريّةُ إلى سحبِ جميعِ نسخِ الكتابِ من الأسواق.

2- في لبنان: جاء في "الجريدةِ الرسميّة" في العدد 31، تاريخ 12/7/2018م، الصفحة 3999، ضمن بندِ معلوماتٍ أساسيّةٍ حول جغرافيّةِ لبنان، أنّ لبنانَ بلدٌ صغيرٌ يقعُ على الساحل الشرقيّ للبحر الأبيض المتوسّط، ويمتلكُ حدوداً، أحدها يبلغ 79 كلم مع "إسرائيل" في الجنوب. وفي لبنان أيضاً، برزَ خبرُ إجبار إحدى المعلّماتِ في مدرسةِ الليسيه الفرنسيّة على كتابةَ كلمة "إسرائيل" بدل "فلسطين"، وعندما اعترضت طفلةٌ تبلغُ من العمر تسعَ سنواتٍ على هذا الأمر، لم تكترثِ المعلّمة، وأرغَمتِ التلاميذَ على كتابةِ اسم "إسرائيل" بخطّ أيدِيهم، وزوّدَتهُم بخريطةٍ مطبوعةٍ في المدرسة تحمل اسم "إسرائيل"(5). كما ظهَرَتْ خريطةٌ تظهرُ اسمَ "إسرائيل" بدل فلسطينَ المحتلّةِ في إحدى الحلقات الخاصّة التي عرضتْها محطّةُ LBCI ضمن حوار متلفَز أجرتْهُ مع وزيرِ الخارجيّةِ اللبنانيّ يوم 19 آذار 2019م.

3- في مصر: ظهر اسمُ "إسرائيلَ" بدلَ اسمِ فلسطينَ على إحدى الخرائطِ التعليميّةِ في اللوحاتِ الإلكترونيّةِ "التابلت" التي وُزّعَتْ على طلّابِ الامتحاناتِ الرسميّة (بوابة المصري اليوم، 24/2/2019م). كما وردَ اسمُ "إسرائيل" بدلَ فلسطينَ على خرائط ِ كتاب "المجتمع المصريّ" الصادر عن كلّيّة الآداب في جامعةِ القاهرة عام 2005م، كما تضمَّن كتابُ (الجغرافيا الاقتصاديّةُ بين النظريّةِ والتطبيق) جدولاً يجعلُ "إسرائيلَ" جزءاً من العالمَ العربيّ، ويجري تدريسُه في جامعتَي المنوفية وحلوان (أخبار الأدب، 25/3/2010م).

•دور الترجمة في التطبيعِ الثقافيّ
ينشطُ الصهاينةُ في موضوعِ الترجمةِ من العبريّةِ إلى العربيّةِ بشكل حثيث. وقد أسّسَ "الكيانُ الإسرائيليّ المحتلّ" عام 1962م "معهدَ ترجمةِ الأدبِ العبريّ"، الذي يقدِّمُ الدعمَ الماليَّ لدُورِ النشر التي تتولَّى ترجمةَ الأعمالِ الأدبيّةِ الحديثةِ لـ"لعدوّ الإسرائيليّ" بصورةٍ مستقلّة، وللمجلّاتِ التي تخصّصُ أعداداً خاصّةً للأدبِ العبريّ الحديث، وللناشرين الذين ينشرونَ مقتطفاتٍ منه… بالاتّفاق مع المعهد. وقد صدرت برعايته ترجمةٌ عبريّةٌ لديوان "جغرافيا بديلة" للشاعرةِ المصريّةِ إيمان مرسال بموافقتها، كما أعلنَ وزيرُ الثقافةِ المصريّ الأسبق فاروق حسني، أنّ وزارتَه على وشكِ التعاقدِ مع دارِ نشرٍ أوروبيّةٍ لترجمةِ مؤلّفات الكاتبَينِ الإسرائيليَينِ آموس أوز وديفيد غروسمان إلى العربيّة. وفي عام 2007م، ترجمتْ دارُ نشرِ ابنِ لقمان، التي يرأسها حسين سراج الهائمِ في حبِّ "إسرائيل"، رواية "ياسمين" عن العبريّة. كما تقوم الدار بترجمةِ سلسلة "كيف يرانا الإسرائيليّون"، وسلسلةِ "المجتمع الإسرائيلي كأنّك تراه".

•وفود ثقافيّة ودينيّة في الكيان الغاصب
احتفى "العدوّ الإسرائيليّ"، كما عادته، بمشاركةِ الكاتبةِ اليمنيّةِ إلهام مانع في يومٍ دراسيٍّ عقدَهُ مركز "موشيه ديان" وقسم الدراسات النسَويّة في جامعة تلّ أبيب، يوم الاثنين 28 كانون الثاني 2019م، وهو كان قد احتفى بزيارة وفدٍ بحرينيٍّ ضمَّ شخصيّاتٍ "ثقافيّة" و"دينيّة" بحرينيّة عام 9/12/2017م. كما احتفى "العدوّ الإسرائيليّ" بزيارةِ الشيخ يحيى خليل ثَقُوْف، رئيس جمعيّة "نهضة العلماء" الأندونيسيّة على الرغم من عدم وجود علاقاتٍ دبلوماسيّةٍ بين بلاده وبلاد "العدوّ إسرائيليّ"، وهو ما دفع الرئيس الأندونيسيّ إلى الإعلان عن أنّه سيستدعي ثَقُوْف للوقوف على ملابسات زيارته، كما نفضت جمعيّة "نهضة العلماء" يدها من الزيارة واعتبرتها تصرّفاً شخصيّاً لا يمثّل الحركة، وهو موقف تقليديٌّ يُظهر حجم الرفضِ الشعبيِّ الحاسم لأيّة مبادراتٍ تطبيعيّة من قبلِ شخصيّاتٍ معزولةٍ ومرفوضة.

•نحو مواجهة التطبيع
يدركُ "العدوّ الإسرائيليّ"، ومن ورائِه الولايات المتحدة والغرب، أنّ محاولاتِه الحثيثةِ لاختراقِ العالمَينِ العربيِّ والإسلاميِّ "ثقافيّاً"، دونها عوائق كثيرة، وهي محاولاتٌ ستُواجَهُ على الدّوام برفضٍ شعبيٍّ عربِيٍّ وإسلاميٍّ عارِم. فعلى المقاومينَ ومناهضي التطبيعِ والهيمنةِ وضعُ الخططِ العمليّةِ المنسّقةِ لمواجهةِ التطبيعِ وأدواتِه، خصوصاً أنّ الأرضيَّةَ مهيَّأةٌ، وترابَ البلادِ العربيّةِ والإسلاميّةِ خصبٌ لأيّ زرعٍ يثمر، بإذنِ الله، انتصاراً عاجلاً غير آجل.


1.الإمام الخامنئي دام ظله، كلمته أثناء لقائه المشاركين في حفل المسابقة القرآنيّة المقامة في طهران، 15/4/2019م.
2.الخطاب نفسه.
3.الإمام الخامنئيّ دام ظله، كلمته أثناء لقائه قيادات راحيان النور، 6/3/2017م.
4.صحيفة الأخبار، 29/7/2019م.
5.ليبانون ديبايت، الأربعاء 6/ كانون الأول/ 2017م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع