نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مشكاة الوحي: الهداية وحدودها


كل شيء لا يكون وجوده عين ذاته، فهو ممكن محتاج في وجوده إلى الموجود بالذات، وكما أنّ الممكن يكون في أصل وجوده محتاجاً إلى الموجود بالذات، كذلك يحتاج إليه في تكامله وبلوغه ا لهدف، أي أنّ ا لكمال محتاج إلى الكامل بالذات، وذلك الموجود بذاته والكامل المحض، يهدي الموجودات الإمكانية إلى كمالها المقرّر لها، وتكون هدايتها بعهدته.

فالهداية عبارة عن تعيين الكمال المناسب للشيء ووصوله إليه. لذا كل شيء لا يكون الكمال عين ذاته، سيكون محتاجاً إلى الهداية، ومحتاجاً في كماله المناسب له إلى مكمّل، سواء خلق كاملاً، أو طوى طريق الوصول إلى الكمال بالخروج من القوة إلى الفعل. فعلى هذا تكون حدود الهداية كل عالم الإمكان سواء الموجودات الثابتة والمجردة التي صدرت ووجدت من المبدأ المتعال، أم الموجودات المتحركة المادية التي خلقت في أفق الزمان وسيلان الخلق، فإنّ تلك الموجودات التي تكون بدايتها ونهايتها متشابهة ـ ﴿وما منَّا إلا لهُ مقامٌ معلوم ـ محتاجة أيضاً إلى الهداية، وكذلك الموجود الذي بدأ من القوة والنقص، وينتهي إلى الفعل والكمال، محتاج لها أيضاً. لذا فإنّ المجرد الكامل المخلوق يقول في تسبيحه: ﴿سُبحانكَ لا علمَ لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنتَ العليمُ الحكيمُ وكذلك هذا التكامل الذي يتعامل بكل العلوم والمعارف ﴿وعلّم آدمَ الأسماءَ كلّها يقول في دعائه وإنابته:  ﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين َ .

والخلاصة، كما جاء في وصف ذلك المجرد  ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ  وكذلك هذا الموجود المادي الذي يتحرك باتجاه التجرد وهو مأمور بأن ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم كلاهما محتاج إلى الهداية؛ لأنه من غير الممكن أن يكون وجود الشيء ليس عين ذاته، وأنّه في أصل وجوده محتاج إلى مبدأ الوجود، ولكنّه يكون غنياً بالذات بالكمال وطريق الوصول إليه؛ لأنّ تبديل الفقر بالذات إلى الغنى الذاتي محال،

وكذلك التفويض المحض ممتنع ولأن الهداية كالوجود المنقسم إلى ثابت وسيّال، تكون هداية بعض الموجودات مثل أصل وجودها ثابت ومنزّه عن التدرُّج، وهداية البعض الآخر من الموجودات مثل أصل وجودها سيّال وتدريجي. فعلى هذا فإنّ حدود الهداية هي حدود الوجود الإمكاني، والآية الكريمة:  ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى   تحمل على المعنى الواسع الجامع، وتحفظ كلية ودوام ذلك، نسبة إلى حدود وجود الممكنات، وعدم الاعتقاد بأن «الخلق» في الآية مقابل «الأمر» في ﴿ألا لهُ الخلْقُ والأمرُ. بل على هذا المفهوم الجامع ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ . تحمل على حدود الهداية التي تشبه عالم الوجود سعة فتكون واسعة وجامعة، لأنّ كل ملك من الملائكة له رسالة، وهو مأمور بهذه الرسالة، وواضح أنّه لا يمكن أن تكون الرسالة دون هدف ودون هداية.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع