نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أدب الأنبياء: النبي صالح (عليه السلام)

 ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ
 ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ
[هود/61].
 ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ  [الأعراف/74].

حكاية نبي الله صالح عليه السلام كحكاية أخيه هود عليه السلام مع قومه وهو عليه السلام يخاطب قومه ويدعوهم إلى عبادة الواحد القهّار. فيما لم ينقل لنا القرآن الكريم عن توجّهه بدعاء مباشر إلى الله تبارك وتعالى بل يظهر أدبه مع الله تعالى من خلال دعوته لقوته ولكن دعاء المؤمن الصابر والمخلص العارف بربّه والمتوجّه إليه بكلّ ثقة واطمئنان إلى وعده.
ممّا يظهر من الآيات المباركة أنّه جاء بعد النبي هود عليه السلام وقد ذكّر قومه بما حصل لقوم عاد لعلّهم يأخذون العبرة منهم. وقد بدأ دعوته لقومه مذ كان عمره ستة عشر عاماً وبقي حتّى بلغ سن المئة والعشرين من عمره، ومع ذلك لم يمل أو يكلّ.         

يذكّر هذا النبي الصابر عليه السلام بآلاء الله تعالى على قومه علّها تكون السبب في إيقاظهم من غفلتهم وهذا ما يعرف بشكر المنعم، فإنّ تعداد النعم الإلهية نوع من الاعتراف بحقّ العبودية لله تعالى. لذا قال بعد أن طلب عبادة الله الواحد الأحد  ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ . هذا تذكير بأصل الوجود وهو يعود، ولا شكّ، إلى الله تبارك وتعالى، بعدها يطلب منهم إعمار الأرض وبناءها ليكون تمكينهم بفضله أيضاً وإرادته إذ:  ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، وعملهم بما سخّر لهم.

كلّ ذلك يستحقّ معرفة ليتبعها شكر. ولمّا جحدوا كلّ ذلك فعليهم الآن الاستغفار لجحودهم والتوبة ممّا أقدموا عليهم بالإياب عما مكثوا فيه فإنّ الله تعالى قريب مجيب يسمع دعوة الداعي ويجيب المستغفر التائب توبةً نصوحاً.

من هنا نعيش من هذا النبي الصالح حقيقة الارتباط العميق بالله تعالى خاصّة عندما تتمرّد النفس الإنسانية وتتهاوى لتلتصق بالأرض، وتثور في النفس رغبة الاستسلام للشهوات وتبتعد بها شيئاً فشيئاً عن حركة الرسالات. فلا بدّ والحالة هذه أن يتذكر الإنسان ويذكّر نفسه الأمارة بالسوء إلاّ ما رحم ربّي بأن كلّ هذه النّعم وكلّ هذا التمكين إنّما يعود إلى صاحب السلطة، وصاحب الأمر كلّه، إلى الله العلي القدير.
وقد صرّح الله جلاّ وعلا في كتابه المجيد أنّ انتشار الذنوب والمعاصي سبب في هلاك الأمم وشقائها:  ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا  [الإسراء/16].
فهذه سنة من سنن الله تعالى في خلقه تظهر جلية لكلّ من ألقى السمع وهو شهيد عبر نظرة بسيطة إلى تاريخ الأمم وأسباب سقوطها وانهيارها، فالدول التي تصرّ على الظلم والفساد وتستمرّ في الغي والطغيان، يهلكها الله تعالى في الدنيا بالضعف والتفكّك وبالشقاق وخراب العمران، فتزول منعتها، ويتفرّق شملها ويستولي عليها من يطمع فيها فيذيقها الذل والهوان أو يُدمّر بنيانها ويزول عمرانها وذلك بما قدمت أيديكم وأنّ الله ليس بظلام للعبيد.

أما من أراد الإياب واستدراك ما فات فإنّ الطريق مفتوح وها هو قائد أمّة أهلكت نفسها يقدّم لنا الخطوات التي يمكن اتباعها لإصلاح ما فسد. وأولى الخطوات للسير على الخط الصحيح هي: الاستغفار، وذلك يتمثّل بالاعتراف والندم، ولا يكون هذا إلاّ بالتوسّل والتضرع إلى الله تعالى لقبوله في ساحة الرّحمة الإلهية.

أمّا الخطوة الثانية فهو الرّوحية العميقة التي تنجم عن الاستغفار أعني الندم على الماضي بالعزم على تصحيح المستقبل، ذلك أنّ الخط الجديد لا يستقيم بماضٍ خاطئ أعوج، فالتوبة تمحو ظلمة الماضي والغفران يحوّل الحاضر إلى إشراقة طاعة. وهنا كان اطمئنان النبي صالح عليه السلام، وكلّ إنسان مؤمن حقاً،  ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ  قريب من الإنسان ومشاكله ومعاناته، مجيب لتوسلاته إذا كان صادقاً في توبته مخلصاً في إنابته  ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ قريب من روحه وفكره بل حياته كلها. فهل (يرجع العبد الآبق إلاّ إلى مولاه أم هل يجيره من سخطه أحد سواه؟".
فهل نرجع إلى الله مولانا الحق، ونسأله فكاك أنفسنا من أغلال الذنوب؟
وهل نذكر آلاء الله تعالى وأن كل ما نتمتع به ويحيط بنا إنّما هي نعم الله تعالى علينا؟ فلا نعصيه في ملكه فيكون "خيرك إلينا نازل وشرنا إليك صاعد"، بل نكون كما قال صالح عليه السلام: ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع