صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

التربية والتعليم وفق رؤية الإمام الخامنئي دام ظله

إعداد: حوراء أسعد حمدان

إنّ المُحتوى الداخليّ للإنسان هو القاعدة لحركة التاريخ والقائد لأيّ حركة تغييريّة. فالمحتوى الداخليّ الذي ينبثق عن رؤية الإنسان للكون والحياة يُمثّل الجنبة التأسيسيّة لوجوده الخارجيّ؛ فبقدر ما يكون هذا البناء الداخليّ متماسكاً ومستنداً إلى ركائز متعالية وإلهيّة بقدر ما يستطيع الإنسان الحفاظ على وجوده الخارجيّ والسير نحو كماله اللائِق به. وليس أفضل من أن نتتبّع هذه المرتكزات والأسس من الأنبياء، والأئمة، والأولياء الرساليين. انطلاقاً من هذه الأهميّة وحثّ سماحة السيد حسن نصر الله(1) (حفظه الله) على الاهتمام بفكر السيّد القائد الإمام عليّ الخامنئيّ دام ظله، نقدّم لكم لمحة عن كتاب "التربية والتعليم وفق رؤية الإمام الخامنئي".


* ملامح الكتاب
يتألف الكتاب من خمسة فصول أساس وملحق يضمّ مجموعة خطابات للسيد القائد دام ظله. أعدّ الكتاب "مركز البحوث التربويّة في وزارة التربية والتعليم في الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة"، وأصدره بالعربيّة "مركز الأبحاث والدراسات التربوية" في بيروت.

يكشف هذا الكتاب عن البعد التربويّ والثقافيّ لفكر السيّد القائد ويُبيّن الاهتمام الخاص الذي يوليه سماحته لهذه المسألة باعتبارها الأساس البنيويّ للمجتمع. فيبحث في "الفصل الأول" عن المباني الكليّة للتربيّة والتعليم، وعن رسم المعنى والأهداف التي تُوجّه العمل التربويّ الإسلاميّ في "الفصل الثاني"، والسياسات الحاكمة المسيّرة لحركة التربية والتعليم والذي يُشكّل التوحيد عمادها الأساس في "الفصل الثالث". كما يبيّن المناهج والأساليب المتّبعة لتحقيق الأهداف في "الفصل الرابع"، ويوضح بشكلٍ مفصّل دور العناصر والمؤسّسات التي يقع على عاتقها تنفيذ الأهداف في "الفصل الخامس".

* رسم المعنى
تعني التربية بالمعنى العامّ "الرشد" و"النموّ"، فهي سيرُ كلّ شيء نحو هدف وغاية، بحيث يجد ذلك الشيء كماله(2)، وهو ما يتضمّن "التعلّم". أما المعنى الخاص للتربية فهو تحقيق الهوية الصحيحة المطلوبة وزرع الأخلاقيات في الوجود الإنسانيّ. وعليه، يشمل النظام التربويّ المختلف عن النظام التعليميّ(3) وفق رؤية القائد: التربية الأخلاقية والروحيّة، ويشمل مقدّمات التحوّل الفكريّ للتلميذ والفرد إلى الفكر الإسلامي الملتزم. فالعلم والمعرفة هما الوسيلة الأهم لسموّ المجتمع وتطوره. وللتربية عوامل عدة، وتتطلب الإيمان بالإرادة الإنسانيّة وموقعيّة الفكر والنفس والاعتقاد والثقة بالمدَد الإلهيّ.

إنّ للتربية والتعليم دوراً حيويّاً، وهي المسألة الأولى في النظام الإسلاميّ، كما يؤكّد القائد؛ فتربية الناس وإصلاحهم وتزكيتهم من أعظم مسؤوليّات الأنبياء.

* سبب التأخّر الإسلاميّ
إنّ عدم الاهتمام بالتوحيد الحقّ هو السبب في التأخر الإسلامي في رؤية السيد القائد. وأيّ علاج لا يمكن أن يكون إلّا من خلال العودة إلى الأصالة ونفي العبودية لغير الله. لذا، فإنّ التربية وجب أن تكون على أساس الدين ومعاييره التوحيديّة القائمة على العبودية لله والتوكّل عليه والثقة به، وهو ما يشكّل المُعتمد الوحيد للشعب العظيم ليستطيع التحمّل والتصبّر ومواجهة الأعداء.

* الأهداف العامة
من أهداف التربية والتعليم الإسلاميين، التعرّف إلى حياة الأنبياء والأولياء والارتباط الوثيق بهم؛ لأنهم الأنموذج الإنسانيّ الأكمل ومصاديق الوعد الإلهيّ. فيتحدث السيد القائد عن البركات الإلهية للوجود المقدّس لصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وإخلاص أمير المؤمنين عليه السلام، والكنوز والنبع الفوّار لعاشوراء، حيث يقول القائد: "هكذا أجروا هذا النبع الفوار الذي ما زال جارياً حتّى الآن وكان دائماً مصدر خير في حياة الناس. لقد أيقظهم دوماً". وأهمّ درس نستلهمه من عاشوراء هو كَشْف أئمّة الكفر، الذي يُظهر أهميّة فلسفة التولّي والتبرّي. فإنّ رسالة الإسلام لا يمكن أن تتمّ بغير الولاية، من هنا وجب التركيز على الأصالة الإسلامية لولاية الفقيه كونها تمثّل النقطة المضيئة في النظام الإسلاميّ.

من المسائل المهمّة التي يركّز عليها السيد القائد: مسألة الإيمان الواعي، الذي يُشكّل التعرّف إلى روح القرآن ومعانيه احد شروطه اللازمة. تماماً كما إنّ الصلاة المفعمة بالذكر تجعل نور البصيرة يسطع على القلب(4). وهو عينه الإيمان الواعي الذي يدفع إلى الالتزام بالتكاليف الإلهيّة والمسؤوليات الشرعية كالنهي عن المنكر والتحلّي بالروح الجهاديّة. ومن الأهداف أيضاً نذكر الأهداف العلميّة والأهداف الاقتصاديّة... فهذه وغيرها يجب أن توضع في خطط وأسس التربية والتعليم كما يؤكّد السيد القائد.
 

* السياسة الحاكمة
إنّ أسلمة البيئة التعلميّة هي أولويّة لأي برنامج تعليميّ. فالالتزام والصلاح والالتفات إلى الأمور المعنويّة يجب أن تترافق مع العلم؛ لأنّ الإيمان والمعرفة جناحان لارتقاء الأمة(5).

* المناهج والأساليب
إنّ الأسلوب المتّبع للتبليغ يجب أن يكون لائقاً بقدر قيمة الفكر، وإلّا يمكن أن يفقد الفكر قيمته. لذا، على أهل الفكر اتّباع الوسائل الجديدة ومراعاة خصوصية الأجيال والاستفادة من الرأسمال الإنسانيّ وتنمية الاستعدادات الكامنة وتربيتها. والفنّ، وفق الإمام الخامنئيّ، هو الوسيلة الأفضل لإظهار المفاهيم الإسلاميّة والإنسانيّة(6). على أنّ ذلك مشروط بالهدف الرساليّ الذي يعتني بعمليّة إحياءِ روح التقوى والإخلاص.

* العناصر والمؤسسات
1- الأسرة: إنّ أولى المؤسسات المعنيّة بموضوع التربيّة هي الأسرة التي تشكلّ المرأة المحور الأساس فيها. فعندما تكون الأسرة قويّة لا يجد الفساد والثقافة الغربيّة أرضيّة قويّة للنموّ.

2- الهيئات الإسلاميّة: إنّ جعل بيئة المدرسة بيئة إسلاميّة هو أحد مهامّ الهيئات الإسلاميّة التي ينبغي لها تقديم أنموذج حيّ عن الأخلاق الإسلاميّة الفاضلة والثوريّة، وجذب التلامذة إلى المشاركة في أنشطتها بفعاليّة. إنّ هذا العمل، كما يقول السيّد القائد: "عمل صعب وعظيم" وقيمته تكمن في صنع جيل يحفظ الثورة"(7). وهو إلى ذلك يشدّد على أهميّة تربية المتخصّص المؤمن المنوطة به هذه المهمة.

3- الطلبة الجامعيّون: من وظائف الطلبة الجامعيين، الذين هم روّاد الحركة الثوريّة وطلائعها، تعميق الثورة الإسلاميّة وتأسيس نظام علميّ تعليميّ قائم على جناحَيّ الأصالة والتجديد.

4- الحوزة والتبليغ: إنّ طالب العلم والحوزويّ عليه أن يتمتّع بعدّة مواصفات، كالوعي، والبصيرة وبساطة العيش(8). كما عليه أن يكون مطّلِعاً على الفلسفة والعلم المعاصر ومتعلِّماً اللغات. ولم يغفل السيد القائد عن دور المؤسسات الأخرى التي تؤثّر في التربية والتعليم كدور الإذاعة والتلفزيون.

* الكلام الأمين
انعكست من خلال هذا الكتاب القيّم صدى كلمات سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله) في حقّ السيد القائد، حيث قال عنه: "يملك السيد القائد رؤية شاملة وعميقة ومتينة قائمة على الأسس الآتية: أولاً: المباني الفكرية والعلمية الأصيلة. ثانياً: معرفة الحاجات المعاصرة والمشاكل القائمة. ثالثاً: معرفة الإمكانات البشرية والمادية المتاحة لأمتنا. رابعاً: معرفة الحلول المناسبة والمنسجمة مع الأصول والأسس الإسلاميّة"(9). فشمول الرؤية وجامعيّتها تتبيّنان من خلال محوريّة التوحيد الحقّ والبعد الثوريّ والنوارنيّة المعنويّة الحاضرة في فكر القائد، حيث الأصالة للمنبع الإسلاميّ المتمثّل بعباده المصطفَين.
 


(1) السيد حسن نصر الله (حفظه الله) في افتتاح مؤتمر الاجتهاد الفكري عند الإمام الخامنئي: "مسؤوليتنا اليوم هي أن نعرّف الأمة إلى الإمام.. إننا بين يدي إمامٍ عظيمٍ في القيادة وحسن الولاية، وإمامٍ عظيمٍ في التقوى والزهادة، وإمامٍ عظيمٍ في الفقه والاجتهاد، وإمام عظيم في الفكر والتفصيل والتجديد".
(2) التربية والتعليم وفق رؤية الإمام الخامنئي، أمير حسين بورفرد، احمد وقماشجي. (تر. فاطمة شوربا)، ص25.
(3) المقصود المراحل التعليميّة، المواد الدراسيّة والأهداف التعليّميّة. (م.ن)، ص27.
(4) (م.ن)، ص113.
(5) (م.ن)، ص227.
(6) (م.ن)، ص251.
(7) (م.ن)، ص275.
(8) (م.ن)، ص377.
(9) انظر: http://www.moqawama.org/essaydetails.php?eid=20911&cid=203

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع