نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نساء وحيدات جعلن من الوحدة واحة طموحات‏

فاتن إبراهيم‏

 



المرأة بطبعها رقيقة وحساسة وقد تستنزفها الأحداث، لكن الكثير من النساء تبرز إرادتهن الصلبة عند التعرّض للظروف القاسية، إذ يتحدّين كل الصعاب ويواجهن الظروف بكل إيمان وصبر وإن كانت أقساها الوحدة، والتي وصفتها بعضهن بأنها قاتلة، ولكن يمكن قتلها بالروح والمعنويات العالية والإيمان اللامتناهي بالأهداف وبالإتكال على اللَّه تعالى.. الوحدة، إلى أي مدى تؤثر في المرأة وما هو السبيل إلى تجاوز تأثيراتها؟

* زوجات وحيدات‏
بعض النساء يعتبرن أن الوحدة قاتلة لكن يمكن قتلها بالذكر والدعاء، لأن الشيطان يستغل الإنسان المؤمن في أوقات الوحدة. ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الصبر على الوحدة قوّة العقل" وهذا ما أكدته مجموعة من النساء اللواتي يعانين الوحدة كفرض لا بدّ منه بسبب طبيعة عمل الزوج. سامية زوجة أحد المجاهدين تقول: "أعيش معظم حياتي وحيدة، فزوجي يتواجد في المنزل بضعة أيّام فقط. إنه أمر صعب ولا يوجد أطفال بعد، قضيت سنة كاملة وأنا متضايقة من هذا الوضع، لكنني تجاوزته بعد ذلك وصممت أن أشغل نفسي، فانضممت إلى إحدى الحوزات الدينية لأتعرّف أكثر على أحكام الدين". وفي اجتماع للنساء، إلتقيت بزوجة أحد المجاهدين أيضاً التي تتميّز بنشاطها وثقافتها، تقول: "ليس بالضرورة أن يوجد الزوج بشكل يومي إلى جانب عائلته وزوجته، فغيابه يصقل شخصية المرأة بالقوّة والاتكال على النفس وتحمّل المسؤولية والإنفتاح على المجتمع، لأنها مضطرة إلى أن تندمج مع الناس خاصة، إن كان لديها أولاد، فليس منطقياً أن تجعلهم ينعزلون بناء على ميلها نحو الوحدة".

أما سوزان، (وهي من النساء اللواتي أجبرن على الانتقال من بيروت للسكن في الجنوب بناءاً لعمل زوجها) فهي مضطرة في ذلك إلى أن تبتعد عن بيئتها وأهلها وأصدقائها، فتقول: "كان أملي أن أحقق جزءاً من طموحي في المدينة بعد تخرّجي من الجامعة، لكن المرأة تلحق بزوجها كما هو معروف، ومما آلمني هو قضاء أيام وليالٍ لوحدي، لكنني اعتبرت أنها فرصتي لقضاء الوقت بالكتابة والمطالعة حتى تسنّت لي فرصة مراسلة إحدى المجلاّت الثقافية، وهذا ما عزّز ثقتي بنفسي. والوحدة تفسح المجال أمام المرأة لتهتمّ بفكرها أثناء غياب الزوج، لأن وجوده لا يسمح إلا بالإهتمام به". وسفر الزوج يشكّل ألماً في نفس المرأة وعدم استقرار ذاتي، تقول أم محمود: أعاني من تشابه الأيام، وذلك لم يمنعني من برمجة وقتي، فأولادي يذهبون إلى المدرسة وأنا أعمل في الأشغال اليدوية، كالتطريز وصنع ورود من السيراميك والرسم على الزجاج، وأفكّر أن أشارك في معارض القرية للإبداع المنزلي. وبالنسبة للأولاد، أرافقهم كل أسبوع لأعرّفهم على المعالم السياحية حتى لا يشعروا هم أيضاً بالوحدة".

* في غياب الرجل:
فطرت البشرية على القِران وعلى التكامل بالشريك الذي من خلاله تكتمل شخصية المرأة أكثر حين تصبح زوجة وأماً، وفي تبدّد هذا الدور كيف بدت بعض النساء؟ كوثر (موظفة، وطالبة في معهد العلوم والمعارف الحكمية) قالت: "إن أحد أسباب الوحدة عند المرأة هي عدم تمكنها من إقامة أسرة، فإن لم تكن متزوجة تقع في دوامة الروتين اليومي والأفكار العاصفة، وبرأيي ليس مهمّاً أن يحصل المؤمن على كل شي‏ء في هذه الدنيا". أم حسن (عمرها 45 سنة مطلّقة منذ أكثر من خمس سنوات) حدثتنا: "تزوجت صغيرة، ولم أكن أعرف كثيراً من هذه الحياة، ولأن "ما يسمّى بالحب" فرض نفسه على قلبي فانصعت طائعة، وسرعان ما فشلت وطُلِّقت بالرغم من تكريس وقتي لعائلتي. كانت هذه مرحلة صعبة تعرّضت من خلالها للعزلة والكآبة جراء البعد عن أولادي. عملت بنصيحة أقاربي وأجريت امتحانات صف الفلسفة ونجحت، وقوّيت لغتي الأجنبية وعملت في إحدى المؤسسات، وأنا مقتنعة بحياتي نوعاً ما، وقد قيل: إن لم يكن ما تريد فأرد ما يكون". أم عصام (امرأة أرملة توفّي زوجها تاركاً لها ولدين صغيرين) عملت في بساتين الفاكهة لتربيهما فكانا كل همّها. لم تيأس حتى رأتهما شابين متعلمين وجاء دورها فأصبحت تدّخر مالها واشترت كومبيوتر وسيارة، والآن تقضي معظم وقتها بالتعلم على الحاسوب، وعندما تملّ تقوم بجولة على أصدقائها في سيارتها. ريّا 40 سنة (مطلقة منذ 6 سنوات) تقول: "كنت أشعر بوحدة خانقة نتيجة صرف نظر زوجي عني واهتمامه بعمله وهواياته حتى الفجر، مما أدّى إلى انفصالنا بالرغم من عدم رغبتي بذلك، لكنني عوّضت بقوّة فدخلت ميدان التجارة إلى البلدان كتركيا وسوريا والأردن وحتى أوروبا واستأجرت بيتاً لي ولولدي في بيروت وكلما شعرت بالوحدة أمارس رياضة المشي فهي تقوي الجسد والنفس معاً". وبعض النساء لا يشعرن بالرضى في حياتهن إلا بوجود شريك العمر إلى جانبهن، فبرأيهن هو يسلّي الفؤاد، وسلوة للوحدة. الحاجّة أم سامر (أرملة ووالدة لشابين)، بالرغم من عملها كمعلّمة مدرسة لم تخلص من الوحدة، وبرأيها إن التعويض عن الوحدة يكون بالزواج لذلك لم تمانع من الزواج ثانية واقترنت برجل ملتزم بدينه.

* واحة طموحات...
إحدى المعوّقات التي تسببت لها الإصابة بكآبة لسنوات عديدة ووحدة فانعزلت عن المجتمع والعمل وحتى الخروج لرؤية الدنيا، قصدتها لأسمع أخبارها، فاجأتني بالفعل، رحّبت بي بإبتسامة بدت كأنها مرتاحة ومتفائلة وبادرتني بالسؤال: تفاجأتِ أليس كذلك؟ وبدأت الدردشة: "لقد أثّر في حياتي الإمام علي عليه السلام، لقد رأيته في منامي يمسح على رأسي ويأمرني بأن أفتح عينيّ وأقرأ، وقد طلبتُ من والدي أن يُحضر لي كتب خطب وأدعية وحكماً للإمام علي عليه السلام، وقضيت وقتي أتعرّف على سيرة أهل البيت ومصائبهم وعلى قوتهم في الحياة. شعرت أن حالي سيتحسن، فاندمجت من جديد مع عائلتي وتواصلت مع صديقاتي، وبتّ جاهزة للسفر لأكمل علاجي وأطمح أن أكمل علومي بإذن اللَّه". السيدة سوسن رمّال كاتبة ومدرّسة علوم دينية تحدثت عن موضوع الوحدة عند المرأة:

الإسلام أوجد المتنفس المنطقي لحياة كلّ منا، فغياب الزوج لا سيما إن كان نهائياً كالشهداء يسبب فراغاً لا يملأه أحد، كل ذلك يأتي على حساب المرأة ولكن هل تستسلم المرأة لوضعها؟ وهل هذا هو الهدف الذي ضحّى الشهيد لأجله؟ إن جهودها المبذولة هي إكمال المسيرة التي مضى من أجلها وكأنه لم يغب، فتنظم حياتها وتضع مخططاً لتنجزه، والأهم مراقبة ماذا تنجز وماذا قدَّمت للمجتمع ولنفسها ولعائلتها ولزوجها الشهيد أو الغائب، كيف أكملت دوره وطبقت وصاياه، وأن تصنع من الفراغ طاقة".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع