إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد

الحروب على الموارد: الجغرافيا الجديدة للنزاعات العالمية

إعداد: زينب الطحان


منذ بدء تاريخ البشرية، بدأت النزاعات والحروب. ولطالما كانت هذه الحروب تغيّر من معالم المناطق ومسار الأحداث الكبرى وتمهّد للإنسانيّة عهوداً جديدة مع تطوّرات الحياة على مختلف الصّعد العمرانيّة والثقافيّة والاجتماعيّة والجغرافيّة. وصارت مع تقدم العصور تحمل خلفيات وأهدافاً مغايرة، حتى باتت مع بزوغ عصور الإمبريالية العالمية تحمل عنوانين: عنواناً حضارياً" وعنواناً ثقافياً" بهدف تحرير الإنسان المتفوق للآخر المتخلّف من جهله وقيود "النظام الديكتاتوري" الذي يحكمه.

* الأسباب الحقيقية للصراع
في عصرنا الراهن، مع دخولنا القرن الحادي والعشرين، باتت أسباب الحروب تحمل سمة الصراع من أجل إحقاق الحريات العامة والفردية، على النطاق الغربي لمفهوم الحريات. ولكننا في دراسة متأنية ندرك أن الأسباب الحقيقية أبعد ما تكون عن ذلك، بل هي الصراع من أجل حقول الطاقة والقوة المحركة للآلات التكنولوجية الحديثة. في كتاب الباحث الأميركي مايكل كلير "الحروب على الموارد: الجغرافيا الجديدة للنزاعات العالمية"، تظهر الصورة الناصعة لتلك الحقيقة، والكتاب معزّز بالمصادر الغنيّة، التي تضمّ وثائق حكوميّة داخليّة ونشرات صناعيّة وعسكريّة متخصّصة غير متوفّرة للقارئ العادي. كما يقدّم أول تحليل واقعي لتلافي المخاوف البيئية والاقتصادية والعسكرية. إنّ كتاب "الحروب على الموارد" تحدٍّ جريء للّذين يتوقّعون حقبة من السلم والازدهار، وهو بحث واضح المعالم لطبيعة الحرب المتغيّرة في حقبة من الضّغوط البيئيّة المتزايدة والتّنافس الدولي المتسارع.

* احتمالات فوضى وحروب
كتب كلير بشكل واسع حول السياسات الدفاعية للولايات المتحدة وتجارة السلاح والشؤون الأمنية العالمية. وله أكثر من عشرة كتب تتعلق بالشؤون الاستراتيجية العالمية إضافة إلى كتابات صحفية في أكثر من اثنتي عشرة صحيفة عالمية فضلاً عن عمله كخبير في قسم الأسلحة في منظمة مراقبة.‏ ويعتبر كلير في تحليلاته أن العقود الأولى من الألفية الثالثة ستشهد حروباً مختلفة من أجل السيطرة على الإمدادات التي تتضاءل خاصة بالنسبة لتلك المصادر القيّمة.‏ ويؤكّد أنّ تضاؤل الموارد مع الزيادة السكانية وعدم الاستقرار يسرّع نشوب حروب قد تؤدي إلى زعزعة النظام العالمي الحالي وتثير حالة من الفوضى الخطيرة. يقول كلير إنّ التركيز الحالي على مظاهر القلق الخاصة بمصادر الطاقة يعكس الأهمية المتزايدة للقدرة الصناعية والأبعاد الاقتصادية للأمن. ويعتقد أن تحديد أبعاد القوة وتأثيرها أصابه التغيير منذ زوال الحرب الباردة، فبينما كانت القوة الوطنية تفكر في الماضي في الاكتفاء بامتلاك قوة عسكرية والحفاظ على أنظمة تحالفات ممتدة، أصبحت الآن مرتبطة بالديناميكية الاقتصادية والاعتماد على الابتكارات التكنولوجية.‏ وخلصت دراسة حديثة أجرتها وزارة الحرب الأمريكية إلى أن الأمن القومي يعتمد على الاشتراك الناجح في الاقتصاد العالمي. ويستذكر كلير خطاباً للرئيس الأمريكي بيل كلينتون خلال حملته الانتخابية العام 1992 قال فيه: "يجب أن تصبح قوتنا الاقتصادية عنصراً محورياً لسياستنا الأمنية والقومية، ويجب أن ننظم أنفسنا حتى ننافس ونفوز على الساحة الاقتصادية العالمية". وأصبح هذا النهج، كما يقول كلير، سياسة أميركية رسمية عندما تولى كلينتون السلطة إذ قال: "إن مصالحنا الأمنية والاقتصادية متضافرة".‏

* حرب العراق للسيطرة على أسعار النفط
وللقارئ الاطلاع أكثر على المحاور التي تطرق إليها المؤلف في معالجته هذه والتي جاءت على الشكل التالي: الثروة والموارد والقوة: المعالم المتغيرة للأمن العالمي، النفط والجغرافيا والحرب: السعر التنافسي وراء وفرة النفط، الصراع النفطي في الخليج، الصراع على الطاقة في حوض بحر قزوين، حروب النفط في بحر الصين الجنوبي، الصراع على الماء في حوض النيل، الصراع المائي في أحواض نهر الأردن ودجلة، والفرات ونهر الهندوس، الاقتتال على ثروات الأرض: الحروب الداخلية على المعادن والخشب، الجغرافيا الجديدة للصراع. الملحق: النزاعات الإقليمية في المناطق الحاوية للنفط و/أو الغاز الطبيعي. يطرح المؤلف موضوعه في محاولة للاقتراب أكثر من مسألة الحروب التي تشهدها الساحات العالمية والتي تطلق عليها شعارات: محاربة الإرهاب، عاصفة الصحراء وغيرها... وهدفه من هذا الاقتراب تلمّس الدافع الحقيقي الكامن في السيطرة على الموارد فكانت هذه الحروب في حقيقتها هي حروب الموارد. لم يقف الكاتب على أعتاب هذه الحروب، بل هو تغلغل وبعمق في استجلاء مكامن الخطر في دول العالم النامية والمتجمعة في قارتي آسيا وأفريقيا، هذا الخطر الذي تسببه الموارد التي تمتلكها، بكافة أشكالها، وذلك في محاولة لاستقراء جغرافية محتملة لحروب تلك المناطق التي يمكن أن تشنها دول النفوذ في عالمنا اليوم. ويمكن القول إن الكاتب طرق موضوعه هذا من خلال فكر موضوعي ومنهجية علمية تحليلية، ما أضفى على المعالجة صفة المصداقية. ويتفحّص "الحروب على الموارد" تأثير التنافس الشديد على الثروات في السياسات العسكرية للدول. فتأمين هذه الموارد أو طرق نقلها بات يشغل حيّزاً كبيراً من اهتمام الدول الكبرى على الصّعيدين العالمي والإقليمي.

* النفط والماء في احتمالات الصراع
تذكر وزارة الطاقة الأميركية أن حوض بحر قزوين الذي يشمل أذربيجان وكزاخستان وتركمانستان وأوزبكستان وأجزاء من روسيا وإيران يختزن 270 بليون برميل من النفط، وهو ما يساوي 20% من احتياطيات العالم الإجمالية. وتحتوي المنطقة أيضاً على حوالي 13.5% من احتياطيات الغاز في العالم. وتأمل واشنطن عدا الاستثمار في المنطقة أن تحولها إلى مصدر بديل للطاقة يمكنه أن يسد الحاجات الغربية إذا جمد أو علق شحن النفط من الخليج العربي. وتواصلت التدريبات والخطط العسكرية والأمنية لمنطقة آسيا الوسطى، وشمل ذلك إقامة قواعد عسكرية وحماية حقول النفط وخطوط التجارة البحرية والمظاهر الأخرى لأمن الموارد. وكما حدد النفط كثيراً من الصراعات والسياسات فإن الماء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو مصدر القلق وسبب النزاعات القادمة، وفي مناطق أخرى فإن موارد كالمعادن والأخشاب هي التي توجه دفَّة الصراع والتنافس.

* توفير بنية عسكرية غربية في الخليج وصراع النفط
إن احتمال الاقتتال المستقبلي على النفط تدل عليه أشياء كثيرة. وقد أنشأت الولايات المتحدة بنية أساسية عسكرية دائمة في الخليج، ونقلت روسيا المزيد من قواتها إلى القوقاز وحوض بحر قزوين. ومنذ العام 1973 بدأ العالم ينظر إلى النفط ليس فقط باعتباره سلعة عسكرية أساسية، بل أيضاً شرطاً أساساً للاستقرار الاقتصادي العالمي. ووضعت عقيدة كارتر التي تعتبر المساس بمنطقة الخليج مساساً بالأمن الأميركي موضع التنفيذ في العام 1990. وهكذا فإن سياسة أمن النفط والقوى المحركة للطلب والعرض والتقييدات الجغرافية ستلعب دوراً هاماً في احتمال الصراع على النفط ومساره وموقعه.

* أميركا واستراتيجية المواجهة
وتتكئ الاستراتيجية الأميركية في الخليج على مواجهة سيناريوهات ثلاثة هي: احتواء العراق ومواجهة محاولات إيرانية لإغلاق مضيق هرمز أو تعريض شحن النفط في الخليج للخطر، أو قيام ثورة داخلية تكون خطراً على نظم الحكم الموالية لأميركا. وتنفذ هذه الاستراتيجية بوجود عسكري أميركي كثيف في الخليج العربي. وقدمت الولايات المتحدة كميات هائلة من الأسلحة الحديثة لدول مجلس التعاون الخليجي. إن الموارد الطبيعية هي أساس الحضارة وهي حاجة ضرورية للعيش اليومي، ويملك سكان الأرض مخزوناً هائلاً من الموارد ولكن مستقبل الحياة والاستقرار يعتمد على إقامة نظام تعاون عالمي وتجنب الصراع. ولكن أهم ما يغفل عنه الكاتب في تحليله لمجريات الصراع الدائر بين دول العالم، أنه لا يميّز بين دول تتعرض للاستغلال والاستعمار وسرقة ثرواتها وتحاول الدفاع عنها بشتى الطرق والوسائل وبين دول أخرى استعماريّة وإمبرياليّة ودمويّة تفتك بشعوب العالم في سبيل تأمين مصالحها الاقتصاديّة والتوسعية. ففي حين يأتي إلى الحديث عن الصراع على الماء يعد ما يسمّى بـ "إسرائيل" دولة طبيعية من ضمن الدول التي تحاول الحصول على حصتها من مياه نهر الأردن وبحيرة طبريا، ضارباً بعرض الحائط الفرق بين ذئب يعتدي على الحظيرة وبين حارس يحاول حماية مصدر عيشه.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع