صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

حين تتسلّل الرتابة إلى الأسرة

فاطمة نصر الله(*)

غالباً ما تتسلّل الرتابة إلى حياتنا الأسرية بكلّ هدوء وخفّة، ومن دون أن يشعر بها أفراد الأسرة بما فيهم الوالدان. فالرتابة، والروتين اليومي هما من الأمور التي تتعلق غالباً بأسس الحياة اليوميّة لأفراد الأسرة، كمواعيد الاستيقاظ والنوم، دوام العمل بالإضافة إلى العمل المنزلي الخاص بالزوجة أو الأم، ثم المتابعات اليوميّة العاديّة، كمشاهدة التلفاز، والعمل على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرهما من الأمور.

*الروتين نظام حياة
ومن بديهيّات الأمور، أن يكون هناك جزء من أعمالنا اليوميّة متكرّراً إلى حدّ النسخ، وهذا ما لا إرادة لنا به، ولا سيما الأمور المتعلقة بالوقت وتنظيمه. فالاهتمامات اليوميّة المرتبطة بدوام العمل مثلاً، هي من الأمور الروتينية التي من الخطأ أن نسعى إلى تغييرها، فلا يصح مثلاً أن نصل إلى العمل كل يوم بوقت مختلف عن الآخر.
أما الروتين، من حيث التعريف، فهو النظام الحياتي المتكرّر الذي لا بدّ من فعله، وليس بإمكاننا التعديل عليه أو تغييره بسهولة.

في العلاقة بين الزوجين، نجد أنّ من الأمور السلبيّة التي تطرأ على حياتهما - وغالباً بعد مرور السنوات الخمس الأولى على الزواج، وأحياناً مع وجود الأولاد - الجمود الذي قد يسود العلاقة بينهما. وهذا بالتأكيد يعود إلى الانشغالات الجديدة التي تحكم الحياة اليومية. فبعض هذه الانشغالات متعلّق بالزوجة التي تبدأ بتحديد أولويّاتها بناءً على ما هو مهم ويجب إنجازه، وما هو أقلّ أهميّةً وهكذا..
أما الزوج، فإنه يقع فريسة الحياة الروتينية التي يعبّر عنها من خلال استغراقه ببعض التفاصيل اليومية، والتي غالباً ما تكون مبنيّة على الواقع الأسري الجديد كانشغال الزوجة بالأطفال، والأعمال المنزلية التي لا تنتظر التأخير وتحتاج إلى متابعة مباشرة وحثيثة.

*مشكلة إضافية
ومن المفيد القول: إنّ الحياة الروتينية للأسرة لا تقف عند هذا الحد فحسب، وقد تصل إلى مشكلة متفاقمة حين تترافق الأمور اليومية مع وجود مشكلات أساسيّة بأصل علاقة الزوجين فيما بينهما والتي يمكن إدراجها وفق الآتي:

1- عدم استيفاء الشروط اللازمة للزواج الناجح، حيث من المواصفات والمعايير التي تجعل من كلا الزوجين متقاربين (البيئة الاجتماعية - الجغرافية، العادات أو من الناحية الثقافية والعلمية أو من الناحية النفسيّة والروحيّة).

2- أن يكون الزواج من أساسه غير مبني على الإلفة والمحبة كحالات التزويج التي يكون الرأي فيها بالتزويج للآباء بغضّ النظر عن رأي الزوجين نفسيهما.

3- عدم وجود تقارب من حيث الاهتمامات والميول بين الزوجين، ولا سيّما في الرغبات الشخصية كالصداقة والمهارات والمواهب.

4- الانغماس بأعباء الحياة والتكاليف التي يعتبر كل من الزوجين أنها تأخذ كل وقته كعمل الزوج، مثلاً. كذلك، فإن انشغال الزوجة وانغماسها في الاهتمام بشؤون الأولاد والأسرة والبيت سبب في الابتعاد عن الزوج ما يؤدي إلى رتابة غير مرغوب فيها، أو إلى نتائج أسوأ من ذلك في العلاقة بينهما كالانفصال المعنوي والروحي مع مرور الوقت.

*الروتين المملّ... داء
إنّ حياة الإنسان مليئة بالمشقّات والمتطلبات اليومية، والتي غالباً ما تُدخلنا في دوّامة الفتور والبرود واللامبالاة، حيث إنّ البقاء على نظام واحد يجعل الإنسان يعيش روتيناً مملّاً يتحول مع الأيام إلى داء يلتهم أوقاته ثم نفسه التي تبدأ بإظهار الإشارات السلوكية المختلفة ويحرمه من العيش بسعادة واطمئنان.
"روتين مملّ نعيشه"، "نريد القضاء عليه قبل أن يدمّرنا".. عبارتان نسمعهما يومياً، ولكن كيف السبيل للخلاص؟ وكيف يمكن محاربة تلك الآفة التي تبني أسواراً من الجليد بين الزوجين من جهة، والآباء والأبناء من جهة أخرى، وتمنع من الشعور بالسعادة، وباتت حاجزاً أمام التقدُّم والإبداع في حياتنا العملية والعاطفية؟

* الآثار سلبيّة على الجميع
قبل الإجابة عن هذين السؤالين لا بدّ من الحديث عن الآثار السلبية المتوقع أن تحصل بين الزوجين أولاً، وبقية أفراد الأسرة ثانياً، وذلك بفعل الرتابة، وعليه يمكننا الحديث عن التالي:
1- فتور العاطفة وضمورها بين الزوجين؛ وذلك نتيجة البعد والتباعد الحاصل بينهما بفعل صَرف الوقت الكامل في اهتمامات أخرى لم توضع جيداً على سلّم أولويّات كلّ منهما.

2- ظهور بعض السلوكيّات السلبيّة الصادرة عن كل من الزوج والزوجة، والتي تَبتدئ بتوجيه العبارات القاسية أو الخالية من العاطفة والوجدان، والتي غالباً ما تتضمن نوعاً من اللوم والرفض لبعض التصرفات اليومية الذي قد يصدر عن أي منهما، وهذا ما يلاحظه الأولاد ويلتفتون إليه، ذلك لأنهم يرصدون حرارة العلاقة بين الزوجين وبرودتها ويتأثرون بها سواءً كانت سلبية أم إيجابية. فالأطفال، لا سيّما في الأعمار الصغيرة، يفسرون الأمور على طريقتهم الخاصة والتي لا تخلو من المبالغة أو التضخيم.

3- الاستسلام للواقع المعاش من قبل الزوجين وعدم بذل الجهد للقيام بما هو مطلوب لتغيير الواقع.

4- الاستغراق بالبدائل التي قد تكون موجودة لدى كلّ منهما، والتي تشكّل تعويضاً عن الفراغ الحاصل والروتين من جرّاء ابتعاد كل منهما عن الآخر، كالهوايات، والأصدقاء، والعالم الافتراضي، ووسائل اللهو والتسوق وغيرها.

5- تقديس بعض الاهتمامات اليومية، والتي قد تختلف اختلافاً واضحاً ما بين قناعات ومفاهيم الزوج والزوجة، فبعض الزوجات عادةً ما يقدّسن العمل المنزلي، وأعمال التنظيف. وطبعاً هذا ما لا يعجب الزوج والذي قد يعتبره نوعاً من الخَلل في كفاءات الزوجة التي تصرف كل جهدها ووقتها للاهتمام بالأمور التي تتعبها من الناحيتيْن الجسديّة والنفسيّة.
أما الأزواج فإنهم أيضاً يقدّسون بعض الاهتمامات الخاصة بهم كالأوقات التي يقضونها مع الأصدقاء، وهم يجدون التبرير لأنفسهم أنهم يروّحون عن أنفسهم جراء التعب الجسدي والإرهاق الحاصليْن بفعل دوام العمل أو المهنة. وهذا ما لا يروق للزوجة أيضاً.

6- السماح للآخرين بالتدخّل في حياتهما وقد يكون من شأن هذا التدخّل أن يلعب دوراً سلبياً في المساهمة بتجفيف العلاقة بينهما، لا سيّما إذا وصل هذا التدخّل إلى حدود البنيان الأساسي للعلاقة الزوجيّة الخاصة بهما وبحياتهما الأسريّة.

*من تداعيات الحياة الروتينية في الأسرة
إنّ من أهمّ التداعيات التي من الممكن أن تحدث بين الزوجين، هو ما يتولَّد من شعور لديهما نفسيهما بعدم السعادة والتمتع بجمال الحياة الزوجيّة، وقد يؤدي بهما إلى الإحباط، أيضاً. وفي حال وجود أولاد، فإن هذا الشعور من شأنه أن ينتقل إليهم، ممّا يؤدي إلى نشوء العديد من المشكلات النفسيّة والسلوكيّة لديهم، كالانزواء أو العدوانية أو حتى التأخر الدراسي وغيرها...

ومن التداعيات أيضاً الهامة والخطيرة هي لجوء الزوجين إلى الطلاق كحل، وهذا ينعكس على الأولاد، في حال وجودهم، نتائج لا يمكن حصرها.

*الاقتراحات والنصائح العملية
ورد في وصيّة الإمام الباقر عليه السلام لابنه الإمام الصادق عليه السلام: "يا بني، إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاحا كلّ شر، إنك إذا كسلت لم تؤدّ حقاً وإن ضجرت لم تصبر على حق"(1). ولذا، يجب علينا أن نعمل على أن تتحوّل بيوتنا إلى دوحة غنّاء من المحبة والوئام وراحة البال، بدلاً من الاستغراق في الأجواء العامة المسيطرة على عالمنا والذي تحوّل فيه الناس إلى آلات. لذلك، لا بدّ من القيام بالكثير من الأعمال التي تساعدنا على تحقيق هذه الأهداف السامية والمعتبرة.

1- أن نقتنع جميعاً أن جزءاً من الرتابة التي نعيشها فقط، في حياتنا اليومية هي أمر واقع، ولا يمكن تغييره؛ وذلك لأنّه من متطلبات الحياة اليومية والمعيشيّة.

2- أن نصرف وعينا واهتمامنا على إسعاد الحياة الزوجية، وأن نوليها العناية الفائقة لأنها تستحق منا كل البذل والعطاء.

3- أن لا نستهين بأولادنا فهم أمانة الله في أعناقنا، ومتى أهملناهم على حساب الأمور المادية التي يمكن تأجيلها، فإنّ مشكلات نفسية ومعنوية وحياتية قد تنشأ عندهم، وسنكون أمام مشكلات متفاقمة أكثر خطورة من الملل والرتابة.

4- أن نحرص على تقوية علاقتنا بالله تعالى، وأن يكون برنامجنا العبادي والروحي أساساً في أنشطتنا اليومية، وهذا من شأنه إعطاؤنا جرعة كبيرة من العزيمة التي تعيننا على تجاوز المتاعب والصعوبات.

5- أن نظهر الكثير من الإيجابيّة في التعاطي مع الآخرين، ولا سيما أفراد الأسرة، وأن تكون الابتسامة رفيقتنا في انطلاقة النهار، والتي من شأنها أن تعطي صورة إيجابية عنا لدى الآخرين.

6- لا بدّ للزوجين أن يبتكرا أنشطة متجددة، تكسر التكرار والملل كالزيارات العائلية، والرحلات المشتركة مع الأصدقاء إلى الحدائق والطبيعة وغيرها...

7- أن تسعى الزوجة لتغيّر شيئاً ما في ديكور المنزل وهذا من شأنه تجديد المشهد الذي تراه العين بشكل دائم.

8- أن يسعى كل من الزوجين إلى الاهتمام الشخصي بنفسه، كالمظهر الجميل والجذاب بما يتضمن ارتداء الملابس الجميلة والنظيفة واستخدام العطور وغيرها.

9- أن يسعيا لتخصيص وقت معيّن لكليهما معاً لممارسة الرياضة كالمشي وغيره.

وأخيراً، لا بدّ أن تكون علاقة الزوجين علاقة رفقة وصداقة لكي يأنسا أحدهما بالآخر ويرتاحا لقضاء الوقت معاً، ما ينعكس سعادةً على الأبناء، وأن يكون لهما "مشاويرهما" الخاصة، وأوقاتهما الخاصة... وهكذا سيجد كل منهما سياحته عند الآخر، وبجهدهما وعزيمتهما وإرادتهما سيتحول البيت إلى بيت سعادة وطاعة.


(*) مختصة بالإرشاد التربوي.
1- الكافي، الكليني، ج5، ص85.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع