نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أوجه الشبه بين الإمام الخميني والإمام الخامنئي دام ظله

الشيخ محمّد يونس‏

 



لا يخفى أن قراءة أوجه الشبه بين شخصيتين نورانيتين كاملتين كشخصيتي الإمام الخميني قدس سره والإمام الخامنئي حفظه الله ليس أمراً سهلاً، لما هو معلوم من أن التفاوت بين أي شخصيتين أمر طبيعي بل ضروري. والحديث عن أوجه الشبه هذه لا يمكن أن يكون من ناحية تجلّي الصفات والقيم الإلهية في نفس كل منهما لاستحالة الإطلاع على ذلك، وإنما الحديث عن انعكاسات هذه التجليات ومدى فاعليتها وتأثيرها على مستوى الذات من جهة، وعلى مستوى تربية الأمة من جهة أخرى. ولأنه من المتعذر الإحاطة بأوجه الشبه كافة، يمكن الوقوف على بعض العناوين المشتركة التي شكلت أوجه شبه أساسية في سيرتهما، سواء الشخصية منها أو السياسية.

* الحكمة: والتي تتجلى في القيام بالفعل المناسب المنسجم في الزمان والمكان والظرف والشخص والجهة والقوة وغيرها، ولعل أبرز مصاديق الحكمة في شخصيتي الإمام الخميني قدس سره والإمام الخامنئي دام ظله يتجلى في المحافظة على مسار هذه الثورة وتفردها، وثباتها على نهج الالتزام والتدين بقيم الإسلام المحمدي الأصيل رغم المحاولات المتتالية لإخراجها عن صراطها القويم والإيقاع بها في شرك الأنظمة الوضعية من الشرق أو الغرب، في محاولةٍ لإقصاء الإسلام عن ساحة التحدي السياسي. وتتجلى الحكمة كذلك في المحافظة على إنجازات هذه الثورة، من بناء الدولة والمؤسسات العامة وتطوير تجربتها الدينية الرائدة، لتكون وبسرعة نادرة في مصاف الدول الكبرى قياساً بالدول الأخرى، وهذا ما نشهده من منتهى الحكمة فيما يتعلق بسياسة الاكتفاء الذاتي والإصلاح الزراعي ومواجهة أي فساد إداري والاستغناء عن الغرب استغناءاً تاماً بإخراج إيران عن كونها سوقاً استهلاكياً لمنتجات الغرب. ومن المواقف الحكيمة التي نشهدها اليوم إصرار الجمهورية الإسلامية على استخدام حقوقها كافة الممنوحة لها من الله أولاً وتقرها القوانين والأعراف الدولية، والتعامل بمنتهى الندية مع الدول المستكبرة كافة، خاصةً فيما يرتبط بالملف النووي ومواجهة محاولة حشد المجتمع الدولي كله لتبني موقف واحد في وجه إيران يسلبها هذا الحق ويمنعها من توفير التكنولوجيا الضرورية التي تمتلكها الكثير من دول العالم.

* القدوة: وهي من أهم أوجه الشبه بين هاتين الشخصيتين العظيمتين، حيث جسّد كل منهما مقام الإمام القدوة تأسياً بأمير المؤمنين عليه السلام، وذلك في بساطة العيش فيما يرتبط بالمأكل والمشرب وصغر المسكن والضروري من الأثاث والقناعة بمساواة نفسه مع أقل الناس، حيث كانت حياتهما كسائر حياة الأفراد العاديين، والابتعاد عن أي مظهر من مظاهر الترف والرفاهية والإسراف في متعلقات الحياة اليومية كافة من ممتلكات أو مقتنيات وما شابه، وكانا يؤكدان ويكرران دوماً ما اشتهر عن علي عليه السلام: "إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بِضَعَفَةِ الناس". والأهم عدم التفريط بالمال العام أو سوء الاستفادة منه في المصالح الخاصة، مما يعيدك بالذاكرة لأمير المؤمنين عليه السلام عندما أطفأ الشمعة المضاءة في بيت المال حينما أراده أحدهم لنقاش بعض المسائل الخاصة. ومما اشتهر عن هاتين الشخصيتين العظيمتين رفضهما لأي شكل أو مظهر من مظاهر الوجاهة والعلو، فكان الإمام الخميني قدس سره مثلاً ينهى أصحابه عن السير خلفه، بل حتى عن مرافقته دون طائل أو أن يحملوا له كتبه أو بعض مشترياته أثناء الطريق، ويزجر من يمدحه أو يثني عليه بعبارات التكريم والتعظيم والإجلال والتبجيل، وهو يؤكد أن هذا كله من صفات المستكبرين والسلاطين وحكام الجور، ولا ينبغي لنا أن نشابههم في سلوكنا وأدبياتنا.

* العلم: ولا أريد بهذه النقطة بيان جوانب مرجعية كل منهما وما يرتبط بشهادات المرجعية والأعلمية وتفوقهما بعلمي الفقه والأصول، وإنما التأكيد على جوانب المعرفة الأخرى التي كان الإمام الخميني قدس سره والإمام الخامنئي دام ظله يُلمّان بها إلماماً كبيراً، سيما فيما يرتبط بعلوم السياسة والاقتصاد. وتجدر الإشارة كذلك إلى إيلاء العلم والتعلم وكسب المعارف أهمية خاصة في سياسة الدولة وزيادة نسبة الإنفاق، من أجل بناء الجامعات والحوزات وامتلاك الخبرات ومحو الأمية والرفع من المستوى الثقافي والمهني والعلمي لعموم الناس وزيادة أعداد أهل الاختصاص في ميادين الحياة كافة، والتأكيد على عدم التمييز بين الرجل والمرأة في ضرورة التعلم، ومتابعة الدراسات العالية والاختصاص، وفتح مجالات العمل أمام الجميع. وكثيراً ما نقرأ في خطاباتهما ضرورة التصدي لكل الشبهات والسموم التي يحاول الغرب بثها في مجتمعاتنا، والتأكيد على الإنتاج الفكري لتحقيق الحضارة الإسلامية الراقية وما يستلزم ذلك من إبداع للفكر وتربية للإنسان.

* حسن التدبير: وما يعني ذلك من التصرف بمسؤولية ووعي في القضايا الشائكة بعيداً عن التسرع والعشوائية وعدم التعقل الذي من شأنه إرهاق الدولة أو الناس، وبالتالي أهمية إتاحة خيارات واسعة أمام الشعب لتخطي العقبات والعراقيل التي يضعها الأعداء أمامه. وتتجلى هذه الصفة في التفاعل مع الملفات المعقدة، كمواجهة فرض الحصار الاقتصادي والمقاطعة السياسية والاقتصادية لأغلب دول العالم المتأثر بهيمنة وتسلط الصهيونية العالمية مع بدايات انتصار الثورة، وما يستتبع ذلك من إيجاد موارد للسلع وتأمينها وتوزيعها بشكل عادل، أو فيما يرتبط بحالات الشغب الداخلية التي أثيرت مؤخراً في محاولة للتأثير على عقول الشباب، وذلك من خلال بث بعض الشعارات البراقة والتضليلية التي طالبت بالحريات العامة مستهدفة إضعاف الثورة، والتي واجهها الإمام الخامنئي بوعي كبير وبتدبير أذهل الأعداء قبل الأصدقاء في طريقة معالجته واستيعابه لهذا الأمر، أو ما يرتبط بملف الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي حاول الغرب الرهان على عدم المشاركة الشعبية في محاولة للإيحاء بأن الإسلام لم يعد خيار الشعب الإيراني، وأنه بات يتطلع للتغيير بإتجاه شعارات الغرب وقوانينه.

* الشجاعة: والتي تتمثل في اتخاذ القرارات الجريئة والمناسبة لمصلحة النظام عند استشعار أي تهديد أو خطر داخلي أو خارجي، وهذا ما شهدناه في مواقف الإمام الراحل الذي لم تأخذه في الله لومة لائم فأصدر القرارات الشجاعة المرتكزة على حكم الله وحده لا شريك له، كقضية فتوى إعدام المرتد سلمان رشدي، وإصراره على هذه الفتوى رغم التهديدات الأجنبية بالمقاطعة السياسية وسحب السفراء، أو قراري الحرب والسلم مع العراق، وتأكيد الإمام الدائم على ما انطوت عليه هذه الحرب من نتائج إيجابية أقلها انكشاف العالم المستكبر وحلفائه في المنطقة على حقيقتهم العدائية للإسلام والمسلمين، أو إنزال الجماهير المليونية إلى الشارع لمواجهة جيش الشاه وإعلان حالة العصيان المدني في أرجاء البلاد كافة وغيرها من القرارات التي ساهمت في تشييد صرح هذه الجمهورية الإسلامية، والقضاء النهائي على أعظم إمبراطوريات الغرب في المنطقة. ومن المواقف الشجاعة اليوم التصدي لحملة الدعاية الأميركية ضد الإرهاب وإبراز هذه الإدارة على أنها صانعة الإرهاب وحاميته، وأنها التي تدعم دول الإرهاب ومنظمات الإرهاب ومواجهة هذا المدّ الإستكباري في المنطقة لا سيما إدارته الجريئة والشجاعة إزاء التدخل الأمريكي في العراق وأفغانستان والذي اعتبره قمة الإجرام والإرهاب والتدخل السافر في شؤون البلاد الإسلامية، والذي دعا الى مقاومته والوقوف بوجهه مهما كانت التضحيات.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع