نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

اعرف عدوك‏: أعمدة إسرائيل السبعة(1): المال‏

حسن زعرور

 


كيف يمكن لإثني عشر مليوناً من البشر التحكم بمصير العالم كله بقراراته ومواقفه، بتوجهاته ومسلكيته والعلاقات التعاملية بين شعوبه، بتهميش الحسّ الإنساني بين أبنائه؟! بالدهاء والنفاق، بالكذب والاحتيال، بقلب الحقائق واستغلال لم يسبق له مثيل للعقل البشري، والهدف واحد "بقاء إسرائيل". أعمدة سبعة تحفظ لها الاستمرارية، وتضمن تواصل السيطرة، حلقات متداخلة مترابطة في ما بينها تشكل إنشوطة تلتف على عنق الزمن وتخنق الحقيقة، وتبعد أنظار الكثيرين عن العبودية الجديدة الممارسة عليهم.

-تأسيس وأسس‏
المال يشتري كل شي‏ء، حتى الضمائر في هذا الزمن الماديّ، وهو يشكل "قوة الربط" على مستوى العالم كله بإسرائيل، فالمجتمعات التجارية والصناعية متصلة متعاونة في ما بينها من ضمن "المفهوم النفعي" داخل وخارج الأطر الجغرافية للدول. وبما أن "رأس المال" العالمي يخضع بكلّيته للرأسمال الإسرائيلي واستثماراته العالية في البنوك العالمية والشركات الدولية والمؤسسات الكبرى والبورصة وغيرها، فإن تتبع سيطرة هذا الرأسمال على القرار السياسي لأي دولة لا يحتاج إلى جهد، بسبب حاجتها للمردود النفعي الملزم لها للنمو وبالتالي خضوعها للمال العالمي ومن خلفه الرأسمال والقرار الإسرائيلي. لقد حددت الولايات المتحدة على سبيل المثال سياسة علاقتها بالدول من ضمن المفهوم الذي ذكرناه، ففي أيلول 2002 أعلنت "أن استراتيجيتها تقوم على امتلاك قدرة لا ريب فيها، وضمان حدود معيّنة لأي ممارسة سيادية للدول الأخرى" والحدود المعينة هذه تعني إضفاء طابع مرن واستغلال المثاليات لإخفاء التبعية لها من قبل قادة تلك الدول، وهو ما أكّده الممثل الإقليمي لوكالة التنمية الدولية الخاضعة كلياً لتوجيه الرأسمال الإسرائيلي إذ يقول "إن من أهم أهداف وكالة التنمية الدولية إقامة حكومات من أدنى مستويات الحكم"(1).

-أموال ومواهب الاحتيال‏
كل شجرةٍ في دولة العدو تحمل على جذعها لوحة معدنية نقش عليها اسم مواطن أميركي، يدفع تكلفة زراعتها ورعايتها مدى الحياة. لم يكن هذا الابتداع الوحيد لعملية قنص الأموال على مستوى العالم كله، بل إن هناك طرقاً أخرى متعددة الأوجه وكثيراً ما نلحظ دعوات حتى على صفحات الجرائد العالمية من مثل "تقيم الكنيسة المعمدانية 1393 بارك أفينيو بالقرب من شارع 74 في نيويورك غداءاً يهودياً في "عيد الفصح"، ثمن الوجبة دولاران ونصف وللطلبة دولار واحد، وستتبرع الكنيسة بكل الدخل الصافي لمنظمة "يونايتد جويش آبيل""(2) الداعمة لإسرائيل. وقد تبدو هذه الأعمال على نطاقها الضيّق غير ذات أهمية، إلا أنها في الواقع تشكّل للدولة العبرية مورداً بملايين الدولارات سنوياً، مثلها مثل بيع الأراضي العربية المصادرة في فلسطين من قبل قوات الاحتلال وملايين دولارات التبرعات التي تتلقاها من منظمات "خيرية" عالمية قدّمت ما قيمته مليارا دولار بين عام 1954 وعام 1966. أما ألمانيا وبسبب المحرقة المزعومة وتعويضاتها فقد قدمت مليارات الدولارات وأسهمت فعلياً في وقوف إسرائيل على قدميها ومنعت انهيارها "لا يزال الوقت مبكراً على إصدار حكم قاطع على قابلية الاقتصاد الإسرائيلي للبقاء والأدلة الحالية تشير إلى العكس"(3).

إن المعونات المالية والمساعدات وعوائد السيطرة المالية هي سرّ وجود الدولة العدوة والتي ما كان بمقدورها البقاء والاستمرارية من دونها. إن مساعدات الولايات المتحدة على سبيل المثال هي مردود مشترك لناتج سياسة الدولتين وتناغم عدوانيتهما وتوزيع الأدوار والمال المشترك المستثمر في البنوك الدولية والعالمية. لقد قدّمت أميركا لإسرائيل 53 بليون دولار بين عام 1949 وعام 1991 إضافة إلى مساعدات سنوية متنوعة تحت تسميات مختلفة منها. وفي عام 1984 "قدم السناتور كرنستون تعديلاً عرف باسمه حملت الولايات المتحدة بموجبه عب‏ء دفع فوائد الديون الإسرائيلية"(4). وقد تكون المساعدات الأميركية معلنة ومنظورة ومصرحاً عنها، غير أن هناك عوائد للدولة العبرية غير منظورة من مختلف الأقطار عن طريق المضاربات في البورصة العالمية، وأسواق الأسهم الدولية، وأموال الفوائد، والديون وعوائدها من البنوك والمؤسسات الدولية، من مثل صندوق النقد العالمي والبنك الدولي وحتى البنوك التجارية "نحن نقوم بإجراء دراسات دقيقة لمعرفة المدى الذي يمكن لأي مصرفٍ في العالم أن يتبرع به لدولتنا دون أن يتأثر مالياً، ثم يقوم ممثلنا بعد ذلك بشرح الموقف للمصرف، وأن إسرائيل بحاجة ماسة للمال من أجل بقائها واستمرارها، مع تهديد ضمني بأنه ما لم يكن هناك ما يشير إلى أن الأموال المطلوبة هي في طريقها إلينا، فإن عدداً من حساباتهم المصرفية الكبيرة سيتم تحويلها إلى مصارف أخرى"(5).

وما يجري على المصارف من ضغوط وتهديدات يحدث مع غيرها من الشركات والمؤسسات والمصالح ولكل منها علاج ناجع وطريقة للابتزاز على مستوى العالم كله، ويمكن لنا بعد استيعاب الصورة هذه أن نتصور حجم العوائد الهائلة من الأموال المبتزة التي تحصل عليها الدولة العبرية، إضافة إلى أن معدل الدخل عن الفرد فيها من التبرعات التي تقدمها الجمعيات والمنظمات واتحادات الكنائس المتعاطفة يبلغ 500 دولار شهرياً.

-صناعة القرار
تهتم المنظمات الأساسية العالمية بأن لا يحصل أعداء إسرائيل على قدرات مهمة أو بناء قرار مركزي في دولهم يهدد أمن ووجود إسرائيل، وتتولى هذه المنظمات الإشراف الدقيق على بناء النظم السياسية لكل دولة من القاعدة حتى القمة أي مركز سلطة القرار، فتمنع ممن تشتمّ فيه العداء للدولة العبرية من تسلم مراكز مهمة في دولته عن طريق تأخير تدرّجه السياسي، برصف العقبات أمامه أو إثارة العراقيل في وجهه واللغط الإعلامي، آملة أن يتم تطويعه في ظلّ حاجته إلى خدماتها (المردود الاقتصادي) أو القضاء عليه في حال تعنته، وأما الموالون أو الليّنون اتجاه الدولة العبرية من الطامحين لقيادة دولهم فيتم تبييض صفحاتهم وأعمالهم وعشرات الخدمات المجانية لهم من إعلامية واقتصادية واجتماعية أمام الناس، وهذا التضليل هو أداء نخبوي لتطويع الجماهير خلف صورة الشخص الذي تمت صناعته. إن عمل "الشبكات الأمنية" التي تخدم العدو على أهميتها وخطورتها، قد لا تكون شيئاً يذكر أمام "العمالة المقنّعة" التي يمارسها بعض قادة الدول، من المستفيدين من خيرات المال العالمي الذي تهيمن عليه إسرائيل، وبعض هؤلاء القادة، ومن ضمن الأثمان التي يلتزمون بسدادها، قيامهم تحت حجج الوطنية والسيادة، باختلاق أزمات مع دول أخرى محيطة بدولتهم، بهدف إثارة الكره والعداء، وتحويل الحوافز الوطنية وتوجيهها نحو الأزمة المختلقة، بحيث يتحول العداء مع إسرائيل إلى أمر ثانوي، وبقدر ما يستعر الخلاف الناشب بقدر ما تموت وتخفت العداوة لإسرائيل وتتحول إلى مجرد صورة خلفية في الذاكرة تتقبلها الذات وتسكن إليها، وبعض هؤلاء القادة يلعب دوره في إماتة الهمم وشرذمة المواقف والقرارات وتسعير الخلاف وإيصال الأمة إلى الاستكانة والخضوع والإذلال "كانت الاستعدادات تجري تحضيراً لمؤتمر وزراء الخارجية العرب، وكان أصدقاؤنا داخل المؤتمر وبعضهم من الوزراء قد سعوا إلى خلق "سياسة محاور" داخل الصف العربي فتعمق الخلاف واشتد حتى انقسم المجتمعون إلى قطبين متنازعين"(6).

إن "اصطياد الكفاءات" الذي تقوم به الدولة العبرية يعتمد على البحث عن عناصر كفوءة وعرض برامج ومقترحات عليها تكون ذات فائدة لها ولتلك العناصر من دون أن تكون عمالتها ظاهرة ولدى إسرائيل قدرة بمالها ونفوذها العالمي على إيصال هؤلاء إلى سدة المسؤولية في دولهم، وبعضهم عن طريق انقلابات ثورية والبعض بطرق ديمقراطية مبرمجة بدقة، وحتى أن البعض يصل على أكتاف ثورة شعبية تحمله إلى سدة المسؤولية، ومكمن الخطورة أن الشعوب بشكل عام لا تسأل وبعقل "لماذا خفّ العداء الإسرائيلي واتسع بين بعضنا البعض؟" ومن السبب؟ نحن؟ أم القادة؟!


(1) جورج تانهام، كتاب حرب بغير بنادق، ص‏65، دار الكرنك القاهرة.
(2) فلاديمير بوفون، كتاب غزو بلا سلاح، ص‏155، دار الفارابي.
(3) مذكرات ماركوس سيف، كتاب ماركس اند سبنسر، ص‏144، دار الندى.
(4) بول فندلي، كتاب الخداع، ص‏135، مكتبة بيسان.
(5) جاك تايلور، كتاب أوراق الموساد، ص‏110، دار نادر.
(6) مايلز كوبلاند، كتاب لعبة الأمم، من صفحة 230 وما بعدها، مكتبة الزيتونة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع