نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع الإمام القائد: الوحدة بين الحوزة والجامعة



نص الخطاب الذي ألقاه سماحة القائد الخامنئي (حفظه الله) لدى استقباله جموعاً غفيرة من طلبة وأساتذة معاهد التعليم العالي وكذلك مجاميع من طلبة العلوم الدينية وذلك على أعتاب ذكرى الوحدة بين الحوزة والجامعة.

في بداية الحديث، أسأل الباري تعالى علوّ الدرجات للأرواح الطيّبة والطاهرة للذين طرحوا مسألة التقريب والوحدة بين الحوزة والجامعة، والذي استشهد بعضهم في هذا الطريق خصوصاً المرحوم الشهيد آية الله مفتّح والشهيد مطهّري وأمثال هؤلاء العظماء.
إنّ قضية الجامعة في ذاتها قضية مهمة، كما أنّ قضية الحوزة العلمية في حدّ ذاتها قضية رئيسية ومهمة وعندما نطرح مسألة الوحدة بين الحوزة والجامعة، فمن البديهي أننا لا نقصد تحويلهما إلى شيء واحد في الواقع الخارجي، لأنّه لو فرضنا أنّ تلك الدروس التي كانت تدرّس في الحوزات العلمية في العهود السابقة والتي تدرّس حالياً في الجامعات كانت قد تطوّرت كل هذا التطور الحاصل اليوم، لوجب على كلّ فرع وقسم وبمقتضى التخصص والتشعّب في العلوم، لوجب عليه متابعة دروسه وعمله أيضاً.
حذار أن يغضّ بعض الأفراد انظر عن مسألة بهذا الوضوح ويحاولوا خدش وتخطئة مسألة الوحدة بين الحوزة والجامعة، فالجميع يعلم أنّه لا الإمام ولا سائر العظماء رغبوا في دمج الجامعات في الحوزة العلمية بقم أو جعلها فرعاً منها، أو العكس ضمّ الحوزة العلمية بقم إلى الجامعات أو جعلها فرعاً منها.
كلا، فلم يرغب أحد ولم يُطرح هذا الأمر ومنذ الوهلة الأولى.

لكن القضية هي أنّ لدينا مؤسستان جامعيتان أصليتان، أحداهما: تتّجه نحو اكتساب العلوم المرتبطة بمعرفة وتبليغ الدين والبحث عن المستجدات في مجال البحوث الدينية. وهذه وظيفة المؤسسة الحوزوية التي اسمها الحوزة العلمية: وهي التحقيق في شؤون الديني، وتعلّم الأحكام الإلهية المرتبطة بجميع شؤون الحياة، وليس ما يرتبط بالمحراب والعبادة فقط، وكذا فهم واكتساب العلوم والبحث عن الأحكام المستجدة وتصفيتها من الشوائب والزوائد، وتبليغها بالتي هي أحسن وبما يناسب المجتمع والزمان والمخاطب.

وهناك مؤسسة جامعية أخرى ناظرة إلى شؤون الحياة العامة باستثناء ما يرتبط بالدين.
فالناس بحاجة إلى معاش، كسب، مبانٍ، طرقات و...، فيلزم ذلك علوم وبحوث وتحقيقات متعددة ومختلفة في مجال شؤون الحياة. ولأن العلوم متشعبة، وهناك حاجة إلى أنواع العلم للنهوض بمستويات الحياة العامة، فالجامعة مسؤولة عن توفير هذا الأمر، عليها اكتساب هذه العلوم والتحقيق فيها وتمحيصها لتقديمها للمجتمع وتخريج المتخصّصين والخبراء في هذا المجال، والاستفادة من البحوث المستجدة في العالم، وبدورها تقوم بإبداعات واختراعات علمية لتقديمها للبشرية أيضاً.

فإذا قامت هاتان المؤسستان بوظيفتهما بصورة صحيحة وجيدة، وكانت بينهما علاقات ودّ وتعاون متقابلة، صلح المجتمع دينه ودنياه.
فعلى الحوزة تحديد مسار الحياة في المجتمع وعلى الجامعة توفير سبل الحياة، على الحوزة صقل الفكر والذهن والروح والارتقاء بها عن الرذائل لتحديد المسار الصحيح إلى الهدف، وعلى الجامعة توفير الوسيلة اللازمة للتحرك نحو هذا الهدف. فينبغي وجود وسيلة للتحرك بها كذلك ينبغي وجود رؤية وبصيرة ثاقبة لمعرفة الهدف الذي يتحرك نحوه. فهذه دنيا وتلك آخرة، وإذا اجتمعتا، تحققت إرادة الأنبياء وهي سعادة الدنيا والآخرة. لذا نشاهد أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآلهع وسلم جاء بالدين وبالبصيرة واعتمد على الجانب المعنوي، لكنه في الوقت نفسه وفّر الوسيلة المادّية وذلك أمّا مباشرة بتعليمهم إدارة شؤون الحياة، وإمّا بفرض التعلّم عليهم وأمرهم بالتبصّر والاكتشاف في الموارد التي تحتاج إلى تخصّص. وكان نتيجتها عظمة واقتدار هذين الأمرين في صدر الإسلام، وببركة الإسلام صار المسلمون في قمة العلوم البشرية المادّية، ولا يمكن للغرب إنكار هذا التاريخ وسلبه من الدول الإسلامية.

لو اجتمعت الدنيا والآخرة كان الأمر هكذا، وإن أُخذ بأحدهما دون الأخرى، واجه إشكالات. إنّ ما يلاحظ اليوم في الأنظمة التي أوجدتها الثقافة الغربية ـ سواء في الغرب أو في سائر بقاع العالم ـ هو تقدّم الجانب الدنيوي وفي شؤون الحياة المادّية، أنهم استطاعوا الوصول إلى الكواكب وتمّكنوا من تصليح وإعمار التلسكوبات وهي في الفضاء، ويعتبر هذا تقدّماً علمياً عظيماً وخارقاً للعادة، ولا أحد ينكر ذلك، لكنّها تخلّفت كثيراً في تحديد مسار الحياة الإنسانية الصحيحة التي هي بحاجة إلى تلك الوسائل المادّية ـ فبدون تحديد المسار تكون هذه الوسائل مضرّة بالبشر ـ ومن هنا يلاحظ أنّ الدنيا ملئت ظلماً وجوراً.
وللأسف فإنّ البعض لا يفهم مسألة بهذا الوضوح، أليست هذه الدنيا خلقت للبشر؟ أليس التقدّم العلمي لأجل أن يستفيد الإنسان منه؟ ألا يكفي ما نراه اليوم من الأوضاع المأساوية السائدة في العالم، في حين أنّ زمرة تقْدُم على ظلم الإنسانية بهذه الصورة وبالوسائل العلمية التي خلقت لها؟ ألا يكفي هذا الأمر لمعرفة أنّ أحد جناحي الإنسانية ـ أي جناح المعنوية ـ مكسور؟

إذا غضضنا النظر عن البعد المعنوي وسعينا إلى إبعاده عن مجتمعنا، كالذي حصل في أواخر حكومة ناصر الدين شاه، عندما بدأت تأثيرات وطلائع الثقافة الغربية تغزو إيران بصورة مبرمجة ومدروسة ـ لا التي هي طبيعية ولازمة للحياة العامة للإنسان ـ، بدأت محاربة الدين ومحاولة إبعاده عن الحياة ـ طبعاً هناك من يعلم بهذه الحقيقة بالنسبة لرضا شاه لكن لا يعلمها عن سلاطين القاجار ـ، بدأوا بحذف الدين وإبعاد علماء الدين وسعوا إلى استغلال البعد المعنوي لأهدافهم الخبيثة. صار المجتمع مجتمعاً المطلوب فيه وسائل الحياة أي ما نعبّر عنها بالدنيا، صار مجتمعاً المطلوب فيه العلوم المتطوّرة وذات الاختراعات والاكتشافات الكثيرة التي تدرّس في الجامعات اليوم. فإذا أبدينا اهتماماً بهذا الجانب وغفلنا عن الجانب الآخر، أصبح أحد بُعدي الحياة ناقصاً وهو البعد المعنوي. نعم قد يلاحظ تطوّر وتقدم في جانب من العلوم المرتبطة بوسائل الحياة في مجتمع ما كالمجتمعات الغربية، وقد لا يلاحظ أيّ تطور حتّى في هذا الجانب كالحاصل اليوم لكثير من المجتمعات المنقادة للغرب والتي تركت الجانب المعنوي ولم تتمكّن من الفوز بالماديات، وكوضعنا المعيشي في عصر الحكومة البهلوية، أبعدنا المعنويات ولم نتمكن من اكتساب المادّيات بالكيفية المتطورة والعلمية الحديثة والحقيقية فأصبحنا كالّذي "خسر الدنيا والآخرة".

والطرف الآخر للقضية: هي أن يبدي المجتمع اهتماماً بالبعد المعنوي فقط يغفل عن التقدّم العلمي وعن الاكتشافات والاختراعات العلمية وعن تحصيل العلوم بين أبناء الوطن، عن تخريج أُناس لإدارة شؤون الحياة، وإبداع الوسائل المناسبة لاحتياجات البشر بالسهولة والسرعة المطلوبة في عصرنا الحاضر، كان الأمر كالأول، أي أنّ الجناح الآخر مكسور. فلا تتصوّروا أنّ الإسلام يؤيّد حصر جميع الأمور في الجانب الروحي والمعنوي ولا ينظر إلى المادّيات نهائياً، أنّ هذا انحراف كالانحراف الأوّل، إنّ الإسلام يرفض الانزواء والانعزال عن الدنيا وعن الحياة بصورة واضحة كما ورد في كلمات أمير المؤمنين(ع) في نهج البلاغة، كتاب الزهد هذا.

لقد سعت أيادي المستعمرين والذين حاولوا الهيمنة على هذا البلد سياسياً وثقافياً واقتصادياً لإبعاد الدين من المجتمع وبالخصوص من أجواء الجامعات وذلك بإبعاد الدين وأهله أو جعل علماء الدين أجساداً خامدة إن لم يتمكّنوا من القضاء عليهم. وقد بدأوا ذلك منذ مائة وخمسين عاماً أي كما أشرت في آخر حكومة ناصر الدين شاه، ـ طبعاً رضا شاه جاء وتجبّر وعمد إلى القضاء حتى على هذه الظواهر ـ، ولذا كان الدين غريباً في الأجواء الجامعية، كان هدفهم واضحاً وبرنامجهم دقيقاً، لأنه بإبعاد الدين من هذه الأجواء ستُسلَّم دفّة شؤون الحياة وزمام الأمور في المستقبل لعناصر قد ترعرعت في هذه الأجواء وبالتالي إبعاد الدين من المجتمع. ونجحوا نسبياً في فترة طويلة من الزمن، طبعاً لم يتمكّنوا من إبعاد العناصر المؤمنة من الجامعة، فشباب هذا البلد كانوا من أُسر مؤمنة ومتدينّة، منهم من أُبعد عن الدين أو أصبح لا يهتم بالدين لكن البعض الآخر بقي على تديّنه وإيمانه. فليس معناه أنّ المتدينين والمؤمنين لم يكونوا في الجامعات في ذلك العصر، بل معناه أنّ هذا المتديّن وتلك المتديّنة التي تحاول المحافظة على عفّتها وحجابها وكذا الأستاذ الجامعي كان غريباً في الجامعة، فلم يتأقلم مع الوضع العام في الجامعة، بل كان معارضاً ومخالفاً له في كثير من الأحيان. لكن إذا كان الطالب الجامعي أو الأستاذ بعيداً أو لا يبالي بالدين كان المجال مفسوحاً له، ولا يجد أية معارضة من الوضع العام في الجامعة.

وهذا هو الأمر الذي كان إمامنا العظيم يشتكي منه وعلى أساسه طرح شعار الوحدة بين الحوزة والجامعة، ومن هنا يفهم معنى الوحدة بين الحوزة والجامعة.
الوحدة في الأهداف العامة، الوحدة في إيصال الشعب والبلاد إلى الكمال، الوحدة في التحرك على خطين متوازيين وصولاً إلى هدف مشترك واحد.
إنَّ الأهداف المخالفة للدين ما زالت غير قليلة في الجامعات، لا أقول أنّها كثيرة بين الطلبة، فالطلبة الجامعيون أبناء هذا الشعب وهذه الثورة، إذا شوهد نقص في عقائدهم فهو تقصيرنا وتقصير من وظيفته إبلاغ الدين لهم. إنّ الطالب الجامعي لا يجد أيّة مشكلة من حيث العقيدة والعمل والاتجاه الديني في الجامعة، لكن لا زات هناك علامات استفهام تحوم حول بعض المسؤولين والعاملين والأساتذة في مواقفهم حيال الدين والمشاعر والأهداف الدينية والثورية داخل أجواء الجامعات، فلا يجب السماح ـ ولا أقول كيف ـ لأفكارهم المشبوهة ودوافعهم ومشاعرهم الخاطئة أن تترك تأثيرها على الأجواء الجامعية، لأنها تؤدّي إلى تعاسة الشعب وتخلّفه في مضمار الحياة السليمة وهيمنة الأجانب عليه. ويجب أن تكون جامعاتنا معقلاً للدين. وعلى الطلبة المتدينين أن يستشعروا الأجواء الدينية والمعنوية والأخلاقية في الجامعة ومنها الشعور الثوري اليوم. فلا يمكن لأحد أن يدّعي التديّن ولكنّه يعارض ثورة بنيت على الدين.

كذلك على الحوزات أن تكون عصرية وتواكب الزمن، على الحوزات العلمية والحوزة في قم باعتبارها قمة الحوزات العلمية العمل على سوق الناس إلى دين الله بكلّ شوق ورغبة، وعليها إبلاغ الدين إلى الناس كما أراده الله، وهذا الأمر بحاجة إلى تحقيق ونتاج وفكر واطلاع على قضايا العالم ومخالفة الهوى والشهوات الدنيوية ـ إن لم نقل في الجميع لكن في عدد كبير منهم أو على الأقل في الذين يمسكون بزمام الأمور في الحوزات، لذا يلاحظ أن الإسلام كيف يشدّد على شرائط مرجعية التقليد "صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه"، ورأينا مرجعاً للتقليد وهو آية الله العظمى الكلبايكاني (رحمة الله عليه) بهذه الخصائص ـ كما عرفته ورأيته بنفسي ـ، أنّ وفاته أحدثت رجّة عفوية عظيمة في أفئدة الناس ـ وهذا أمر مطلوب ـ وإن المشاعر الدينية والإيمانية للشعب الإيراني التي طفحت على السطح أثبتت بطلان دعايات ومحاولات الأعداء.

فعلى الحوزات العلمية تربية أمثال هؤلاء الرجال العظام فالجميع لا تطول أعمارهم، والجميع لا يبلغ مرتبة المرجيعة، لكن وجود أُناس مثاليين في أيّة مرتبة كانوا مفيد وذو تأثير.
وعلى الحوزات العلمية والجامعات تبادل الخبرات والتجارب العلمية والدراسية في ما بينها لاستكمال مستلمات استقلال الشعب وتحويل المجتمع الإيراني إلى مجتمع نموذجي في جميع مناحي الحياة.
نأمل من الله تعالى أن ينير قلوبكم بنور الإيمان والمعرفة وأن يؤيدكم بتأييده في ظل التوجهات الخاصة لولي العصر (أرواحنا فداه) لمواصلة الدرب كما يحبّه سبحانه وتعالى.
والسلام عليكم رحمة الله وبركاته

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع