صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

ضوابط الحجاب الإسلامي‏

السيد سامي خضرا

 



في تاريخنا الطويل لم يناقش أحد في الحجاب الإسلامي بضوابطه الشرعية المعروفة فضلاً عن أصل وجوبه، إنما دخلت علينا الأفكار المشكِّكة والنافية والمحقرة للحجاب مع بدايات الغزو الثقافي والعسكري الاستعماري الغربي لبلادنا الإسلامية. فمنذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدأ الطعن بالحجاب علناً في ظاهرة غير مسبوقة، وذلك في العديد من البلدان الإسلامية إلى أن شملها كلها مع بدايات القرن العشرين وانتشار المدارس الغازية وانتشار المتأثرين بالثقافة الغربية وبداية تخرجهم من معاهدها ومدارسها.

وبالرغم من ظاهرة عودة الحجاب في السنوات الأخيرة إلا أننا بتنا نرى نماذج غريبة مما يسمى بالحجاب وهو في الحقيقة خارج عن الضوابط المعتبرة شرعاً: فمن الملون إلى المزين إلى المزركش إلى الملفت في خياطته ولونه... حتى أصبح بعض الحجاب لا ينطبق عليه الستر الشرعي الذي قُصد في الآية القرآنية ﴿وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ (النور: 31). هذا مع العلم أن لبس الحجاب في بلاد المسلمين كان شائعاً عند النساء المؤمنات، وبحسب الفطرة ، مما تتوافر فيه الشروط التي ذكرها الإسلام، ومنها:

أولاً: تغطية تمام الجسد، مع إخراج الوجه والكفين كما هو رأي بعض الفقهاء، وإن كان الاحتياط فيهما مطلوباً. والملاحظ في السنوات الأخيرة وفي المجتمع اللبناني بشكل خاص، التساهل في إظهار بعض أنحاء الجسد مثل: المعصمين (مكان الساعة أو الإسوارة)، القدمين، أسفل الذقن... وهذه أمور من الواضح شرعاً أنه لا يجوز إظهارها، وإن بلغ فيها التهاون مبلغاً.

ثانياً: أن لا يكون ملفتاً لا في لونه ولا في شكله (موديله) بحيث يكون داعياً لوقوع نظر المتربصين أو الفاسدين أو ضعاف الإيمان أو الذين في قلوبهم مرض، ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ (الأحزاب: 59). وفيما يتعلق بخصوص اللون لا بد من اختيار الغامق منه وهذا ما درجت عليه عادات المؤمنات الصالحات. فالهدف من الحجاب ستر الجسد ورد النظرات المسيئة، وإن كنا في أيامنا هذه نرى بعض أنواع الحجاب التي تدعو الأجانب (غير المحارم) إلى إمعان النظر.

ثالثاً: أن لا يكون شفافاً يحكي ما تحته، فهذا مخالف للحجاب بداهة.

رابعاً: أن يكون واسعاً فضفاضاً وهذا الشرط من أهم الشروط التي يجب التنبيه عليها في أيامنا هذه بعد أن شاع الضيِّق والمجسِّم للجسد من خلال ما يسمى بالحجاب "المودرن، أو حجاب الموضة، أو الحجاب الشيك، أو الحجاب المنفتح، أو الحجاب الفرنسي.....".

خامساً: أن لا يكون ثوب تشبه بالرجال أي مما يلبسه الرجال خاصةً. فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله "المتشبِّهين من الرجال بالنساء، ولعن المتشبِّهات من النساء بالرجال"(1).

سادساً: عدم جواز التشبه بالفاسقين أو الفاسدين في ألبستهم وتهتكهم وتهاونهم، فمن تشبّه بقوم أخذ من أخلاقهم، والمقلِّد يتَّبع المُقلَّد.

سابعاً : عدم جواز التشبُّه بالكفار فيما يُعرفون به، أو يختصُّ بهم ، وواضح أنَّ سبب التشبُّه الشائع هو عقدة النَّقص والانهزامية. ورد في النّص عن الإمام الصادق عليه السلام عن نبيٍ من أنبياء الله تعالى أنَّه قال: "لا تلبسوا لباسَ أعدائي، ولا تطعموا مطاعم أعدائي، ولا تسلكوا مسالك أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي"(2). وكان منهال عند الإمام الصادق عليه السلام، وكان يلبس حذاء كما يلبس اليهود (من حيث شكله)... فعدَّلها، بعد أن لفت نظره الإمام إلى ذلك. ومما لا شك فيه ونرى ذلك كل يوم أن التهاون في أمر الحجاب وتجاوز شروطه، يفسد المجتمع كله ، كما يشكل خطراً على الأسرة والعلاقة الزوجية، وما نراه اليوم من فساد الأخلاق وانتشار المحرمات والمتاجرة بالمرأة في الدعاية والترفيه والإعلام ومن تسهيل المعاصي.... إلا بعض نتائج ترك الحجاب أو التهاون في شروطه.

والجدير ذكره أن بعض الألبسة النسائية الكاشفة أو المغرية تختص بالزوج فقط دون غيره، ولبسها أمام المحارم فيه أضرار غير محمودة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن كل المجتمعات الإسلامية كانت تتزيَّا بالعباءة أو ما يشابهها من حيث اللون والسعة، وسمي ذلك بالملاءة أو العباءة أو التشادور أو الرداء أو الإزار (يُشتمل به، فيجلل جميع الجسد)(3) وهي مسميات لشي‏ء واحد ولكن تعددت أسماؤه تبعاً لاختلاف اللهجات العربية التي تستعملها وما شاكل ذلك.

ونحن في بلاد الشام، ومنها لبنان، وحتى قرن من الزمان، كانت النساء تتستر بالستر التام بما فيه الوجه، وذلك قبل أن يغزوها التغريب في عهد الاستعمار الغربي، فقد تعجب إذا عرفت بأن المسلمة عندنا كانت تستر وجهها بالنقاب، وهذا ما ذكره "فيليب حتي" في كتابه "تاريخ لبنان" (ص 516 متحدثًا عن أحوال بيروت) (إلى أن يقول): وفي جميع هذه المدن كانت المرأة النصرانية تغطي وجهها بحجاب كما تفعل المرأة المسلمة. ويقول الشيخ محمد رشيد رضا متحدثاً عن لبنان وأحواله حتى زمن قريب: كانت المسلمات في بيروت أشد محافظة على التقاليد... وعندها يكنّ مع الرجال سادلات على وجوههن النقاب الإسلامبولي الأسود، لا سافرات..(4) ولا ننسى أن التهاون، إنما جاء بعد انهزامنا أمام الغرب وانصياعنا لأوامره حيث بدأ المتأثرون به بنزع الحجاب والدعوة إلى ذلك، وتجاوب معهم الكثيرون من المنهزمين وغير المسلمين. وما زال الحقد على الحجاب قائماً، وسيبقى، لأنه من شعارات الإسلام وأثناء كتابتي لهذه الكلمات، شكت المذيعة في قناة الجزيرة "خديجة بن قنة" من أن وزير الخارجية الفرنسي رفض إجراء مقابلة معها بعد موافقته المبدئية وذلك لسبب واحد هو: ارتداؤها الحجاب!!!

فيا ليتنا نرجع إلى الدقة الشرعية في ارتداء أخواتنا للحجاب وفي ذلك رضى الله تبارك وتعالى وطاعة له والذي لا يُستبدل بأي شي‏ء آخر، وفي ذلك أيضاً سعادة في الدنيا وفوز في الآخرة. أيتها الأخوات الغيورات إن "فوضى الحجاب" الضاربة في مجتمعنا في السنوات الأخيرة، يجب أن تحسم منكنّ وأنتن ترين هجمة الأعداء علينا. فنحن في زمان فقد فيه الحياء، فنرى الكاشفات العاريات يفتخرن، وفي نفس الوقت يُعيِّرن المصونة. رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام، عن نساء آخر الزمان واقتراب الساعة، وهو شرُّ الأزمنة، قولُه: "... داخلاتٌ في الفتن، مائلاتٌ إلى الشهوات، مسرعاتٌ إلى اللَّذات، مستحلاِّتٌ للمحرمات، في جهنَّم خالدات"(5).

فيا أيتها الأخوات: ﴿إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (الأحزاب: 29). (للمزيد راجع للكاتب "العباءة النسائية...إلى أين؟" و"قصة الحجاب الأعرج").


(1) مستدرك الوسائل، ج‏3، ص‏246.
(2) وسائل الشيعة، ج‏4، ص‏385.
(3) لسان العرب لإبن منظور، ج‏1، ص‏273.
(4) انظر: رحلات محمد رشيد رضا؛ للدكتور يوسف ايبش، ص 244 247.
(5) من لا يحضره الفقيه، ج‏3، ص‏390.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع