نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

المرأة في الإعلام: الصورة المشوّهة

مي حمادة

 



ليس هناك من ينكر اليوم أثر الإعلام في حياتنا. فقلّ أن يخلو بيت من التلفاز، سواء أكان في وسط الصحراء أم على رأس الجبل. وليس من متعة أحب إلى الناس في أيامنا هذه، الصغير منهم والكبير، والمثقف والجاهل من مشاهدة التلفاز، فهذا الصندوق السحري يعطي كل فرد ما يبتغيه: فالذي يريد العلم حصل عليه، والذي يحب الرياضة يلهث في متابعة برامجها، والذي تستهويه المتعة المحرمة يجد منها الكثير والكثير. هذا كله في مجال واحد من مجالات الإعلام، فما بالُكم إذا عدّدنا المجالات الأخرى، من مجلات وجرائد، ومواقع الشبكة الإلكترونية، وما إلى ذلك؟ أظن أن المساحة المخصصة لي ستنقضي قبل أن أفرغ من ذلك، فالإعلام لم يدخل حياتنا، بل إنه قد تدخّل في هذه الحياة!! ووصل إلى الحد الذي يصوغ فيه هويتنا... وذلك لما يحدثه من تأثير فيها، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: كيف أثّر هذا الإعلام في هويتنا الإسلامية؟ في الحقيقة إنني لا أعمد في هذه السطور القليلة إلى أن أقدم الجواب على هذا السؤال الكبير، ولكني سأسلط الضوء على بعض الجوانب من تأثير الإعلام في هوية المرأة المسلمة:

* ربط تطور المرأة وتقدمها بخروجها من البيت:
هذه المقولة الأساسية تطرحها وسائل الإعلام بألف صورة ولون، فالمرأة عندما تستقر في بيتها تكون متخلفة وجاهلة، وبعيدة عن مسايرة المجتمع ومواكبة التطور. وهذه المقولة خطيرة جداً على النظام الاجتماعي كله، فإن المرأة عندما تخرج من بيتها وتترك رعاية أطفالها وتتخلى عن دورها في إدارة شؤون أسرتها من أجل شهادة جامعية أو عمل وظيفي فإنها لا تخدم نفسها أو تبني مجتمعها بل إنها تحطمه دون أن تدري. فلا يخفى على أحد أن هذا الطرح غربي، وأن هذه الصورة للمرأة هي صورة المرأة في المجتمع الغربي ونحن نروج لها بوعي أو بدون وعي لا أدري رغم أن هذا الطرح لقضية المرأة قد أثبت فشله بعد أن صار فساده أكثر من أن يوارى، فقد تفكك الرابط الأسري، وانجرف الأولاد في أشكال من الانحراف والفساد، وفي أمريكا اليوم تتفاخر النساء اللواتي لا يعملن بأنهن غير مضطرات للعمل!

* الدعوة إلى السفور
الحجاب بالنسبة إلى المرأة المسلمة هو أهم شعار ترفعه من شعارات الهوية، لأنه ملازم لها ويعرّفها في أي مكان على وجه الكرة الأرضية، فإذا كانت الهندية تحرص على لبس الساري، ولو تحت المعطف الطبي، فمن باب أولى أن تفخر المسلمة بحجابها لأنه عبادة وليس عادة، فعندما تتمسك به لا تكون مقلدة متزينة بل تكون معبّرة عن فكرها، ومتبعة لشريعتها، فهو ليس مصدراً للتعبير عن الاتباع والتقليد، بل هو باب لإظهار التحرر وسيادة الفكر. إلا أن الإعلام يصر على أن يجعل من الحجاب عادة شعبية وليس أمراً دينياً تعبدياً ورمزاً للهوية الإسلامية، فالجدة العجوز محجبة، والشابة إذا كانت جاهلة تتحجب، ثم عندما تتثقف وتتنور ترفع الحجاب، وفي صورة سلبية أخرى يصر الإعلام على إظهار الخادمة والجاهلة والفقيرة هي التي تضع الحجاب، أما المثقفة والمتنورة والمتحضرة فإنها لا تتحجب. ولا أدري من أين جاء إعلامنا بهذه الصورة؟ مع أن الواقع الاجتماعي عكس ذلك على الإطلاق، فالطالبة الملتزمة هي المتفوقة علمياً، وكثير من الشابات أكثر التزاماً بالحجاب من أمهاتهن. وقد عرفت في بعض الدول العربية الإسلامية كثيرات من الأمهات اللواتي تحجبن خجلاً بعد أن التزمت بناتهن بالحجاب وهن ما زلن سافرات. فالحجاب هو رمز للهوية الإسلامية وليس عادة ترمز للتخلف والجهل كما أراد الإعلام أن يظهرها.

* تهميش دور المرأة:
مارس الاعلام عملية تهميش المرأة بأسلوبين:

1- المادة الاعلامية الموجهة للمرأة: وذلك عبر البرامج التلفزيونية والإذاعية والمجلات النسائية: وهي بعمومها مواد عن الطبخ وديكور البيت، والرشاقة، والأهم من ذلك كله الأزياء والتجميل. هذه هي الصورة التي رسمها الإعلام عن المرأة في أذهاننا. وعزز في ذهن المرأة أن الجمال والأنوثة مطلب أساسي وهام في حياتها تستحق المرأة أن تنفق من أجله الغالي والرخيص. إنه الطريق الأمثل والأفضل للنجاح في الحياة الأسرية والاجتماعية. وقد تجاهل الاعلام أن للمرأة حاجات فكرية ونفسية، فهي بحاجة لأن تسمو بنفسها وترقى بذاتها حتى تستطيع أن تقوم بدورها الكبير في المجتمع.

2- صورة المرأة في الإعلام: أما عن الدور الذي تلعبه المرأة في وسائل الإعلام فهو أشد بلوى وأكثر وجعاً، لأن المرأة في الإعلام هي فتاة إعلان، أو صورة براقة على غلاف مجلة، وكأن المرأة قد تحولت إلى سلعة تستغل فتنة الأنوثة لشد انتباه الجمهور، وبغضّ النظر عن اعتبارها الإنساني، حتى مذيعات النشرات الإخبارية يجب أن يكنّ على قدر معين من الجمال والجاذبية يضاف إليه كل ما وصلت إليه تقنية التجميل. هذه الصورة المهمشة التي رسمها الإعلام للمرأة قد أثرت في وضع المرأة في بلادنا، وأفقدتها الكثير من مقومات هويتها الإسلامية، وذلك بحكم تقليد الشابات للنماذج النسائية التي تقدمها وسائل الإعلام، فالنساء يردن أن يصبحن مثل المذيعة فلانة أو يلبسن مثل المغنية فلانة، وهذا كما لا يخفى على أحد هدر كبير لإمكانيات المرأة. ومن ناحية ثانية فإن الرجال في مجتمعنا تأثروا بالصورة التي رسمها الإعلام للمرأة، وكأنها هي المرأة المثالية، في شكلها وسلوكها، وصار الرجل يتوقع أن تكون زوجته مثل الصورة التي يراها. وهذا دون شك باب واسع لإفساد العلاقة بين الزوجين، وبالتالي لانهيار العلاقات الأسرية وخراب البيوت. كما أن الزخم الإعلامي الشديد الذي ملأ حياة الناس جعل المادة المتاحة أمام المرأة هي مادة تافهة سطحية لا تقوي شخصيتها، ولا تساعدها على التعرف على ذاتها، وكأن الإعلام أصبح وسيلة إعاقة تمنع المرأة من التقدم والتطور في سبيل الرقي بذاتها، لتتمكن من القيام بدورها في أسرتها ومجتمعها والحفاظ على هويتها.

وأخيراً: فإن ما قدمته ما هو إلا أمثلة قليلة لما تسبب به الإعلام من إساءة لهوية المرأة المسلمة، فهذا الإعلام يُقدَّم للمرأة بصورة مشوهة تتناقض مع الرؤية الإسلامية لها، وكل ذلك مع تغييب تام للنموذج الإسلامي للمرأة، التي حفلت بها كتب التاريخ وواقع الحياة الذي نعيشه اليوم، وكأن الصورة الإسلامية للمجتمع الإسلامي وللمرأة المسلمة لا تصلح للظهور في وسائل الإعلام. والجميع مدعو لأن يؤدي دوره عبر وسائل الإعلام، لنقدم إعلاماً إسلامياً، لا يهمش المرأة ولا يحتقرها، كما أنه لا يجعل منها مجرد سلعة جسدية خالية من كل معنى وفكرة، وإذا كنا لا نزعم القدرة على الوقوف أمام هذا المد الإعلامي القوي، فإننا لا بد أن نكون على أقل تقدير واعين لخطر ما يقدمه هذا الإعلام، وأن نحاول أن ننشر هذا الوعي.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع