نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نبذة من الآداب القلبية للوضوء

ع.ن.

 



إن من الآداب القلبية للوضوء ملاحظة وجه اختصاص الأعضاء المخصوصة بالوضوء. وبتعبير آخر، ينبغي للمتوضئ أن يلحظ بقلبه سر اختصاص هذه الأعضاء بالوضوء لكل صلاة لكي يصل إلى أسرار الوضوء. وهذا اللحاظ القلبي يبدأ من معرفة هذه الأسرار التي بيّنها أهل البيت عليه الصلاة والسلام وشرحها الكمّل من العارفين التابعين.
فمما ورد عن الإمام الرضا عليه الصلاة والسلام أنه قال: "وإنما وجب على الوجه واليدين والرأس والرجلين، لأن العبد إذا قام بين يدي الجبار، فإنما يكشف من جوارحه، ويظهر ما وجب به الوضوء وذلك أنه بوجهه يسجد ويخضع، وبيده يسأل ويرغب ويرهب ويتبتل وبرأسه يستقبله في ركوعه وسجوده، وبرجليه يقوم ويقعد ".

والإمام الخميني قدس سره يقول مستفيداً من هذا الحديث الشريف "بأن لهذه الأعضاء دخلاً في العبودية للحق تعالى. والعبودية تظهر من هذه الأعضاء، فلهذا وجب تطهيرها "..
فالعبودية هي التسليم التام لإرادة الله تعالى. والتسليم التام يعني أن يكون العبد في كل مراتب وجوده مذعناً ومنقاداً لأوامر الله. وإن عدم إذعان الجوارح والأعضاء يدل على عدم تحقق المقام المذكور. لأن الأعضاء والجوارح هي مظهر إرادة القلب والباطن. ثم يفهم من هذا البيان الشريف بأنا لأمر بتطهير الأعضاء والجوارح التي تعبّر وتظهر العبودية لله إنما هو لأجل التوجه إلى تطهير الباطن. يقول الإمام قدس سره:
"فعلى هذا، فإن تطهير القلب الذي هو محل حقيقي للعبودية ومركز واقعي لتلك المعاني يكون ألزم ".
ومن جانب آخر فإن عدم تطهير الجوارح والأعضاء تطهيراً كاملاً يعني عم لياقتها للصلاة. فإن الوضوء ينبغي أن يكون تاماً، فلا صلاة بدون طهور. وهذا يدل أيضاً على وجوب تطهير الباطن بشكل كامل. فيقول الإمام قدس سره.
"وبدون تطهير القلب لو غسلت الأعضاء الصورية بسبعة أبحر ما تطهرت ولا توجد فيها لياقة لذلك المقام، بل يكون للشيطان فيها تصرف، ويكون المرء مطروداً من حضرة العزة ".
فإن الاكتفاء بتطهير الظاهر والصورة دون التوجه إلى طهارة الباطن سيمهد الطريق للشيطان للنفوذ إلى مملكة وجود الإنسان، ما سيؤدي إلى طرده من حضرة العزة كما طرد الشيطان من قبل.

* بعض أسرار تطهير الأعضاء:
ومن ذلك ما ورد أن نفراً من اليهود جاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسألوه عن مسائل وكان فيما سألوه: أخبرنا يا محمد لأي علة نتوضأ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف المواضع في الجسد؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): "لما أن وسوس الشيطان إلى آدم ودنا من الشجرة فنظر إليها فذهب ماء وجهه، ثم قام ومشى إليها وهي أول قدم مشت إلى الخطيئة ثم تناول بيده منها ما عليها وأكل فتطاير الحلي والحلل عن جسده فوضع آدم يده على أم رأسه وبكى، فلما تاب الله عليه، فرض عليه وعلى ذريته تطهير هذه الجوارح الأربع. فأمر الله عزّ وجلّ بغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة، وأمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول بهما، وأمر بمسح الرأس لما وضع يده على أم رأسه، وأمره بمسح القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة ".

وفي هذا الحديث وأمثاله إشارات لأصحاب القلوب واستفادت تعلم من خلال النقاط التالية التي يبينها الإمام الخميني قدس سره في الآداب المعنوية للصلاة:

أولاً: أن خطيئة آدم عليه الصلاة والسلام ليست من قبيل المعاصي والخطايا التي نعرفها.

ثانياً: لعل هذه الخطيئة هي الخطيئة الطبيعية أي ظهور طبيعة الإنسان المادية فهي بالنسبة لحقيقة التجرد نقص وحرمان وخساسة. ولذلك يقال إن عالم المادة هو أخس عوالم الوجود.
أو لعل المراد منها خطيئة التوجه إلى الكثرة التي هي شجرة الطبيعة. فعالم الطبيعة هو عالم الكثيرات حيث تضمحل الوحدة وتختفي في منظر الإنسان المستغرق فيه.
أو لعل المراد منها خطيئة التوجه إلى الكثرات الأسمائية بعد جاذبة الفناء الذاتي واستغراق آدم عليه السلام في جمع الأسماء. فإن هذه الشجرة تعني هنا التوجه إلى الأسماء بحد ذاتها، وهذا التوجه هو حجاب الذات لأن الأسماء هي حجاب الذات.

ويوجد في هذا المجال كلام كثير يخرج عن هدف هذه المقالة. ولكن على كل حال فإن هذه الخطيئة كما يقول الإمام قدس سره ما كانت متوقعة من مثل آدم عليه الصلاة والسلام.

ثالثاً: لأن آدم عليه السلام كان صفي الله والمخصوص بالقرب والفناء الذاتي، فقد أعلن الذات الإلهية وأذاع سبحانه بمقتضى الغيرة الحبيّة عصيانه وغوايته في جميع العوالم وعلى لسان الأنبياء عليهم السلام، وقال تعالى: ﴿وعصى آدم ربه فغوى ﴾.

رابعاً: فلذلك ولكي ينال الإنسان المقصد الأسمى لا بد له من التطهير. فآدم وذريته مشتركون في الخطيئة.

خامساً: أن حب الدنيا والنفس اللذين هما موجودان باستمرار في الذرية من شؤون الميل إلى الشجرة والأكل منها. ووجود حب النفس والدنيا بشكل مستمر يعني أن الإنسان إذا ترك وشأنه في هذا العالم فإنه سيتجه نحو الدنيا والكثرات، ولذلك لا بد له م ن تنبيه. وهذا لا يعني أن الله سبحانه قد أودع فينا هذا الحب. بل إن هذا الحب ينشأ من ذلك الحب الأصيل على أثر التوجه الخاطئ.

سادساً: وحيث أن لهذه الخطيئة مراتب، فإن للتطهّر منها مراتب مطابقة لها. فإن جميع المعاصي القلبية لابن آدم هي من شؤون أكل الشجرة وتطهيرها يكون على نحو خاص. وكذلك فإن جميع المعاصي القلبية من شؤون تلك الشجرة وتطهيرها بطور آخر.

سابعاً: إن تطهير الأعضاء الظاهرية هو ظل الطهارات القلبية والروحية للكمّل. بينما يكون وظيفة ووسيلة لتطهير القلب والروح لأهل السلوك.

ثامناً: أما إذا بقي الإنسان في مرتبة تطهير الظاهر (أي الأعضاء والجوارح) ولم يتخذها وسيلة لطهارة القلب فهو ليس من أهل السلوك وهو باقٍ في الخطيئة.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع