نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تربية: البعد الروحي في شخصية الإنسان المؤمن(1)

الشيخ حسين كوراني‏

 



عندما يعتمد التقسيم المنطقي لدراسة "جوهرة" من أنفس الجواهر، فإن من الطبيعي أن يتناول التصنيف الذي ستتم الدراسة في ضوئه مثلاً بعد خصائص التكوين، والبعد الجمالي، وبعد القيمة، وطبيعي أن يشمل "البعد" الأخير حتى الحديث عن كونها من النفائس التي لا تقدر بثمن. كذلك هو الحديث عن البعد الروحي في خط حزب الله. كما هي القيمة ليست في الحقيقة بعداً من أبعاد الجوهرة، بل هي الجوهرة كلها، كذلك هو "البعد" الروحي في المؤمن ليس بعداً من أبعاده! بل هو كل أبعاده. يتجلى ذلك بوضوح حين ندرك أن ما يتماوج في الزهرة هو كل أريجها والشذا، وكل نضارتها والرواء، وما يتماوج في روح الإنسان هو كل ما عقد عليه العقل والقلب والوجدان، وضمته الجوانح وتحركت به الجوارح، وترجمته الأحاسيس.

ولئن أصرّت المادية الصراح والمبرقعة على تهميش البعد الروحي ليكون رافداً من مكونات نهر حياة الفرد والأمة، ويتحول "البعد الروحي" إلى سلعة في سوق التشيؤ، فإن ذلك ليس القارورة الأولى المكسورة، ما دام الإنسان نفسه قد تحول في منظور هؤلاء إلى جسد مستهلَك لحساب أجساد الطواغيت والقوارين ومن ذلك اعتباره رقماً في صناديق الإقتراع أولاً، ومستهلِكاً ثانياً. أما في الدين الحق وهو الإسلام المحمدي، فإن الإنسان روح لها جسد، ولذلك كان مصب الإهتمام أولاً وأخيراً هو الروح، ولا يعني ذلك إهمال جسدها لأن ذلك إهمال لها. وهو مؤدى كل تجليات النص المعصوم، ويكفي هنا قوله تعالى: *﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا (القصص: 77).

في ضوء ما تقدم تتوقف سلامة التعامل مع الروح في الرؤية التوحيدية التي يراد لكل فرد في خط حزب الله بمعناه القرآني، والتي أراد " حزب الله" ويريد التزامها على الشروط التالية:
* الأول: وعي الوجود، ليعرف الفرد موقعه، وأين هو؟ ومن هو؟ وإلى أين؟ هل يوجد "ما بعد"؟ وماذا عنه؟
* الثاني: التعامل مع الروح بما ينسجم مع ما أراده لها خالقها من كرامة: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ .. (الإسراء: 70).
* الثالث: وعي فقه القلب والحياة، وإدراك أن الإنسان "قلب عاقل".
* الرابع: وعي حاجة الروح إلى سلامة التغذية، والخروج العملي من فرية التخلف والحيوانية البهيمية المقيتة التي تتلخص في أن حاجة التغذية خاصة بالجسد.

وفي ما يلي موجز في ذلك:
* الأول: من أخطر سقطات الثقافة المادية التي تعصف رياحها بأربع رياح الأرض اليوم أن يكون التقدمي والحضاري هو من لا يعرف من أين أتى ولا إلى أين المصير، في حين أن الرجعي هو من يحدد موقفه وموقعه انطلاقاً من الرؤية الكونية المتكاملة القائمة على الدليل والمنطق والبرهان! هذه الظلامية التي يمثلها الجهل بحقيقة الوجود، لا تحرم صاحبها من نور العلم وحسب، بل تحرمه من معرفة نفسه، وتجعله كالغرسة التي اجتثت جذورها، وأتلفت ثمرتها، فإذا بها نضارة عابرة سرعان ما تغدو هشيماً تذروه الرياح. وفي هذه السقطة بالذات مكمن كل مظاهر تشيؤ الإنسان. لا القلب يبقى "عرش الرحمن" ولا الروح سر هذا الكون المسخر لها، ولا الدنيا "مزرعة الآخرة" ولا الآخرة تملك من الحضور ما يناسب كونها "المنتهى" والحياة الحقيقية الخالدة. "إن هم إلا كالأنعام، بل أضل سبيلا".

* الثاني: ويمكن إدراك بعض تجليات "كرامة الإنسان" حين ندرك الخصائص التالية:
1- أن الله تعالى سخَّر الأرض والأفلاك، لخدمة الإنسان:

* ﴿اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون (الجاثية: 12) ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الجاثية: 13).
* ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (النحل: 12) ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (النحل: 13) ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (النحل: 14) ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (النحل: 15) ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُون (النحل: 16).

2- أن الله تعالى اختار خير الخلق (المعصومين) هداة لسائر الناس، فأرسلهم إلى فراعنة الأمم وعبدة الأصنام، ليقولوا لهم أحسن الكلام وألينه لعلهم يتذكرون، فيقلعون عن استعباد الناس، فإن أصروا على ضلالهم كان على المعصوم أن يستشهد لتحرير الناس من براثن المتجبرين، الذين يلبسون على الناس الحق بالباطل، ويدلّسون عليهم بشهوات الدنيا ومغريات الجسد، فيحجبونهم عن إدراك حقيقة الروح، وبالتالي حقيقة الإنسان وكرامته على الله تعالى.

3- أن الإنسان الذي هو أكبر من الأرض وما فيها يابستها والبحر، وأكبر من الشمس والقمر والنجوم التي هي علامات له، هو أكبر من الزمان والمكان، لأن سره هو عالم "المعنى" الذي لا يمكن للجسد أن يدرك منه شيئاً فضلاً عن أن يتعامل معه، بينما يتعاظم "قلب" الإنسان فإذا به وحده الذي يتسع لعالم الغيب الفسيح وعالم الشهادة التابع للغيب كما يتبع الجسد الروح، ليظهر على حقيقته حرم "الحقيقة" التي ليست المشهودات والمرئيات إلا بعض أدوات التعبير عن بعض مكنوناتها، وبعض الثياب التي تتزين بها الحقيقة، أو نلبسها إياها لنتمكن من التعامل معها في دروب الوصول إليها أو إلى بعض سفوح قممها أو أعتاب الكنه.

* وفي المجال الثالث: وعي فقه القلب والحياة، وإدراك أن الإنسان "قلب عاقل". لا مجال لإثبات التزام "حقوق الإنسان" وكرامته، بمعزل عن "نبض القلب" وخفق الأحاسيس والمشاعر، فليس "الوجدان" إلا ثمرة الإنسانية في كل فرد وروض تجلياتها فيه، وإذا كان المكتوب يقرأ من عنوانه، فإن الإنسان يعرف بوجدانه الذي هو "الضمير" و"النية" و"السر" الذي لا يشكل السلوك بكل تشعباته إلا الصدى لذلك الصوت الذي يصدح به الوجدان، ويتوثب به الضمير، تماهياً مع "النية" التي تكشف "طهارة السر" أو غزو اللوثة له في عقر الدار الذي "ما بعد عبادانه قرية". عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن في جسد ابن آدم لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"(1).

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "القلب حرم الله فلا تسكن حرم الله غير الله"(2). وعنه عليه السلام: "يا هشام إن ضوء الجسد في عينه، فإن كان البصر مضيئاً استضاء الجسد كله، وإن ضوء الروح العقل، فإذا كان العبد عاقلاً كان عالماً بربه وإذا كان عالماً بربه أبصر دينه. وإن كان جاهلاً بربه لم يقم له دين.

وكما لا يقوم الجسد إلا بالنفس الحية، فكذلك لا يقوم الدين إلا بالنية الصادقة، ولا تثبت النية الصادقة إلا بالعقل"(3). بديهي إذاً، أن "القلب" الذي يتم التأكيد عليه هو القلب المتحد مع العقل والمنطلق في دروب الحب التي رسم العقل حدودها وظهَّر كل أبعادها الرئيسة، وإن لم يقيد العقلُ القلبَ بطرق التعبير عما يخفق به من مشاعر وأحاسيس، فضلاً عن التدخل في اختيار هذه المفردة وتلك، فالعقل حازم سلس التعامل، بالغ المرونة، في إطار التزام الأسس التي لا تمسخ الهوية وتقلب الحقيقة. يوضح ذلك أن موقع العقل في الرؤية التوحيدية هو موقع الآمر الناهي، وليس موقع القلب إلا حسن التلقي وسلامة التنفيذ.
يتبع في العدد القادم‏


(1) ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلي 4 7. والشهيد الثاني، منية المريد 224 والبخاري، صحيحه 1 19 وهو في المصادر مستفيض.
(2) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏76، ص‏25.
(3) ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص‏396.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع