إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد

مع الإمام القائد: ضرورة العودة إلى القرآن الكريم

هذا البحث القيم كان الإمام الخامنئي قد قدمه إلى مؤتمر الفكر الإسلامي حول القرآن الكريم. وبالنظر إلى أهميته نقدمه إلى قرائنا الأعزاء.
بسم الله الرحمن الرحيم

 ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا التبست عليكم الفتن كقط الليل المظلم، فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مشفع وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدلّ على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكم، وباطنه علم، ظاهره أنيق، وباطنه عميق، له تخوم، وعلى تخومه تخوم، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة، ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة، فليجل جال بصره وليبل الصفة نظره ينج من عطب ويتخلّص من نشب".
وقال علي عليه السلام: "واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغشّ، والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس القرآن أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى، أو نقصان في عمى".

إن من الضرورة بمكان أن تركّز الأمّة الإسلامية اليوم على هذا التعريف الذي قدّمه رسول الإسلام للقرآن...
إن البيئة المعاشية للمسلمين لم تلوث إلى هذا الحد الذي تلوثت به اليوم من سحب سوداء متراكمة كقطع الليل المظلم.
صحيح أنّنا نجد القرآن. ومنذ الخطوات الأولى التي تلت تحوّل الخلافة الإسلامية إلى السلطنة الطاغوتية. قد تحوّل في الواقع إلى زائدة كمالية، وخرج بشكل رسمي. وإن لم يكن ذلك بشكل اسمي. عن المجال الحياتي للمسلمين، إلا أن ما حدث في جاهلية القرن العشرين من خلال عمل الأجهزة السياسية والإعلامية المعقدة، يعد أخطر من ذلك بمراتب وأكثر بعثاً على القلق بلا ريب.
ولكي يعزل الاسلام عن الحياة، فإنّ أكبر وسيلة وأكثرها أثراً هي إخراج القرآن عن المجال الذهني والقلبي والعملي للأمّة الإسلامية، وهذا بالتأكيد ما عمل له المتسلطون الأجانب والعملاء الداخليون لهم، سالكين هذا السبيل عبر الاستعانة بشتى الأنماط والوسائل.
إنّ القرآن وهو – حسب تعبيره هو – الكتاب المقدّس، والنور، والهدى، والفرقان بين الحقّ والباطل، والحياة، والميزان والشفاء، والذكر لا تتمّ له هذه الخصال – بشكل عملي – إلاّ إذا تمّ – قبل كلّ شيء- استيعابه فهماً وتطبيقه عملاً.

لقد كان القرآن في عصر الحكم الإسلامي في الصدر الأول، هو القول الفصل والكلمة الأخيرة، وحتى كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإنّه يجب أن يعرض عليه. وكان حَمَلة القرآن، يتمتعون بالاعتبار الواقعي في المجتمع بعد أن كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أعطى الأمة التعليم القائل: (أشراف أمتي، أصحاب الليل وَحَمَلة القرآن).
لقد كان استيعاب القرآن علماً وعملاً، يشكل قيمة واقعية، فللإجابة على كلّ مشكلة حياتية يجب الرجوع للقرآن. ولقد كان القرآن ملاك قبول أي حديث، أو أسلوب، أو مدعى، ومعياره. كان عليهم أن يعرفوا الحق والباطل من وجهة نظر القرآن ليشخصوا نماذجهما ومصاديقهما في ميدان الحياة.

ومنذ فقدت القوى الحاكمة على المجتمعات المسلمة القيم الإسلامية واغتربت عنها ورأت في القرآن – وهو الناطق بالحقّ وفرقان الحق الباطل – عقبة في سبيلها، بدأ السعي الحثيث لإبعاد كلام الله عن ميدان الحياة، ووجد عقيب ذلك الفصل بين الدين والحياة الاجتماعية، والتفريق بين الدنيا والآخرة، والتقابل بين المتدينين الواقعيين وأهل الدنيا المقتدرين، وأُبعد الإسلام عن مركز إدارة مجالات الحياة الاجتماعية للمجتمعات المسلمة، ليقتصر على المساجد والمعابد والبيوت وزوايا القلوب، وهكذا وجد الفصل بين الدين والحياة بكلّ ما عاد به من خسارة على المدى الطويل.
ومن الطبيعي أن القرآن قبل أن يتمّ الهجوم الواسع للمتسلطين الغربيين – الصليبيين والصهاينة. وإن لم يكن موجوداً في المجال الحياتي بالمعنى الحقيقي إلاّ أنّه كان يحتلّ مكانة في أذهان المسلمين وقلوبهم. على تفاوت بينهم في ذلك. إلاّ أنّ الهجوم الصليبي الصهيوني في القرن التاسع عشر، لم يستطع أن يتحمّل حتّى هذا القدر أيضاً أنّهم لا يستطيعون أن يتحمّلوا وجود القرآن الذي يصدر بكلّ وضوح أمر (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل) وينشد نشيد  ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ، القرآن الذي يريد للمؤمنين أن يكونوا إخوة فيما بينهم، أشداء غضاباً على أعدائهم، مثل هذا القرآن لا يمكن أن يتحمله المتسلطون الساعون للسيطرة على أزمّة أمور المسلمين ونهب كلّ شيء لديهم.

إنّ هؤلاء المتسلطين أدركوا بكلّ وضوح، أنّ القرآن – رغم هذا الحضور الناقص – في حياة الأمّة، لين يسمح لتسلطهم ونفوذهم أن يسلك سبيله المنشود، ولذا فقد وضعوا خطة لحذف القرآن تماماً. وطبيعي أن لا تمتلك – ولن تمتلك – هذه الخطّة شكلاً عملياً، ذلك أن الله تعالى قد وعد الأمّة الإسلامية بحفظ القرآن دائماً. على أننا لا نستطيع أن نغضَ النظر عن نتائج ذلك السعي الواسع الأبعاد الذي تمّ من قبلهم بهذا الصدد.
القوا اليوم نظرة على ميدان حياة المسلمين، فأين تجدون القرآن؟ هل تجدونه في أجهزة الحكومات؟ أو في النظم الاقتصادية؟ أو في تنظيم العلاقات والمناسبات بين الناس بعضهم مع البضع الآخر، في المدارس والجامعات؟ في السياسة الخارجية والعلاقات بين الدول؟ في تقسيم الثروات الوطنية بين فئات الشعب؟ في أخلاقية المسؤولين في المجتمعات الإسلامية وكلّ فئات الشعوب التي تتأثّر بهم – قليلاً أو كثيراً؟ في السلوك الفردي للحكام المسلمين؟ في العلاقة بين الرجل والمرأة؟ في الأرصدة المصرفية؟ في أنماط المعاشرة؟ في أي مكان من الحركة العامة والاجتماعية للناس؟ ولنستثنِ من كلّ هذه الميادين الحياتية المساجد والمآذن وأحياناً بعض البرامج – التي لا تعدّ شيئاً – من الإذاعات رياءً وخداعاً لعامة الناس. ولكن هل جاء القرآن لهذا فقط؟ لقد كان السيد جمال قبل مئة سنة يَبكي ويُبكي لهذا الأمر، حيث عاد القرآن يقتصر على الإهداء والتزيين والتلاوة في المقابر والوضع على الرفوف... ولكن ماذا حدث في المئة سنة هذه؟ ترى ألا يبعث ولكن ماذا حدث في المئة سنة هذه؟ ترى ألا يبعث وضع القرآن لدى الأمّة الإسلامية على القلق؟.

إنّ الحديث كلّه يتركز على أنّ القرآن، كتاب حياة الإنسان، إنسان اللانهاية، الإنسان المتكامل، الإنسان ذي الأبعاد، الإنسان الذي لا حدّ لتكامله، إن هذا الهادي والمعلم للإنسان، قادر على أن يرعاه في كلّ العصور، وأن الإنسان إنما يتعلم من القرآن فقط نظام الحياة الللائق به وأن الأساليب التي يجب أن يتبعها ليرفع عن كاهله أنواع الظلم، والتفرقة والفساد، والجهل، والطغيان، والانحراف، والدناءة، والخيانة التي ابتلي بها خلال تاريخه الطويل فكانت عقبة في سبيل تطوره وارتفاع مستواه إنّما تكون عملية في ظلّ الهداية القرآنية والمخطّ الذي طرحه الكتاب السماوي للحياة الإنسانية.
إنّ العودة إلى القرآن، هي عودة إلى الحياة التي تليق بالإنسان، وهي المهمة الملقاة على عاتق المؤمنين بالقرآن، وفي طليعتهم العارفون به، والعلماء والمبلغون الدينيون.
وإنّ العودة إلى القرآن، شعار لو يطرح بشكل حقيقي وجدي، لاستطاع أن يقدّم الفارق بين الحقّ والباطل. كما يجب أن لا تتحمل الشعوب الإسلامية وجود تلك القوى التي لا تريد أن تقبل مسألة العودة إلى القرآن.
إخواني المسلمين، أخواتي المسلمات:

إنّنا بعد أن ابتلينا بالبعد عن القرآن، وأُصبنا أيضاً بآثار التآمر ضدّ القرآن من قِبل الأعداء العالميين، قد ذقنا طعم العودة إلى القرآن. وإنّ الثورة الإسلامية العظيمة في إيران وإقامة نظام الجمهورية الإسلامية، ليُعَدّان من الآثار المباركة الكبرى لهذه العودة.
إنّ هذا الشعب ليشاهد اليوم في أُفق حياته، وفي علاقاته الاجتماعية، وفي شكل حكومته ومحتواها، وفي مناقب قادته، وفي سياسته الخارجية، وفي نظام التعليم والتربية لديه، يشاهد في كلّ ذلك لمعات من التعليم القرآني.... إنّ الذي هبّ علينا لحد الآن إنّما هو نسيم من جنّة القرآن... إلاّ أنّ الطريق أمام السعي والحركة، ما زال مفتوحاً للوصول إلى بحبوحة هذه الجنّة الواقعية.
إنّنا نعيش الفخر كلّه بعد أن أصغينا لنداء القرآن، وهي مسؤولية كلّ الشعوب وخاصّة علماء الدين، والمفكّرين، والخطباء، والكتاب وكلّ العاملين.
إنّ مؤتمر الفكر الاسلامي ليؤدي رسالة سامية، إذ يعرض قائمة بالمعارف القرآنية، ويقوم بخطوة على سبيل طرح المعرفة القرآنية من جديد.
إنّ البحث في الموضوعات التي جاءت في جدول أعمال هذا المؤتمر، يجب أن يمتلك القدرة على منح الأذهان المستعدة الإذعان بأن كلّ ما تتطلبه إدارة حياة اجتماعية لائقة متوفرة في القرآن، وذلك من المعرفة الذهنية إلى الأساليب العملية، ومن العقيدة الهادية المحفزة والمعبئة للنفوس إلى النظم المتنوعة التي تشكل أقساماً مختلفة للحياة الاجتماعية، ومن تحليل ماضي التاريخ البشري إلى التنبؤ بمستقبل الإنسان.
إنّنا نجد الفلسفات، والآيديولوجيات المادية المتنوعّة، قد وصلت إلى طريقة مسدود، وذلك على الصعيد الذهني والعملي، فعجزت بالتالي عن اجتذاب القوى الإنسانية وتعبئتها.
والدور الآن للأحكام القرآنية، لتقوم بسدّ الفراغ الموجود في الأذهان والأعمال الإنسانية، وتبشر بتحقّق الواعد القرآني.
(ليظهره على الدين كله).

وعليكم أنتم أخوتي وأخواتي أن تواصلوا ممارساتكم حول محور القرآن من مجالات المعرفة إلى ساحات العمل ومن القراءة إلى التفسير، ومن القبول الذهني إلى التحقّق الخارجي، احملوا شعار العودة إلى القرآن إلى أقطاركم وانشروه بين شعوبكم وشجعوهم وقرّبوهم من تحقيق هذا الشعار، وإنّي لآمل أن تعينكم وتهديكم روح القرآن وباطنه في هذا المسعى المبارك.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع