نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

حُبُّ المهدي عجل الله فرجه: نبض الشهداء

رحاب فقيه ناصر

"اعملوا أيّها الإخوة على تأمين الدعم الكامل للمجاهدين في الجنوب والبقاع الغربيّ، ولا تبخلوا بالمال، ولا بالدم، ولا بالأرواح. فهذا العصر عصر الشهادة، عصر الكرامة، عصر انتصار الإسلام العظيم، وهذه الأيام هي أيام الحجّة القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف "(1).
بهذه الكلمات، بثَّ الشهيد محمّد بجيجي الروحَ في نفوس إخوانه، موقظاً إيّاهم على أنّ هذه الأيام التي نعيشها ليست كالأيام السابقة، إنّها أيام الحُجّة القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف. ومن مشغرة الشهيد بجيجي إلى حلب الشهيد حسن عبد الله، الذي قال: "إنّه يوم من أيام صاحب الزمان"(2). وقد بدأ هذا اليوم بالاقتراب أكثر فأكثر.


* بكلّ يقين: هو معنا
لطالما شغلت القضيّة المهدويّة وانتظار الفرج المجتمع الإسلاميّ بمختلف أطيافه، فنرى الجميع يعملون على التمهيد لقيام دولة إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، كلٌّ من موقعه. ولمّا كان الإمام هو الشمس التي نسعى للاستضاءة بنورها، وإنارة العالم من خلالها، كان لهذا النور دورٌ بارزٌ في وصايا الشهداء الذين سعوا إلى ترك أثر يسيرُ عليه من بَعدهم هذا المجتمع، ويقتدي بهم عَبره.
كان الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف الشعلة أو الفيض الذي دارت حوله رحاهم وكلماتهم. هو المخلّص والعدل المنتظر الذي سعوا خلال حياتهم للتمهيد له بكل ما أوتوا من قوة واقتدار فبذلوا أرواحهم في سبيله، فحالهم عند ذكره: "أنّ من روحه لتراب مقدمك الفداء"(3).
لقد اختلفت الأشكال التي عبّر بها هؤلاء الشهداء عن حالهم وقيمهم، عن أولويّاتهم، إلّا أنّ عشقهم وحبّهم واحد منذ بزوغ فجر الخميني على ثغور "خلدة"، وصولاً إلى تلال "القلمون" و"منطقة حرم زينب عليها السلام"، مروراً بجبل صافي وبعلبك على حدٍّ سواء. لقد كان الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف حاضراً في كلِّ سوح التكليف والقتال، كان واحداً منهم، يشعرون بوجوده ملاكاً يحلّق في عالمهم، "عند صلاة الصبح تنبعث روائح هذه الأرض الطاهرة التي سقاها الشهداء بدمائهم، هذه الأرض الطاهرة التي يطؤها الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يوميّاً. نحن على يقين أنَّ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف موجود معنا في كلّ دورة، وفي كل صلاة، يواسينا" (الشهيد حسين علي مكة)(4).

* بلّغوه عنّي إنّي مشتاق إلى طلعته الرشيدة
لقد كان الشوق إلى مرآه، والاستشهاد بين يديه، هو المحرّك الأساس لهذا الجهاد ولهذه التضحيات. وهذا لسان حال كلّ من أدرك سرّ الحياة في هذه الدنيا.
"سادتي المجاهدين: إذا شرّفكم الله تعالى بلقاء قرّة العين وبهجة القلب؛ الإمام المهدي المنتظر (روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء)، أو بلقاء نائبه، أو أحدٍ من أصحابه، أو أحدٍ ممن يعرفه ويراه، فبلّغوه عنّي أفضل التحية والثناء، وقولوا لمحضره الشريف: إني مشتاق إليه، وإلى رؤية الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة، وإلى رؤية الجباه المضيئة بنور الله" (الشهيد موسى محمود أحمد)(5).

* نصرة الإمام منى المشتاقين
لقد ألهب شوق اللقاء صدور هؤلاء، فأخذوا ينشدونه بكلّ ما يملكون، وتعلُّقهم بمسألة المهدوية لهذه الدرجة، هو دليل على وجود روح استشراف المستقبل عندهم، حيث يربطون أنفسهم بهذا المستقبل، "السلام عليك يا صاحب الزمان، السلام عليك يا شريك القرآن، سيدي يا صاحب الزمان، كم نحن عطشى للقائك، فقلوبنا مشتاقة إليك" (الشهيد حسن قماطي)(6).
تمنّى الكثير من هؤلاء الشهداء أن يكونوا ممّن يحملون لواء النصر والشهادة بين يدي الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فيبذلون مُهجهم دونه؛ "سيدي يا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، أرجو الله أن يقبل شفاعتكم بهذا العبد العاصي المذنب، وأرجو أن أكون قد نصرتكم، وأن تكون روحي فداءً لكم" (الشهيد أشرف خير الدين)(7).

* حال بيني وبينك الرحيل
ثمّة من كان شوقه إلى الشهادة وإلى السيدة الزهراء عليها السلام شديداً، فراح يلتمس العذر منه، ويسأله المسامحة: "السَّلام على القائم من آل محمدٍ. وبعد السَّلام، عذراً منك يا صاحب الزمان، يا مولاي، حال بيني وبينك الرحيل، ورحيلي هذا هو اشتياقي إلى جدّتك فاطمة (عليكَ وعليها السلام)" (الشهيد ربيع فارس)(8). كذلك ثمّة من كان شوقه للمولى أبي عبد الله قد عجّل في رحيله، "سيدي، يا صاحب العصر والزمان، لطالما حلمت أن أُستشهد بين يديك، ولكن حبّي للإمام الحسين كان أسرع وأقوى من أيّ شيء، فكم أنا مشتاق للأئمّة الأطهار ولمجاورتهم" (الشهيد موسى مرجي)(9).

* وإن كُنّا أمواتاً حين ظهورك..
ثمّة آخرون حملوا روح الانتظار، وجعلوها أفضل أعمالهم، وأكبر أمانيهم الرجعة للقتال بين يديه: "إن وفّقني الله للشهادة قبل ظهورك، فأسأله الرجعة مع سائر الشهداء لنصرتك، والقتال تحت لوائك، ونيل شرف وحلاوة الشهادة مجدداً تحت رايتك" (الشهيد القائد حسّان اللقيس)(10). لم يكتفوا فقط بالتمهيد، وأداء التكليف، بل أرادوا أن يعودوا أيضاً ليفدوه بأنفسهم مجدداً. "وإن كنّا أمواتاً، فبحق محمد المصطفى، وآله الأبرار الميامين، أحينا يا ربّ، واجعلنا من أنصاره، والمستشهَدين بين يديه" (الشهيد عماد سعد)(11). هؤلاء الشهداء هم جزء من هذه المدرسة المهدوية التي هدفها إحقاق الحقّ، ونشر راية الهدى في العالم كلّه.

* الانتظار: إعداد الذات
لمَ صنع هذا الانتظار هؤلاء المجاهدين والشهداء؟ يتحدّث الإمام القائد السيّد علي الخامنئي دام ظله عن انتظار الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف فيقول: "معنى الانتظار هو الترقب وترصد حقيقة قطعية. وهو يمثّل هذا المستقبل الحتميّ الأكيد، خصوصاً انتظار شخص حيّ موجود. هذه مسألة بالغة الأهميّة، والبشريّة بحاجة إلى هذا الانتظار الذي يضع على عاتق الإنسان واجباتٍ وتكاليفَ، حينما يتيقن الإنسان بوجود مثل هذا المستقبل، كما هو مذكور في القرآن الكريم: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ (الأنبياء: 105-106)؛ أي إنّ الناس العابدين يدركون أنّ عليهم إعداد أنفسهم على أهبّة الانتظار والترصّد. الانتظار معناه إعداد الذات، وأن نعلم أنّ حدثاً كبيراً سوف يقع، وأن ننتظر هذا الحدث دوماً. لا يمكن القول أبداً إنّه سيحدث بعد سنوات أو مدّة طويلة، ولا يمكن القول أبداً إنّ هذا الحدث قريب، بل يجب الترصّد والانتظار دوماً"(12). وهؤلاء المجاهدون الشهداء كانوا من أفضل المنتظِرين، لقد فقهوا معنى الانتظار بحقّ، وعرفوا كنهه، وأيقنوا أنّ المهديّ من آل محمّد هو الحقيقة المحمّدية، والفيض الذي يحقّق الله كلّ أمانيهم، ويجعلهم الورثة في الأرض، ﴿بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (هود: 86).


1- من وصية الشهيد محمد بجيجي (1948-1988).
2- من وصية الشهيد المخرج حسن عبد الله (1982-2015).
3- من وصية الشهيد وسيم شريف شريف (2006).
4- من وصية الشهيد حسين علي مكة (2014) - بتصرّف يسير.
5- من وصية الشهيد موسى محمود أحمد (1973-1999).
6- من وصية الشهيد حسن مصطفى قماطي (1983-2006).
7- من وصية الشهيد أشرف حبيب خير الدين (1972-1999).
8- من وصية الشهيد ربيع محمود فارس (2013).
9- من وصية الشهيد موسى أمين مرجي (1979-2006).
10- من وصية الشهيد حسّان هولو اللقيس (2013).
11- من وصية الشهيد عماد أحمد سعد (1968-2006).
12- من كلمة للسيّد القائد الخامنئي دام ظله.

أضيف في: | عدد المشاهدات: