صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

قراءة في كتاب: آلموت: قلعة الدين والسلطة

زينب الطحان

 



رغم أن فلاديمير بارتول كان قد كتب روايته "آلموت" قبل ستة وستين عاماً إلا أنَّ الأسئلة المريرة التي تطرحها قد اكتسبت منطقاً وحيثيات واقعية جداً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول العام 2001، حيث جرت مقابلة تاريخية للأحداث المتشابهة بين سيرة حسن الصباح، بطل الرواية، وبين سيرة أسامة بن لادن. ترجمت رواية آلموت إلى أكثر من 19 لغة من لغات العالم وأصبحت ضمن المقرارات الدراسية. استقى بارتول معلوماته التاريخية حول ابن الصباح وجماعة "الحشاشين" في آلموت من كتابات المستشرقين والرحالة الأوروبيين وبخاصة ما كتبه الشهير ماركو بولو. من هنا جاءت المعلومات التاريخية التي تشي بها مشوهة ومقلوبة في عملية "ثأر ديني" من تاريخ الشيعة، الذين تكالب معظم المؤرخين على تأليب الرأي العام القديم والحديث ضدهم.

* الرواية قديمة جديدة بروحها الإيديولوجية
ونظراً لتلك النظرة الانقلابية تأتي أهمية الرواية، التي اجتذبت ملايين القراء في العالم وأصبحت جزءاً من ثقافة العالم الحية لسببين على الأقل، الأول: إن أحداث الحادي عشر من أيلول بدت كاستعارة لأنموذج لما يسمونه الإرهاب الإسلامي، والإسلام من كل ذلك براء. ولعل "آلموت" إشارة قوية إلى أن ابن الصباح، بسبب الوقائع المغلوطة حوله وحول تنظيمه، قد وجد صدىً قوياً تردد في أرجاء العالم مع ظهور تنظيم القاعدة الذي يتخذ الإسلام شعاراً لكل مشاريعه التدميرية. والسبب الثاني لأهمية الرواية، هو ما تحققه آلموت من متعة نقية في القراءة تماماً كما هي كل الروايات العظيمة، بالحبكة الدرامية الراقية التي تتعامل بمنتهى الاحتراف مع مثل هذه الموضوعات الأكثر حساسية، فخرج نص آلموت بخطاب متعدد من الممكن التعاطي معه كنص سياسي لما يتناوله من صراعات ما أسموه بالحشاشين السياسية وتنظيماتهم العسكرية، كما يمكن التعاطي مع آلموت كنص تاريخي مواز للوقائع التاريخية. بمثل هذه المقومات الفنية والتاريخية انتشرت آلموت في الأدبيات العالمية انتشاراً كبيراً وبيعت منها عشرات الآلاف من النسخ في كل لغة ترجمت إليها، كما يُروى عن بارتول قوله: إنه كان لديه شعور أثناء كتابة العمل أنه يكتبه ليس فقط لمعاصريه لكن أيضاً للقراء الذين عاشوا منذ خمسين سنة وأيضاً للقراء الذين سيعيشون بعد خمسين سنة.

* حقائق تعري الرواية
قبل الغوص في قصة الرواية وحبكتها، لا بد أن نوضح مَوَاطن التشويه التي نالت من سمعة حسن الصباح وجماعته، القائلين بإمامة إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق عليه السلام بعد أبيه، وبذلك اختلفوا عن الشيعة الإمامية الاثني عشرية (الجعفرية) الذين قالوا بإمامة موسى الكاظم بعد الإمام جعفر الصادق عليه السلام. وقد كانت الدولة الفاطمية على المذهب الإسماعيلي. وبعد وفاة الخليفة الفاطمي المستنصر (427 487هـ) حصل انشقاق كبير في صفوف الإسماعيليين، وهكذا فقد انقسم الإسماعيليون عام 487هـ إلى فرقتين: واحدة تقول بإمامة أبي القاسم أحمد المستعلي بالله وسميت بالتالي بالمستعلية والثانية تقول بإمامة نزار وسميت بالتالي بالنزارية.  وكان قد أطلق مجموعة من الكتاب والباحثين على النزاريين اسم (الحشاشون) نسبة إلى الحشيشة المخدر المعروف. أما الكاتب الغربي "بول آمير" في كتابه (سيد آلموت) فيقول عن ذلك: "إن الصفة التي أطلقت على النزاريين (الحشاشون) هي في الأصل صفة: (الحشائشيون) وهي الصفة التي كانت تطلق في تلك العهود على من يتعاطون جمع الحشائش البرية التي تستعمل هي نفسها أدوية، أو تستقطر منها الأدوية، ويقول بول آمير: "عمل النزاريون في ذلك بشكل واسع، ومن هنا لصق بالنزاريين لقب "الحشائشيين"، ثم استغله خصومهم فطوّروه إلى "الحشاشين".

* أحداث الرواية: حبكة متقنة بأحداث مغرضة
من الجيد لو حاولنا التعرف إلى الرواية، عبر العنوان الذي أراد لها الروائي أن تحمله، وهو "آلموت"، وهي قلعة تقع في وسط جبال ألبرز جنوب بحر قزوين. والجبال المذكورة تبعد عن العاصمة الإيرانية طهران قرابة المائة كلم، وكان يسكن هذه القلعة الحسن بن الصباح، أو من عرف بشيخ الجبل. وهذا اللقب أسبغ على هذا الرجل ومن جاء بعده من خلفائه. وكان قد استولى على هذه القلعة، فصارت تحت سطوته وسيادته. وقد كان اسماعيلياً يعتقد بإمامة نزار ابن المستنصر الفاطمي. اتخذ من هذه القلعة محلاً لبث دعوته وأفكاره. وكان يناهض السلاجقة الأتراك آنذاك، وكانوا يُعتَبرون ألد أعدائه. وقد اتخذ أسلوب تطويع الأفراد لأفكار وأمور هو خطَّها وابتعثها، حتى كوّن منها عقائد مبتناة على فلسفته الخاصة القائمة على الذوق والاستحسان بدلاً من الدليل العلمي، وفق ما جاء في الرواية. وكان يسكن في جانب من هذه القلعة "الحريم" حيث يخضعن لبرنامج يومي صارم، بدءاً من الدروس النظرية وانتهاءً بالدروس العملية. وفي الجانب الآخر من القلعة، كان يسكن الرجال أو الجند والعساكر، والذين لا يعلمون شيئاً عن جانبهم الآخر، حيث يسكن الحريم واللواتي هن بدورهن لا يعلمن بسكنى الجند في الجوار. وهؤلاء لم يكونوا بدعاً من النظام الصارم، فقد كان هناك ثمة برنامج آخر يشملهم ويُخصَّص لأجلهم، وهو عبارة عن الدروس النظرية والعملية. ولعل أكثر الدروس النظرية أهمية كان إتقان الفكرة والعقيدة الإسماعيلية والتعرف إلى قوادها وأئمتها، وموقع شيخ الجبل (الحسن بن الصباح) منها.

 وأكثر الدروس العملية أهمية كانت الدروس الحربية والعسكرية في الشأن القتالي ومحاربة الأعداء. وقانون القلعة الذي سنَّه الحسن بن الصباح كان يحظر عليهم الحديث حول الملذَّات المباح منها والمحرَّم. وحين يمضي القارئ في هذه الرواية، يتكشف له كثير من غموضها، فيعرف هذا الرجل (الحسن بن الصباح) والذي أخضع سكنة هذه القلعة إمرته ورياسته. وفضلاً عن ذلك فقد اعتبر إلى نفسه ملهماً ونبياً لأفكار هو أوجدها من ذاته، كما ادعى أن الله سبحانه وتعالى قد منحه مفاتيح الفردوس، وكانت هذه حيلة لأن يوجد من صفوف الجند والعسكر أفراداً أشدّاء ذوي بطش يأتمرون بأمره، ويقومون بتحقيق أوامره وإشاراته اللازمة لبسط نفوذه وتوسعة الفكر الإسماعيلي الذي كان سيده. وقد أفلح في ذلك فبدأ ينتخب من بين صفوف الجند أفراداً سُمُّوا فدائيين. وقد سعى الدعاة وأمراء الجند إلى تعريفهم إليه. وقد أقنعهم بحقيقة مدعاه عن طريق تقديم حبة إلى كل واحد تسلب الوعي منهم، قيل إنها عبارة عن حشيشة حتى أنهم سموا لذلك بالحشاشين. وحين يغيب أحدهم عن الوعي يتم إدخاله في حديقة أوجدها واستخدم لأجلها الفتيات اللاتي جرى الحديث عنهن، بعد أن يتم إقناعهن بأن يؤدين دور الحوريات، وأن أي محاولة أو إخفاق في أداء هذا الدور سيكون على حساب حياتهن. ولعل أبرز أوامر الصباح تصفية كبار رجالات السلاجقة عبر اغتيالهم وتصفيتهم جسدياً، رغبة في أن يدخلوا هذه الحدائق والجنان مرة أخرى.  وهكذا يستمر سياق هذه الرواية، لتوضح طرفاً من أطراف نشأة هذا الفكر الإسماعيلي على يد هذا الرجل (الحسن بن الصباح). 

بقي أن نشير إلى أنه مهما علا شأن التشويهات في الحقائق التاريخية المتعلقة بهذا المذهب إلا أن بين ثنايا صفحات الرواية وردت أحداث عدة تشير إلى قرب المذهب الإسماعيلي من المذهب الشيعي (الاثني عشري) حيث نلاحظ عاطفة الحب تجاه أهل البيت عليهم السلام بين شبان القلعة الذين كانوا يتبارون في كتابة الشعر في حب الإمام علي والزهراء عليهما السلام، إذ كان ابن الطاهر، أحد أبطال الرواية، البارع الأول الذي بلغ مجداً رفيعاً في هذا المضمار مما أدى إلى تقربه من شيخ الجبل الحسن بن الصباح وتعزيز مكانته لديه. وهذا يشير ضمناً إلى أن هؤلاء الإسماعيلين مسلمون مؤمنون موحدون، وأن كل تلك الافتراءات بحقهم التي تسحب منهم الانتماء للإسلام وأنهم لا يصلون ولا يصومون ليست سوى أقاويل واهية لإسدال ستار حول الوهج التاريخي لهذه الطائفة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع