نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

معكم: حديث للمعلم

رئيس التحرير


عزيزي المعلم..
مطلع كل شهر يتجدد لقاؤنا مع واحة ممتعة من بستان المعرفة الذي يحمل معه من كل شجرة طيبة ثمرة، ومن كل زهرة أريجاً وطيباً. في كل عدد نصدره نبث إليك شجون الواقع وهمومه، ولكن بطريقة أخرى! فلا نكتفي بعرض الداء، بل يكون أكبر همنا طرح الدواء، لإيماننا العميق بأن الحل الوحيد لكل مشاكلنا يكمن في تعاليم الإسلام.


ومجلة بقية الله قد تجاوزت من عمرها السنتين، وفي أكثر من أربع وعشرين عدداً حتى الآن أنهت مجموعة من المواضيع الإسلامية في العقيدة والسيرة والإدارة والقرآن، وما زالت مستمرة في هذه المنهجية لأهداف عديدة:
منها، أن طبيعة المواضيع في العلوم الإسلامية لا يمكن تلخيصها بحلقة واحدة. وقد يتطلب الموضوع الواحد أكثر من عشر حلقات حتى يستوفي البحث فيه ويخلص إلى النتيجة المرجوة. ومنها، أن المعارف الإسلامية لشمولها كافة أبعاد الحياة الإنسانية بطولها وعرضها لا تتوقف عند حد ما، سواء من ناحية العمق أو التفصيل. ولو عمرت هذه المجلة أكثر من مئة سنة لبقي العديد من المواضيع التي ينبغي أن تطرح. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق".

وفي ظل هذا الكلام يحتدم النقاش بين أصحاب المناهج المختلفة الذين يحملون تصورات عديدة حول كيفية عرض الموضوعات الإسلامية. وفي معظم الأحيان ينطلق هؤلاء من تجارب خاصة، ونظراً لعدم وجود معالم محددة وأطر مصطلحة لا يخرج البحث في هذا المجال إلى نتيجة أو فائدة مرجوة. لذلك نحن ندعو جميع المهتمين في هذا الحقل حقل التوجيه والتبليغ إلى الجلوس لصياغة المناهج المعرفية في العلوم الإسلامية، كما هو حاصل في مجالات العلوم الطبيعية.

ولا يخفى، أن من أهم أسباب افتقاد المنهجية يعود إلى انزواء العاملين المبلغين وقلتهم طيلة الفترة الماضية (سواء كان هذا الانزواء نتيجة الظروف الضاغطة والقمعية أو نتيجة العدد القليل جداً منهم). أما اليوم فإن هؤلاء أصبحوا موضع حاجات الطالبين، وهذا ما نشهده في مختلف مجالات الحياة وطبقات المجتمع، حيث بدأ الناس وقد كانوا من قبل يبحثون عن أجوبة لأسئلتهم الكثيرة عند المتصدين للتعليم والتربية. ولم يتوقف الأمر عند حدود السؤال والجواب، بل أنشئت المعاهد والمدارس الإسلامية هنا وهناك، تلك المعاهد التي لم تعد مقتصرة على نوع معين من الناس. وبرزت الحاجة الماسة لوضع مناهج واضحة تقدم فيها العلوم الإسلامية بأفضل أسلوب وبأكبر كمية ممكنة. ربما يسمي البعض مثل هذه الحالات بالصحوة الإسلامية أو تطور العقل الاجتماعي كنتيجة طبيعية لسيل الأفكار والتيارات التي تجتاح مجتمعنا من خلال وسائل الاتصال والإعلام، حيث لم يعد الفرد الاجتماعي قادراً على إخفاء تساؤلاته الكثيرة. هذه التساؤلات التي لا يمكن ترجمة الأجوبة عنها إلا بصورة مدرسة منهجية واضحة المعالم.

وهنا لا بد من الإشارة إلى الاختلاف الموضوعي بين المنهج والأسلوب، وإن كان أكثر المتعلمين يخلطون بينهما. فالمنهج هو طريقة ترتيب المعارف والموضوعات، والأسلوب هو طريقة عرضها. فقد يكون المنهج ناجحاً جداً من حيث إحتوائه على عناصر الإبداع والثقافة ورعاية المستويات والقابليات، ولكن يأتي أسلوب العرض جافاً بعيداً عن حركيته وأهدافه. وهنا قد يتصور البعض أن المنهج المطروح لا يصلح للمستوى الفلاني أو غيره. هذا، وما يزال الحديث بعيداً عن المضمون وأصالته وتطابقه مع عمق التعاليم الإسلامية. فلهذا الأمر مجال آخر سوف يأتي بإذن الله.

إن من أهم القضايا التي ينبغي أن تأخذ حيزاً واسعاً من البحث والتداول علاقة الأفراد الاجتماعيين بالعلم والمعرفة. ولو تطلب هذا الأمر سنوات مديدة وجهوداً كبيرة حتى يترسخ بشكل عميق لما ذهبت هذه الجهود وتلك الفترات هدراً. فانعدام الرغبة والميل لطلب العلم والذي نلحظه على نطاق واسع من جسم الأمة هو أحد أهم أسباب التخلف الفكري والضعف الإيماني. وبمعزل عن الأسباب التي تقف وراءه (لأن الدخول في بحث الأسباب والعلل ربما يرجعنا إلى أكثر من 1400 سنة)، وبمعزل عن حقيقة الاستحقاقات المفروضة لسنوات الاستعمار والسلطنة والطواغيت، فإن هذا الأمر لا يحكي إلا عن تردٍ كبير على المستوى الإنساني.

فلماذا أصبحت المعرفة، ولماذا أضحى طلب العلم ممقوتاً عند الأفراد الاجتماعيين. كيف يمكن القضاء على أسباب موت العلم في النفوس؟ وما هي المناهج التي يجب اعتمادها في هذا الصدد؟ لا شك أن العلم ما زال محافظاً على قيمته الأساسية في نفوس الأغلبية العظمى، ولا ريب أيضاً أن هذه القيمة تنبع من تعاليم الإسلام الذي حث على العلم بشكل منقطع النظير. فطلب العلم شرف وفخر للمسلم، وهو علامة على توفيق الحق له.
فالمشكلة إذاً ليست في أصل هذه القيمة وموقعيتها في النفوس بل المشكلة هي في الخلط بين القيم والتصنيف الحاصل الذي يعود في أغلب الأحيان إلى نمط الحياة الاجتماعية والسياسية.فالمجاهد لا يحتقر العلم أبداً، ولكن معظم المجاهدين ينظرون إليه على أنه قيمة إيجابية تخصصية أو استحبابية. فإذا شاهد المجاهد عالماً حدثته نفسه (بدافع الفطرة المغروسة التي تعشق الكمال المطلق ومتعلقاته ومظاهره) بحديث اللوم، لأنه يفتقد لهذا الكمال المتمثل في العلم. ولكنه سرعان ما يجيبها، ونتيجة لنوع التربية، أن العلم كمال والجهاد كمال، واختصاصي هو الجهاد. أو قد يتصور البعض مثلاً أن طلب العلم كالصدقة وأعمال البر، ومن المستحسن أن أطلب العلم إذا استطعت.

فالمشكلة تتمثل إذن في التصور العام المنتشر في أوساط الشباب الذين نحاول أن نجعلهم من المتعلمين، أو نفرض عليهم الانخراط في الدورات الثقافية. هذا التصور الذي ينظر إلى العلم على أنه اختصاص عملي أو أمر استحبابي هو المشكلة الأولى التي أفشلت وما زالت مئات المحاولات التعليمية التي تأتي كقالب جامد، نريد أن نصبه في عقول المتعلمين. وما لم تتأكد القيمة الحقيقية للعلم على أنه مقدمة جميع الواجبات، وغاية للسلوك الإنساني، وإذا لم تغرس هذه القيمة وقبل أي شيء في نفوس المتعلمين، فإن المعارف الإسلامية لن تشق طريقها الطبيعي في الحركة الاجتماعية التغييرية التي يطمح فيها إلى بناء الإنسان المؤمن والشخصية الرسالية.
ومن هنا تأتي الحاجة إلى بلورة هذه النظرية الإلهية حيث يعتبر العلم غاية وجود الإنسان، كما قال تعالى في كتابه المجيد: ﴿الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما. وفيه جاءت الروايات الحكمية على لسان أهل بيت العصمة والطهارة، كما قال سيد الشهداء عليه السلام: "إن الله ما خلق خلق الله إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه واستغنوا بعبادته عمن سواه". وقال سيد الساجدين عليه السلام في دعائه: "إلهي عرفت أن مرادك مني أن تتعرف إلي في كل شيء حتى لا أجهلك في شيء".

على المعلم قبل أي شيء أن يثبت أركان قيمة العلم في عقول الطلاب، ويوصل هذه القناعة إلى الجوارح والأعضاء من خلال رسوخها في القلب. وعندئذٍ سوف نشهد حركة طبيعية عند شباب الأمة نحو طلب العلم، ونوفر على أنفسنا المشقات والجهود الكثيرة التي تدور في حيز التنفيذ.

والسلام

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع