نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مجتمع‏: قواعد الزواج الناجح


مقابلة مع الشيخ نعيم قاسم‏
إعداد: نادي الصحافة في معهد سيدة نساء العالمين.



﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم: 21). آية طالما حفظناها هدفاً نسعى لتحقيقه للوصول إلى اللَّه تعالى، فالزواج طريق موصل للسكينة والطمأنينة شرط أن تلازمه المودة والرحمة. وهو السبيل الذي يتحقق بواسطته الهدف الأسمى وهو خلافة اللَّه على الأرض. هذا السور المحصِّن لنصف ديننا قد توهنه الأفكار الموروثة تارة والدخيلة تارة أخرى أو يضعفه الفهم الخاطئ وسوء التطبيق للقواعد الصحيحة التي يجب أن يبنى عليها فيصبح ساحة للمشاكل والخلافات التي ترخي بثقلها على الأسرة بل على المجتمع ككل. لذلك كان لا بد من إعادة التذكير بالرؤية الإسلامية الصحيحة لمفهوم الزواج الذي إن صلُح صلُح المجتمع كلّه في مقابلة مع نائب الأمين العام لحزب اللَّه سماحة الشيخ نعيم قاسم الذي حاضر في العديد من الدورات الخاصة بقواعد الزواج الناجح على ضوء الرؤية الإسلامية وهنا أجاب على بعض التساؤلات التي قد تطرح في هذا المجال.

س: ما هي نظرة الإسلام للزواج؟
ج - الحياة قائمة على مبدأ الزوجية بحسب خلق الله تعالى للإنسان والحيوان والنبات، ونحن نعلم أن أحد أهداف الزوجية هو التناسل وإعمار الكون، ومن أجل الوصول إلى هذا الأمر أحيطت الزوجية بمجموعة من الضوابط والقواعد التي قررها الإسلام، ما يساعد على أن يعيش الزوجان حياة هانئة. ولعل الآية الكريمة تختصر هذا المعنى عندما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم: 21) وهذا تبيان واضح بأن الإسلام ينظر إلى الحياة الزوجية كمستقر ومودة ورحمة من أجل إعمار هذا الكون بطريقة هانئة وهادفة بأمان الله.

س: ما هي قواعد الزواج الناجح؟
ج - في الواقع القواعد متعددة لا يمكننا أن نلخص كل ما يتعلق بها من خلال كلمات سريعة. لكن يمكن أن نعود إلى كلام الإمام زين العابدين عليه السلام عن حق الزوجية في رسالة الحقوق وهو قوله: "وأما حق رعيتك بملك النكاح، فأن تعلم أن اللَّه جعلها سكناً ومستراحاً وأنساً وواقية، وكذلك كل واحد منكما يجب أن يحمد اللَّه على صاحبه ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة اللَّه ويكرمها ويرفق بها، وإن كان حقك عليها أغلظ، وطاعتك بها ألزم، فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية، فإن لها حق الرحمة والمؤانسة وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لا بدَّ من قضائها وذلك عظيم، ولا قوة إلا باللَّه". ويمكننا الاستفادة من هذا النص لتحديد القواعد الخمس للزواج الناجح وهي:
1 - الزوجة أُنس وواقية: فهي التي تضفي على الحياة الزوجية حالة الاستقرار والسكن والراحة وهي التي تقي الرجل من الوقوع في الحرام بسبب متطلبات شهوته.
2 - الزواج نعمة لكل من الطرفين: فعطاء اللَّه للطرفين بتوفيقهما أنّ جمعهما في الحياة الزوجية فليحمد كل منهما ربه على زوجه.
3 -احترام القوامية للزوج، وتوزيع الأدوار داخل الأسرة بحيث يكون للرجل دوره وللمرأة دورها، بما لا يتنافى مع بعضهما، وبما يتكاملان مع بعضهما.
4 - للزوجة الرحمة والمؤانسة: أن تكون هناك رحمة بينهما، وخاصة من الزوج لزوجته بالعفو عن الإساءة والمؤانسة في آن معاً.
5 - إيلاء العلاقة الجسدية الخاصة مكانتها، والاهتمام بحسن أدائها فهي أساس في العلاقة الزوجية، ولا يستهان بأهميتها فيما تضفيه على حياة الزوجين من السكون والراحة، وهي دعامة كبرى للبناء الزوجي.

س: كيف يزيد التقرب من الله عز وجل من روح المودة والرحمة بين الزوجين؟
ج- التقرب من الله تعالى هو مفتاح كل الاستقرار في حياة الإنسان على المستوى النفسي وعلى المستوى العملي، فإذا كان الإنسان مؤمناً مطيعاً قريباً من الله تعالى هذا يعني أنه سيلتزم بأوامره وينتهي عن نواهيه. وكلما كان الإنسان مؤمناً أكثر ومطيعاً أكثر كلما نشأت عنده حالة من التضحية والعطاء والبذل والأخلاقية في التعاطي، وهذه كلها تنعكس في الواقع على الحياة الزوجية.

س: ما مدى تأثير كل من الأشياء الروحية والتربوية والاقتصادية على هذه العلاقة؟
ج- المؤثر سواء أكان تربوياً أو اقتصادياً أو إجتماعياً أو إيمانياً مرتبط بذهنية الزوجين ومدى تأثرهما بهذا العامل أو بهذه العوامل. نرى مثلاً بعض الأزواج يركزان على المشكلة المادية كأساس، ولا يهتمان بالمشاكل الأخرى أو هما منسجمان في المسائل الأخرى. كأن نرى شخصين ملتزمين متدينين يفهمان ضوابط الشريعة المقدسة، يتصرفان على أساسها، فتنشأ مودة ورحمة ما بينهما، لكن يحصل خلاف في كيفية الصرف المالي على المنزل لضيق الحال وكثرة المتطلبات فينشأ خلاف مالي مثلاً في داخل الأسرة، هنا نرى أن المشكلة المالية قد تنعكس على هذا التفاهم الإيماني وتنعكس أيضاً على التفاهم الإجتماعي بشكل حاد جداً. قد يطغى عامل على عوامل أخرى وقد تجتمع العوامل مع بعضها. يفترض أن نشخص كل حالة لنعرف أي عامل كان مؤثراً لنعالجه من أجل إسعاد الحياة الزوجية.


س: لو كان هناك فهم لتعاليم الإسلام فهل هذه العوامل ستبقى مؤثرة؟
ج - لنعترف أنه في وسطنا الإسلامي بشكل عام توجد أزمة تحتاج إلى معالجة وهي العلاقة بين الفهم والتطبيق. في بعض الأحيان قد يفهم كل من الزوجين الصلاحيات والحدود والواجبات، لكن عند التطبيق يسيئان التطبيق تحت عناوين مختلفة، تارة بحجة عدم وجود الإرادة الكافية، وأخرى لعدم القدرة، وثالثة لطغيان الضغوطات الاجتماعية، ورابعة لمتطلبات الحياة. لكن هذه كلها غير صحيحة. يفترض أن يرافق الفهم تطبيق عملي ينسجم مع هذا الفهم.

س: هل يكفي الإطلاع على تعاليم الإسلام وتطبيقها لإنجاح أية علاقة زوجية؟
ج - في رأيي أن معرفة الضوابط الإسلامية كافية لإنجاح العلاقة الزوجية، شرط أن لا تكون المعرفة سطحية وأن يكون هناك بعض التوسع في فهم بعض التفاصيل.

س: برأيكم هل يكفي إطلاع الزوجة فقط على قواعد الزواج الناجح لإنجاح علاقتها الزوجية؟
ج - بالتأكيد يجب أن يطلع الطرفان على قواعد الزواج الناجح لأن معرفة الزوجة يحل مشكلة فهمها وإدراكها لضوابط الزواج الناجح، لكن إذا لم يكن الزوج واعياً لهذا الأمر فسينشأ خللٌ ومشاكل معينة، أما إذا تعرف كل منهما على الحقوق والواجبات للطرفين فهذا ما يساعد على الانضباط وعلى حسم المواقف محل الاختلاف بحيث تكون لهما مرجعية شرعية يعودان إليها بناءاً على ما تلقياه أو يتمكنان من صياغة الأسئلة محل الخلاف أو النقاش لسؤال أهل الخبرة والعلم في هذا الأمر.

س: متى يصل الزواج إلى طريق مسدود على ضوء معرفتكم؟
ج - عندما تحصل بعض المشاكل التي لا تعالج سواء بسبب أحد الطرفين أو بسبب كلا الطرفين، فستكون هناك حياة صعبة ومعقدة يفكر معها أحد الطرفين أو كلاهما بالطلاق، لأن المشكلة تتفاقم كثيراً ولا يعود هناك إمكانية للحل، فهناك مشاكل تبقى في إطار الخلاف الذي يعالج إذا ما اتفق الطرفان على وضعه على السكة، والعودة إلى الحكم الشرعي، والالتزام بالضوابط المشروعة. وفي مرات أخرى يكون العناد سيد الموقف حيث يصر كل منهما على موقفه فتتراكم المشكلة لتتحول من مشكلة فعلية إلى تحديات متبادلة، عندها تتوتر الحياة الزوجية وتصبح نظرة كل طرف إلى الطرف الآخر نظرة سيئة ومقيتة، وهنا يفقد الواقع الأسري حياة المودة والرحمة والاستقرار، ويحل محل هذه العناوين الحقد والغضب والمشاكل الدائمة وهذا ما يؤدي إلى خراب الأسرة.

س: ما هي أبرز المشاكل الزوجية بحسب موقعكم وملاحظاتكم الشخصية؟
ج - توجد عدة مشاكل في مجتمعنا ناشئة عن ضعف الثقافة من ناحية وسوء التطبيق من ناحية أخرى. لعلنا يمكننا أن نلخص أبرز المشاكل بما يلي:
1 - عدم فهم الزوج والزوجة لحقوق وواجبات كل منهما، بحيث يطغى الفهم العرفي والقناعات الشخصية والتربية المنزلية على ضوابط الإسلام.
2 - أن الزوجين لا يتعاطيان مع بعضهما بحسب حقوق وواجبات كل منهما بدقة، وإنما يحاول كل منهما أن يأخذ من دور الآخر، أو أن يسيطر على حقوق الآخر بشكل ما، وهذا يوجد خللاً.
3 - التسلط عند الرجل في بعض الأسر، حيث يتعامل مع الأسرة بأنها ملك له ويتصرف بهذا الملك كما يشاء من دون أن يلتفت إلى المسائل المحرمة وإلى الحدود التي يجب أن يتوقف عندها.
4 - محاولة الزوجة أن تسيطر على الأسرة، وأن تأخذ حجماً ودوراً لا ينسجم مع موقعها وما أقرّه الإسلام ما يُنشئ حالة من القوة والتسلط تؤثر على بنية الأسرة بشكل أو بآخر.
5 - عدم فهم حاجات الطرف الآخر، يعني كل طرفٍ لا يفهم حاجات الطرف الآخر بدقة ولا يؤديها له بدقة وإنما ينظر إلى حاجاته هو من دون أن يلتفت إلى متطلبات ومشاعر الطرف الآخر خاصة على المستوى الجسدي والمعنوي.

س: ما هي تبعات فشل الزواج برأيكم؟
ج عندما نتحدث عن أسرة سليمة مستقرة يعني نتحدث عن زوجين متفاهمين يرعيان أولاداً بحسب الضوابط الشرعية المقدسة، وهذا ما يؤدي إلى السعادة في داخل الأسرة. بمجرد أن يحصل اختلاف بين الزوجين فإن المشكلة ستبدأ بالانعكاس على الأولاد، خاصة إذا برز هذا الخلاف بين الأولاد، فالولد سيرى المسؤولين عنه في حالة شقاق وفي حالة اختلاف وجهات النظر، هذا ما سيؤدي إلى إرباك بالنسبة إليه، إلى من يستمع؟ مع من يسير؟ خاصة إذا تجاذباه إليهما كل يدعوه إلى أن ينفذ أوامر ولا ينفذ. فكيف إذا تحول الأمر إلى شقاق يومي وتنافر يومي؟ هذا يوجد مأزقاً نفسياً وعملياً عند الولد، وكيف أيضاً إذا تحول إلى الطلاق والإنفصال؟ هذا يجعل الولد يعيش مع أحد الزوجين في مناخ جديد، قد تكون فيه تعقيدات وفيه مشاكل وقد يكون معقولاً، لكن غالب الأحيان هذا الأمر يجعل الولد في وضع صعب، إلا إذا تزوج أحدهما من جديد واستقر ووفر ظروفاً معقولة للولد، فهذا ما يخفف من المشكلة، لكن كم تحصل هذه الحالة وكم تكون ناجحة؟!

س: لو أدى فشل الزواج إلى زواج ثانٍ هل يحل المشكلة؟
ج - قد يؤدي فشل الزواج الأول إلى زواج ثانٍ مع الاحتفاظ بالزواج الأول، وهنا يجب أن نحدد سبب الفشل. فقد يكون السبب نابعاً عن المشكلة الجنسية، وقد يكون نابعاً عن العلاقة الثنائية، كأن يرى الزوج أن الزوجة الثانية قد تشكل عامل ضغط على الزوجة الأولى لتخفف من عنفوانها أو مشاكستها أو ما شابه ذلك، يمكن أن يفكر البعض بهذه الطريقة، لكن السؤال هل يشكل هذا الأمر حلاً أم لا؟ في بعض الأحيان يكون الزواج الثاني حلاً ملائماً، وفي أحيان أخرى إذا كانت المشاكل مستعصية، فإن الزواج الثاني لا يعالج المشاكل المستعصية في الزواج الأول، لأن طريقة العلاج تحتاج إلى وسائل أخرى غير هذه الطريقة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع