نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

انعكاسات الحرب على الطفل وكيفيَّة تفاديها

سكنة حجازي‏

 



إن الحرب لها تأثير عظيم على الطفل، تترك بصماتها السوداء على صفحة قلبه، ونفسه، إن تربية الطفل في ظروف الحرب هي من أصعب الأمور التي يواجهها الأهل والمربون، وتهون هذه الصعوبة عندما يتمكنون من الاطلاع على نفسية الطفل، وما يجب أن يقوموا به في مثل هذه الظروف، وخاصة في مجتمعنا الذي عاش سنين طوال وما زال في أجواء متلبدّة بالحروب المفجعة. حول موضوع الحرب وآثاره التربوية الروحية، وأبعاده النفسية والفكرية وانعكاساته على الأطفال عامة، وسبل المواجهة والعلاج التقت المجلة كلاً من:
1- سماحة الشيخ نعيم قاسم نائب أمين عام حزب اللَّه.
2- الدكتورة فاطمة هاشم، دكتوراه في علم نفس الأطفال ودكتوراه علم نفس عيادي إضافة إلى أبحاثها في تأثيرات الحرب على الأطفال من خلال الرسومات وغيرها.

* هل المطلوب في تربية الأطفال التركيز الدائم على الجانب الثوروي والاستنهاض وإغفال جانب المسالمة بشكل عام؟
سماحة الشيخ: بالنسبة لتعاطينا مع الطفل ففي الوقت نفسه الذي نعبئه فيه باتجاه التربية على الشهادة وعلى الأجر الكبير، يجب أن نطلعه على سيرة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام وبعض الأحداث التاريخية من محطات مسالمة ومحطات ثورة فإذا تعبأ الطفل بالعناوين المختلفة وتركّز في ذهنه أن الموقف لا يكون دائماً في نمط واحد، مع الأمثلة من الواقع، سيكون عندها متقبلاً للاحتمالين إضافة إلى ربطه فيما يتعلق بالأمة بقرار القيادة فإذا جعلناه ينتبه إلى أن مثل هذا القرار (التضحية بالنفس) يتطلب إذناً، فهو يحتاج إلى الأمر من الولي الفقيه ويحتاج إلى توجيه، يدرك أن بذل الدم والنفس ليس عملاً عادياً وإنما ضمن قرار يستثمر هذا الدم لمصلحة المسيرة. وأما في حياته الخاصة فالتوازن عائد إلى طريقة تربية هذا الطفل. فإذا كنا نربيه على فكرة أن يقاتل دائماً وأن لا يكون سموحاً مع إخوته والأطفال والمحيط... ولم نربّه بأخلاق الإسلام التي فيها العفو والرحمة والإحسان... فبطبيعة الحال ستكون تربية غير متوازنة وعندما نعبئه بموضوع القتال والمواجهة بدون العناوين الأخرى فسنجده إنساناً غير سوي. إذا ملاحقة تصرفاته بحيث نحذره في مكان ونشجعه في آخر ونلفت نظره إلى خطأ ونحسّن أداءه في موضع، تُعتبر جزءاً من المتابعة التي تجعل التوازن موجوداً.

* كيف تُستثمر مشاهد الحروب وآثارها لصالح الأطفال؟
سماحة الشيخ: من المفيد أن نُشعِر أطفالنا بآلام وماسي الآخرين حتى تتولد عندهم حالة عاطفية وحتى يشعر الأطفال الذين يتألمون أن هناك من يشاركهم الألم، وكي لا يكونوا بعيدين تماماً عن الأجواء التي تحصل، وأن نعبأهم بالمسبب لهذه النتائج كي نوظفها لمصلحة التربية الصحيحة في معرفتهم لصديقهم من عدوهم، فالحسّ الإنساني في الطفولة أساسي كي لا يتحول الطفل إلى شخص غير مبالٍ، فربط الأحداث الجارية في العالم بحياة الطفل يساعده في المستقبل على أن يكون صاحب أفق بعيد المدى مهتماً بالأمة بشكل عام ولا يقتصر على الحالة الخاصة والمصلحة الشخصية.

* ما هي الآثار التي تعكسها التهديدات والحروب ومشاهد العنف على الأطفال؟
د. فاطمة: الحرب تُحدث قلقاً كبيراً عند الأطفال، وأسئلة استفسارية عن الحدث إضافة إلى اهتمام الأهل وإثارة الخوف عندهم، هذا كله يولّد حالة إحباط حتى عند الكبار مع وجود التشتت الذهني، خصوصاً عند نقل الصورة فتكون ماثلة أمامه، وبالأخص عند بدء الحرب فيفقد إحساسه بقيمته وبذاته ويضطرب وينتج عن ذلك ثلاثة مواقف هي باختصار:
أ- عدوانية قصوى تسقط على الأغراض والحاجيات في المنزل تكسيراً وتخريباً، أو على من حولهم من أطفال ضرباً وعدوانية.
ب- حالة من الذهول والانكفاء (نكوسية) والخوف من اللعب مع زملائه خوفاً من الاعتداء عليه، والخوف من اللعب بأي عنصر حاد. وقد يحدث التبول اللاإرادي.
ج- حالة وسطية: بأن يسلي نفسه بألعاب تخفف عنه هذا الانفعال، بشكل سليم (كرة قدم، رسم،...) وهنا يكون دور الأهل التوجيهي.

* هل يمكن إطلاع الطفل على كل الأحداث والمشاهد في الحروب، وهل يعي هذه الأمور؟
سماحة الشيخ: أنا مع اطلاع الطفل على كل ما يجري بالإجمال بما يتحمله مستواه ولست مع قمعه ومنعه من السؤال أو عدم إجابته على الأسئلة لما يجري أو إبقاؤه ضائعاً عن التطورات الحاصلة، فبمقدار ما يعرف يكون متفاعلاً مع الحدث.

د. فاطمة: إذا شاهد كل مظاهر الحرب ينعكس ذلك صدمة ونكوساً وخوفاً من أن يكون هو التالي، وما يشكله هذا التصرف من أمور ذكرناها. وأما عدم رؤيته بمعنى أن يسمع دون أن يرى الصورة فسيكون الأمر أصعب لأننا نترك ذلك إلى الخيال والوهم فيرسم صوراً خاطئة لذا يمكن أن يعرف كل الجوانب: صور الاحتجاج والمعارضة من مسيرات وتصريحات ضد الحرب والعنف فيرى بذلك أن هناك من يواجهه، ولو بالكلام خاصة من داخل أميركا، ليكون عاملاً إيجابياً عنده.

كيف يمكن أن نستثمر حالة الحرب والتهديد في توجيه الأطفال لمواجهة الاستكبار؟
سماحة الشيخ: غرس المفاهيم في ذهن الطفل بطريقة تلقينية أمر سهل في بداية طفولته من إفهامه بوجود قائد، ومجرم ظالم، شخص نفتدي به يمثل الخير وفيه طاعة اللَّه، وآخر نواجهه (الشر والشيطان...) مع ترجمة عملية بقصص من التاريخ وتطبيقات من الحاضر كأن نعزر فهم معنى الإمام الحسين عليه السلام وما يمثله ومعنى يزيد وما يمثله ونقله إلى الواقع من خلال إسرائيل والمقاومة وربط كل ذلك بالأمة ووضعها بسبب الاستكبار (أميركا وإسرائيل) وما تعانيه، وهذه يمكننا أن نغرسها بسهولة فهو يستوعب ذلك ولذا تراه يسأل عن كل شخص هذا مع المقاومة أم مع العدو؟ لأن الطفل ابن بيئته وكل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه... حسب ما ورد في الحديث الشريف. وكما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك" لأنه في حالة من الفراغ التي تكون موجودة في الذهن وفي القلب. فإذا كانت المفاهيم صحيحة تكون قد أسست لأسس سليمة عند الطفل. والتفاصيل الأخرى مرتبطة بالمراحل العمرية عند الطفل وقدرته على الاستيعاب.

* كيف نعالج هذه الانعكاسات في حال وقعت عند الطفل؟
د. فاطمة: يمكن اختصار معالجة هذه الآثار بالاتي:
تأجيل فكرة الموت بتحسيسه أنه لا زال بعيداً عن الموت القادم.
إيجاد المثل الأعلى: القائد الذي يمثل الحامي وصمام الأمان عنده لتخفيف حدة القلق (توجيه الانتماء).
الربط بالآخرة والانتماء الديني (تشبّع إيماني بالإيحاء بالحياة الأخرى والشهادة والأجر والجنة...".
أن نقوي إحساسه بالأمن والأمان المجموعي (نحن معك، لن ندعك وحدك).
إحاطته بالاهتمام والعطف والرعاية دائماً.
إشغاله بأشياء مفيدة (بمعنى عدم الضرر عليه): الرسم، اللعب بالرمل السباحة لتفريغ الشحنات الانفعالية كأن يرسم دبابة معادية تحترق...
عدم تعريضه لعنف آخر، لأنه يعيش عنف وهمي متخيل، بمعنى عدم ضربه أو التسلط عليه.
دمجه في مجموعات متنوعة (كبار، وصغار،...).
جذب من يعيش الوحدة والانزواء وإخراجه من حالته وإظهار الاهتمام والتعبير عن حبنا له...

* من هو المعني الأول بتوجيه الأطفال في مثل هذه الحالات؟
سماحة الشيخ: المسؤولية الكبرى والأساسية تبدأ من البيت وعلى كل من الأب والأم، فعليهما أن يتناقشا معاً وضع الولد تربوياً منذ طفولته وفي مراحله العمرية المختلفة وأن يتوزعا الأدوار ضمن خطة مدروسة حتى لا يسلك كل واحد اتجاهاً تربوياً خاصاً فيعطل على الآخر، فيعيش الولد حاله من الاختيار التربوي لما يراه هو مناسباً وهو ضعيف في الاختيار فيعيش حالة عدم التوازن بسبب الخلل في طريقة التعاطي معه. ثم يأتي دور المدرسة كعامل ثانٍ مؤثر ومهم جداً والفترة الزمنية التي يقضيها الولد في المدرسة تساعد المعلمين والمربين في إدارته وتمكّن من توجيهه. وهنا الدور المهم للمدرسة بحيث تصبح النموذج، فالمعلمة تمثل القدوة الأساس: كلمتها مسموعة وإرشاداتها أساسية لذا على المربين أن يستغلوا هذه الفرصة لحسن التوجيه وحسن التعبئة. ويأتي بالدرجة الثالثة المجتمع بما فيه من علماء ووسائل إعلام وأقارب مع التفاوت الموجود بين أفراد القسم الثالث بحسب درجة الاحتكاك.

من هنا أعتبر أن التنسيق الأساسي الذي ينشأ بين والأهل والمدرسة مهم جداً في توجيه الولد ثم التوجيه بين الأهل ومن يصاحبه الولد من المسجد أو الأقارب أو من مجالس علمائية وما شابه. وهنا أشير إلى الفرق الكبير بين التسلط والتأثير، فالتأثير يأتي تلقائياً بسبب حب الولد لأهله واعتقاده بأنهم جديرون بتوجيهه وهذا له علاقة بمستوى الأهل وحكمتهم في التصرف وقد يمدّون خطاً مع المدرسة إذا كانوا غير قادرين لتعويض النقص الموجود فيشكلون تكاملاً بينهم، إذا كانت المدرسة أهلاً لذلك. لكن أن يبقى كل يعمل وحده، مع الاختلاف، فسيكون الطفل معرّضاً لكل الاحتمالات من الفشل أو النجاح.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع