نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه‏

الأستاذ الشيخ محمد تقي المصباح اليزدي‏

*ضرورة القانون للمجتمع الإنساني‏
﴿لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز (الحديد: 25).
حول هذه الآية الشريفة كتبت الأبحاث العديدة لعلكم سمعتموها أو قرأتموها. أما ما يرتبط من هذه الآية ببحثنا فهي أن الله تعالى يؤكد على أن إرسال الرسل كان دائماً ملزماً لنزول الكتاب والميزان، والهدف من نزول الكتاب والميزان للناس هو القيام بالقسط والعدالة وتحكيم أركانهما في المجتمع الإنساني.
والقسم الثاني من الآية يرتبط بالتحركات العسكرية والدفاعية التي ينبغي أن تتحقق بإرشاد وهداية الأنبياء ﴿ليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب.

فالقسم الأول منها الذي يرتبط مباشرة ببحثنا فهو أن الله تعالى قد أنزل قانوناً يضمن استقرار العدالة الاجتماعية. فدعوى القرآن الكريم أن الله تعالى قد وضع قوانين لأجل تطبيق العدالة في المجتمع الإنساني، وبواسطة الأنبياء وفي شكل الكتب السماوية ظهرت تلك القوانين فهذا هو القسم الأول من الأبحاث التي أشرنا إليها في الدرس السابق وهي أن النظام الإسلامي ينبغي أن يكون قانونه قانون الله، وهو ما تذكره هذه الآية. وهنا سوف نتعرض لثلاث نقاط فيما يرتبط بالموضوع المذكور:
1- مفهوم القانون.
2- ضرورة القانون للمجتمع.
3- ضرورة كون القانون إلهياً.

* مفهوم القانون‏
إن لكلمة القانون استعمالات عديدة، وهي تستخدم في العلوم المختلفة، فنحن نقول مثلاً: القوانين المنطقية، القوانين الفلسفية، القوانين الفيزيائية والقوانين الرياضية و... والاستفادة من كلمة = قانون = في مثل هذه الموارد- بغض النظر عن سلوك البشر- تحكي عن نوع من العلاقات العينية والواقعية في العالم الخارجي. أما كلمة قانون فإنها لا تطرح بهذا المعنى في المسائل الحقوقية والسياسية فعندما يجري الحديث عن القانون في مثل هذه الأبحاث فإنه يقصد به تلك القضايا التي تعيّن نهج سلوك الإنسان في الحياة الاجتماعية. فالقضية التي يكون مفادها- مفاد صريح أو التزامي أو تلميحي- أن على البشر في الحياة الاجتماعية والفردية أن يتصرفوا بهذا الشكل ولا يفعلوا هذا الأمر، فهذه القضية تكون قانونية تطرح في الأبحاث الحقوقية والسياسية. وأحياناً يكون القانون بالنسبة للناس أمراً صريحاً أمراً صريحاً بالفعل أو الترك، أو أمراً يكون مفاده ولازمه- حتى ولو لم يكن صريحاً- ذلك الفعل أو الترك، فالقانون الذي يعيّن للناس أو لفئة منهم حقاً ما، لا يكون في ظاهره يجب أو لا ينبغي، ولكن لازمه يكون ذلك. ولهذا على الآخرين أن يراعوا هذا الحق ولا يتعدوه. هذا هو المطلب الإجمالي، حيث أردنا أن نقدم تعريفاً للقانون حتى لا يشتبه بالمفاهيم الرياضية والفلسفية والمنطقية و...، وسوف نفصل الكلام في هذا المورد في محله.

* ضرورة القانون للمجتمع
في البحث حول الموضوع الأول، وهو مفهوم القانون، ذكرنا أن القانون هو عبارة عن: مجموعة الأوامر التي تعيّن أسلوب سلوك الإنسان في الحياة الاجتماعية". والآن نقول:
ومن الأصل، ما هي ضرورة القانون للمجتمع؟ وبعبارة أخرى، لو لم يكن للناس قانون ماذا كان يحدث؟
إن طرح هذا السؤال قد دعا إلى أبحاث مهمة في فلسفة الحقوق وقدمت المدارس المختلفة أجوبة متعددة عليه. ونحن هنا سوف نشير فقط إلى دليل واضح ومعتمد في النظرية الإسلامية، ولا ندخل في عرض سائر النظريات ونقدها، لأن هذا يتطلب مجالاً أوسع لا يتسع هذا المختصر له. الدليل الذي نحن بصد بيانه لإثبات ضرورة القانون للمجتمع يحتاج إلى عدة مقومات ونتيجة:

* المقدمة الأولى
إن حياة الإنسان هي حياة اجتماعية. ولكن لماذا هي اجتماعية، وهل أن هذا الاجتماع قد أجبر الإنسان عليه، أم أن طبيعة الإنسان تقتضي الحياة الاجتماعية وهل يوجد أي عامل عقلائي واختياري يؤثر في انتقاء الحياة الاجتماعية أم لا؟ هذه أبحاث قد جرى الحديث عنها كثيراً. أما رأينا فهو أن للعامل العقلائي تأثيراً في انتخاب الحياة الاجتماعية. فالإنسان لأنه يجد في الحياة الاجتماعية، مصالح ومنافع تعود عليه، لأنه يعلم أن حاجاته المادية والمعنوية لا تؤمن إلا من خلال الحياة الاجتماعية، أو أنها لا تؤمن بصورة مطلوبة وكاملة إلا بها، فلذلك يدخل في الاجتماع ويقبل بشروطه. على كل حال، فإن الدوافع الاجتماعية لحياة الإنسان مهما كانت لا تخدش المقدمة المذكورة وهي "أن حياة الإنسان هي حياة اجتماعية من الناحية العملية". فإذا لم يكن لدينا حياة اجتماعية فإن احتياجاتنا المادية والمعنوية لا تؤمن بالشكل المطلوب. وهذا أمر بديهي لا يحتاج إلى مزيد توضيح.

* المقدمة الأخرى
ما يلزم الحياة الاجتماعية هو التزاحم والتصادم بين مصالح أفراد المجتمع. فعندما يريد الناس أن يعيشوا حياة اجتماعية. وتنشأ بينهم مصالح العمل المشترك ومنافعه وعندما يريدون أن يقسموا نتاجه، يحصل تزاحم بين طلباتهم. فقسم يريد أكثر أو يريد شيئاً خاصاً أو يريد أن يستفيد بشكل مطلق من الثروات الطبيعية. أو أنه يريد من الآخر أن يعمل وفق هواه أو ميوله. ويكون كل هذا مما يرفضه الآخر، فيؤدي ذلك إلى النزاع في الساحة الاجتماعية، ولأجل منع وقوعه لا بد من تعيين حدود وإقرار قوانين. وهذا أمر بديهي ووضوحه من حيث إذا تأمل الإنسان قليلاً في حاجات الإنسان- المادية والمعنوية- (بالطبع ما يرتبط بالحياة الاجتماعية) فسوف يرى أن تأمين هذه الحاجات بصورة لا محدودة غير ميسر. وإذا أراد الناس أن يعيشوا حياة اجتماعية، فعليهم أن يعينوا حدوداً لمتطلباتهم ولا يعملوا وفق رغباتهم في كل شي‏ء.

وحول مبدأ هذه الحدود من أين ينبغي أن تكون؟ وكيف تعين؟ فهذه قضية ينبغي البحث فيها في محلها. أما القضية التي نحن هنا بصددها فهي أن هذه الحدود إذا لم تراع وتطبق، فإن النزاعات سوف تبرز لتؤدي إلى تزلزل الحياة الاجتماعية وزوالها.
ولأجل إزالة هذه النزاعات أو التخفيف منها نحتاج إلى الحدود والقوانين. فإذا لم نعين حدوداً لمصالح الأفراد في الحياة الاجتماعية وإذا لم يطبق الناس هذه الحدود فإن الهدف من الحياة الاجتماعية وهو الاستفادة القصوى من الثروات الطبيعية لأجل تحقيق التكامل المادي والمعنوي للإنسان لن يتحقق. لهذا يجب إدارة الحياة الاجتماعية بحيث نؤمن أرضية التكامل المستمر لجميع الأفراد. ولا يحدث هذا إلا إذا تأمن الغرض من الحياة الاجتماعية بالشكل الصحيح.

* النتيجة
من خلال ضم المقدمات المذكورة نخلص إلى هذه النتيجة:
"وجود القانون للمجتمع ضروري"، أي أن على أفراد المجتمع أن يتصرفوا ويسلكوا سلوكاً يراعي الحدود والضوابط، حتى يتمكن الجميع من الاستفادة المعنوية والمادية من الحياة بالشكل المطلوب. فإذا أسقطت هذه الحدود ولم يحكم القانون لن يصل المجتمع إلى هدفه. ولهذا، فإن القانون ضروري للمجتمع على ضوء ما ذكر.

*ضرورة أن يكون القانون إلهياً
النقطة الأساسية في البحث وهي ما نستند إليه أن القانون في النظام الإسلامي الذي يقوم على أساس الأصول الإسلامية ينبغي أن يكون إلهياً.
فلماذا نصرّ على إثبات وجوب كون القانون الحاكم على المجتمع إلهياً ولا غير؟ إن سبب إصرارنا وسعينا لإثبات هذا المطلب هو أن الإسلام مدرسة تشمل جميع جوانب الحياة، وهو يضمن سعادة الجميع، ويجب علينا أن نقف في مقابل كل الأديان والمذاهب والتيارات المختلفة التي تتمسك بها أكثر دول العالم، وندافع عن عقيدتنا وأهدافنا بسلاح الدليل والفكر كما ينبغي، وندعو الجميع لقبول هذه العقيدة. فالفكر الذي يؤمن بإلهية القانون له أعداء ومعارضون يقولون: إن القانون الإلهي لا وجود له في الأصل، بل القانون هو ما يتفق على وضعه أفراد أو جماعات أو شعب، ولا يوجد مصدر آخر للتشريع.

وهؤلاء ينقسمون إلى قسمين:
الفئة الأولى أولئك الذين أنكروا وجود عالم الغيب وما وراء الطبيعة، وهم لا يؤمنون بالأديان الإلهية، مثل المدارس الإلحادية والمادية.
الفئة الثانية أولئك الذين يقولون أن للدين وجوداً، ولكنهم يحصرون دوره بالعلاقات التي تربط الإنسان بخالقه، ولا مكان له إلا في المساجد والمعابد والكنائس. وهذه هي نظرية فصل الدين عن السياسة والتي راجت في مجتمعنا ردحاً طويلاً من الزمن.
ومن الواضح أن بحثنا مع الفئة الأولى ليس مطروحاً لأن بيتهم، كبيت العنكبوت، وهم لا يؤمنون بأصولنا العقائدية والفكرية فكيف بالقوانين المنبثقة عنها. ومع هذه الفئة إذا كنا نريد أن نبحث فعلينا أن نبدأ من الأصول، كإثبات وجود الخالق والنبي والإمام والوحي و... ففي هذا الخصوص إذاً يأتي الحديث إلى الذين يؤمنون بوجود الله والنبي والدين، ولكنهم يعتقدون بأن الأمور التي أوحاها الله للنبي هي مجموعة التعاليم الأخلاقية والعبادية والفردية ولا ترتبط بالمجتمع والحياة الاجتماعية. ولكننا نعتقد أن محتوى الأديان الإلهية يشمل التعاليم الاجتماعية أيضاً. ففي هذا المجال هناك قانون حقوقي واجتماعي. ويجب تطبيق هذه القوانين ولا نحتاج إلى كثير بيان من الناحية الإسلامية. فمن خلال هذه الآية التي ذكرناها في بداية البحث وعشرات أمثالها يكفي ليعلم أن الإسلام يحتوي على القوانين الاجتماعية.

الإسلام يدّعي أن الله قد أنزل قوانين لحفظ العدالة الاجتماعية، وأن الهدف منها هو تثبيت هذا الركن. ولكن التعاليم الإسلامية لا تنحصر بالمجتمع، فيوجد الكثير مما يتعلق بالأحكام العبادية والفردية. ولكن ما جاء في القرآن تحت عنوان "الكتاب والميزان"، هو ما يسمى اليوم في الثقافة العالمية بالقوانين. فالغرض من نزول الكتاب والميزان وجود المعيار لقياس السلوكيات الإنسانية في المجتمعات البشرية. فلهذا:
أولاً: ينبغي أقرار العدالة الاجتماعية.
ثانياً: طريق الوصول إلى العدالة الاجتماعية هو العمل بالتعاليم والقوانين التي أنزلها الله تعالى.

ووجود هذا الادعاء واضح، أي أن الشخص إذا امتلك معرفة موجزة بالقرآن والفكر الإسلامي، فإنه لن يشك أبداً أن الإسلام يريد تحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع من خلال العمل بأوامر الله. أما تبين هذا المطلب: بأي دليل أكد الإسلام بهذه الدرجة على ضرورة تطبيق القوانين الإلهية في المجتمع؟ ولماذا تضمن هذه القوانين العدالة الاجتماعية؟ ولبيان هذه المسألة نورد دليلاً واضحاً ومختصراً ويمكن فهمه بسهولة، ثم نكمل بحثنا: من خلال تعريف القانون، والدليل الذي قدمناه على ضرورة وجود القانون يمكن القول: "إن القانون المطلوب هو الذي يشمل كافة الأبعاد الوجودية للإنسان المادية والمعنوية، ويضمن تكامل جميع جوانبه" وتوضيحه: في الأبحاث السابقة ذكرنا لماذا يعد القانون لازماً للمجتمع، وهو أنه يؤمن الهدف من الحياة الاجتماعية بصورة صحيحة. أما الهدف من الحياة الجمعية. فهو إيصال الناس إلى كمالاتهم المادية والمعنوية بأبهى صورة. والآن نقول: أن القانون المطلوب هو القانون الذي يساعد جميع أفراد المجتمع على الوصول إلى التكامل المادي والمعنوي. إذا كان القانون مفيداً لفئة من المجتمع ويؤمن العمل به مصالح هذه الفئة ولكنه يبقى الفئات الأخرى محرومة- سواء كانوا أقلية أم أكثرية- فإن هذا القانون ليس مطلوباً، لأن القانون يجب أن يؤمن مصالح الجميع. فإحدى خصائص القانون هي أن يكون مفيداً ومؤثراً في تأمين مصالح كل الناس الذين يعيشون في المجتمع، ويؤدي إلى ذلك بأفضل وجه- بالطبع في حال عمل به، فبحثنا يدور حول القانون نفسه وليس عن التطبيق-، ولا ينحصر ذلك بالمصالح المادية، بل يكون أفضل أرضية لتكاملهم المعنوي، لأن الإنسان ليس عبارة عن بدن مادي وعنصر طبيعي.

أما بالنسبة للفكرة الأخيرة حول أصالة الإنسان في غير المادة والبعد الجسماني فقد أثبتناها في مباحث أخرى، ونحن نستند إليها هنا كأصل موضوعي. وعلى أقل تقدير، فإن الإنسان في نظرية الإسلام ليس مجرد جسم واحتياجات جسمانية. ولا ننسى أننا الآن بصدد بيان النظرية الإسلامية. وفي هذه النظرية يكون الإنسان موجوداً ذا أبعاد مادية وروحية، وتشكل الأبعاد الروحية أصالته، وليست المادية والبدنية إلا وسيلة لتكامل روحه. لهذا يجب أن تكون القوانين الاجتماعية بشكل يضمن منافعه المعنوية وتكامله الروحي. والحد الأدنى أن لا تتنافى هذه القوانين مع هذه الأبعاد.

* الخلاصة
- إن من أهداف بعثة الأنبياء بيان القوانين الإلهية والدعوة إلى إقامة القسط.
- القانون عبارة عن مجموعة القضايا والتعاليم التي تعيّن منهج سلوك الإنسان في الحياة الاجتماعية.
ولأجل إثبات ضرورة القانون للمجتمع يطرح ثلاث مقدمات:
1- الحياة الإنسانية اجتماعية.
2- في الحياة الاجتماعية يحدث التزاحم والتصادم في المنافع.
3- لأجل رفع النزاع والتزاحم لا بد من تعيين الحدود والضوابط في المنافع والاستفادات.

النتيجة: بالالتفات إلى المقدمات المذكورة، فإن وجود القانون ضروري للحياة الاجتماعية. القانون الاجتماعي يجب أن يكون إلهياً. لأن الإنسان موجود ذو أبعاد مختلفة ولا تنحصر في البعد المادي والفردي. لهذا فإن القانون يجب أن يكون مستوعباً لكل شؤونه وأبعاده. إن دين الإسلام دين شامل وقادر على إدارة أمور المجتمع. الإسلام دين لا ينحصر بالمساجد أو الأمور الفردية. ومحتوى الأديان الإلهية يشمل التعاليم الاجتماعية أيضاً. وهذه التعاليم تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع