نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

اقبلني زائراً



"من أراد اللَّه به الخير، قذف في قلبه حبّ الحسين وحبّ زيارته"(1)، الإمام الصادق عليه السلام. لا عجبَ في أنّ لزيارة سيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام فضائل خاصّة في الدنيا والآخرة. وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "مَن سرَّه أن يكون على موائد النور يوم القيامة، فليكن من زوّار الحسين بن علي"(2).

والزيارة هي حضور الزائر عند المزور. والحضور يتجلّى بأبهى صُوَره بمراعاة الزائر آداباً وأعمالاً عدّة، تجعله زائراً بجسده وروحه، وإليكم بعضها:

* قبل السفر للزيارة
1- إخلاص النيّة لله سبحانه
أن يريد الزائر وجه الله عزّ وجلّ والدار الآخرة، وأن تكون زيارته حبّاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام.
فإذا كانت هذه نيّتنا، يشملنا دعاء الإمام الصادق عليه السلام: "... اغْفِرْ لِي ولإِخْوَانِي ولِزُوَّارِ قَبْرِ أَبِي عَبْدِ اللَّه الْحُسَيْنِ عليه السلام الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ وأَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً فِي بِرِّنَا، ورَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا، وسُرُوراً أَدْخَلُوه عَلَى نَبِيِّكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْه وآلِه... فَارْحَمْ تِلْكَ الْوُجُوه الَّتِي قَدْ غَيَّرَتْهَا الشَّمْسُ وارْحَمْ تِلْكَ الْخُدُودَ الَّتِي تَقَلَّبَتْ عَلَى حُفْرَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّه عليه السلام وارْحَمْ تِلْكَ الأَعْيُنَ الَّتِي جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لَنَا وارْحَمْ تِلْكَ الْقُلُوبَ الَّتِي جَزِعَتْ واحْتَرَقَتْ لَنَا..." (3).

2- استحضار معنى الزيارة

على الزائر استحضار معنى الزيارة، وأنّها الوقوف بين يدَي المزور، وأنّه يسمع الكلام ويردّ السلام، والاعتقاد بحياتهم وقُربهم ومنزلتهم من الله تعالى.

3- صوم ثلاثة أيّام والغسل بعدها

وهو ممّا أوصى به الإمامُ الصادق عليه السلام صفوانَ الجمّال عند زيارته الإمام الحسين عليه السلام قائلاً: "يا صفوان: صُم ثلاثة أيام قبل خروجك، واغتسل في اليوم الثالث..." (4).
ولهذا الصوم تأثير في سكون النفس وصفائها؛ لتردَ إلى سيِّدها الحسين عليه السلام باطمئنان وخشوع، وبه يستشعر الإنسان العطش والجوع؛ فيكون بذلك مواسياً لإمامه عليه السلام الذي قضى عطشانَ جائعاً.
والغسل، مضافاً إلى أنّه تطهيرٌ للبدن، هو تعبيرٌ عن تطهير القلب والروح من الذنوب والآثام.

4- جمع العيال والدعاء بالخير

ففي وصيّة الإمام الصادق عليه السلام المتقدِّمة لصفوان: "... ثُمّ اجمع إليك أهلك، ثُمّ قل: اللّهمَّ، إنّي استودعتُ اليوم نفسي وأهلي ومالي وولدي ومن كان منّي بسبيل، الشاهد منهم والغائب..." (5).

5- حلِّيَّة مال الزيارة

حاول أن يكون المال الذي تزور به الإمام عليه السلام حلالاً طاهراً؛ فقد ورد "أنّ الله تعالى طيِّب يحبُّ الطيِّب"(6).

6- الاستحلال من الخلق

إنّ براءة الذمّة من ذوي الحقوق، وخاصّةً الأرحام والأقربين، مدخلٌ لفيض العطاء والقرب من الإله الذي لا ينال عهده وقربه الظالمون.

* قبل التوجُّه إلى مشهده الشريف
1- الغسل بماء الفرات والدعاء بالمأثور
يُستحبّ للزائر أن يغتسل بماء الفرات قبل التوجُّه إلى الحضرة المباركة؛ فبالغسل تتحاتّ الذنوب عن العبد. عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ ابني هذا الحسين يُقتل بعدي على شاطئ الفرات، فمَنْ زاره واغتسل من الفرات تساقطت خطاياه كهيئة يوم ولدتْه أمُّه"(7).

2- ارتداء اللباس الطاهر

ورد في تتمّة الرواية السابقة: "... فإذا فرغتَ من غُسلك، فالبس ثوبَينِ طاهرَينِ..." (8).

3- صلاة ركعتَين

وتكمل الرواية السابقة: "... وصلِّ ركعتَين خارج المشرعة(9)، وهو المكان الذي قال الله تعالى فيه: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾..."(10).
عن الإمام العسكريّ عليه السلام: "... فإذا فرغَ من صلاته أتاه ملك فقال: إنّ رسول الله يُقرئك السلام ويقول لك: أمّا ذنوبك فقد غُفرت لك، فاستأنف العمل"(11).

4- إتيان قبر سيّد الشهداء عليه السلام ماشياً

ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "يا بشير، إنّ الرجل منكم ليغتسل على شاطئ الفرات، ثم يأتي قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقّه، فيعطيه الله بكلّ قدمٍ يرفعها أو يضعها مائة حجّة مقبولة، ومائة عمرة مبرورة، ومائة غزوة مع نبيّ مرسل إلى أعدى عدوّ له"(12).

5- التوجُّه نحو مرقده الشريف بسكينة ووقار

وهذا ممّا أوصى به الإمام الصادق عليه السلام صفوان: "... فإذا فرغتَ من صلاتك فتوجّه نحو الحائر وعليك السكينة والوقار، وقصِّر خطاك، فإنّ الله تعالى يكتب لك بكل خطوة حجّة وعمرة، وسرْ خاشعاً قلبك، باكيةً عينك..." (13).

6- التهليل والتكبير والثناء على الله

يُستحبّ لك أيّها الزائر في مسيرك نحو معشوقك الحسين عليه السلام أن تُكثر من "التكبير والتهليل والثناء على الله عزَّ وجلَّ، والصلاة على نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، والصلاة على الحسين خاصّةً، ولعن من قتله، والبراءة ممّن أسّس ذلك"(14).

7- الاستئذان بالزيارة

اقرأ إذن الدخول المكتوب على باب المقام، فإنْ خشع قلبك ودمعت عينك فهو علامة الإذن، ثم ادخل وقل: "الحَمْدُ للهِ الواحِدِ الأحَدِ الفَرْدِ الصَّمَدِ الَّذِي هَدانِي لِولايَتِكَ وَخَصَّنِي بِزِيارَتِكَ وَسَهَّلَ لِي قَصْدَكَ"(15).

* أثناء الزيارة
الدعاء هو أحد الأعمال المهمّة في الروضة الطاهرة للإمام الحسين عليه السلام، فإنّ إجابة الدعاء تحت قبّته السامية وهي مما خوّله الله للحسين عليه السلام عوضاً عن الشهادة(16)، فاسعَ واغتنم ذلك وتضرّع إلى الله، طالباً منه الإنابة والتوبة، وعارضاً حوائجك عليه.

وثمّة أمور عدّة تلزم الزائر أثناء زيارته أوجز الإمام الصادق عليه السلام بعضها في هذه الرواية:
سأل رجلٌ الإمام الصادق عليه السلام: "إذا خرجنا إلى أبيك أفلسنا في حجّ؟ قال: بلى، قال: فيلزمنا ما يلزم الحاجّ؟ قال: يلزمك:
1.حُسن الصحبة لمن صحبك.
2.قلَّة الكلام إلَّا بخير.
3.كثرة ذكر اللَّه.
4.نظافة الثياب.
5.الغُسل قبل أن تأتي الحائر.
6.الخشوع وكثرة الصلاة، والصلاة على محمّد وآله.
7. التوقي [التوقير] لأخذ ما ليس لك.
8.أن تغضّ بصرك.
9.أن تعود على أهل الحاجة من إخوانك إذا رأيت منقطعاً.
10. المواساة.
11. الورع عمّا نهيت عنه، والخصومة، وكثرة الأيمان، والجدل.
"فإذا فعلت ذلك، تمّ حجّك وعمرتك، واستوجبت أن تنصرف بالمغفرة والرحمة والرضوان"(17).

8- قلّة الطعام والشراب

من آداب الزيارة أن لا يملأ الزائر بطنه بالطعام والشراب، وقد أنّب الإمام الصادق عليه السلام أحد أصحابه عندما سأله عليه السلام: "تأتون قبر أبي عبد الله عليه السلام؟ قال: قلت: نعم، قال: أتتّخذون لذلك سفرة؟ قال: نعم، قال: أما لو أتيتم قبور آبائكم وأُمّهاتكم لم تفعلوا ذلك..."(18).

في حديث أبي حمزة الثمالي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "... ثمّ تأتي النينوى، فتضع رَحلك بها، ولا تدهن، ولا تكتحل، ولا تأكل اللّحم ما دمتَ مقيماً بها"(19).

9- المراقبة طوال الوقت
ينبغي للزائر المراقبة المستمرّة لنفسه حتّى يستفيد قدر الإمكان من حالة الحضور لدى المعصوم عليه السلام.

10- صلاة أول الوقت

احرص -عزيزي الزائر- على الصلاة في أوّل الوقت، وخاصةً في الحرم. وحالة إمامنا الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء قدوتنا في ذلك.

11- الاحتراز من الأسواق

فقد ورد أنّ "أحبّ البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها"(20).

12- العزم على ترك المعاصي

اعقد العزم على الإقلاع عن المعاصي، فترجع إلى وطنك بنورٍ جديد، وبإظهار الأخلاق الحسنة والخصال الحميدة.

13- الإكثار من دعاء الفرج

اغتنم فرصة وجودك في الحرم، وأكثر من دعاء الفرج، وخاصّةً عند حالة الإقبال الشديد؛ إذ لعلّ في تلك الساعة يكون الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف حاضراً في المشهد المبارك، فيدعو لداعيه.

14- لعلّها الزيارة الأخيرة

من الممكن أن تكون زيارتك هي الأخيرة لك، فانظر كيف تكون فيها.

* بعد الزيارة
اجعل سلوكك مدعاةً إلى جلب الزوار إلى الحرم الشريف، وشجِّع من لم يوفَّق للزيارة ليزور، لعلّ الإمام ينظر إليك بعنايته.


1.وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 14، ص 496
2.بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 98، ص 72.
3.الكافي، الكلينيّ، ج 4، ص 582.
4.المزار، الشهيد الأوّل، ص 117.
5.(م.ن).
6.كنز العمّال، المتّقي الهندي، ج 15، ص 389.
7.مصباح المتهجِّد، الطوسيّ، ص 718.
8.(م.ن).
9.الشِرعة -بالكسر- والمشرعة مورد الشاربة من النهر، والآن نهر العلقمي مطموس وشرعة الصادق عليه السلام غير معلومة، لكن ينسب إليه عليه السلام مكان في تلك الجهة، فلعله هي.
10.المزار، (م.س)، ص 419.
11.وسائل الشيعة، (م.س)، ج14، ص487.
12.مستدرك الوسائل، الميرزا النوريّ، ج 10، ص 298.
13.المزار، (م.س)، ص 121.
14.(م.ن).
15.مصباح المتهجّد، (م.س)، ص 720.
16.وسائل الشيعة، (م.س)، ج 14، ص 537.
17.هداية الأمّة إلى أحكام الأئمة، الحرّ العامليّ، ج 5، ص 494.
18.من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج 2، ص 281.
19.جامع أحديث الشيعة، البروجرديّ، ج 12، ص 475.
20.كنز العمّال، (م.س)، ج 7، ص 648.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع