نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الرسول صلى الله عليه وآله القائد العسكري‏

مقابلة مع فضيلة الشيخ علي دعموش‏

حوار منهال الأمين‏


في المراحل الأولى لبناء دولة الإسلام، برزت الشخصية الجهادية القيادية للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، فتقدم هو المقاتلين، وقدم أهله وأقرباءه، وكان يصاب بالجروح مثله مثل غيره، ويظل في دائرة القتل والخطر، بدون أي اعتبارات أخرى. ثم إنه عمل جاهداً على تغيير الأخلاق العسكرية السائدة في ذلك الزمن، وإبدالها بما يتناسب وروح الإسلام، وهو القائل: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". في هذا الحوار سنحاول مقاربة هذا الموضوع، من خلال استعراض بعض ملامح الشخصية الجهادية للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وأبعادها ومقوماتها، في حوار مع فضيلة الشيخ علي دعموش:

1 - ما هي طبيعة الظروف العسكرية في البيئة التي نشأ فيها الرسول صلى الله عليه وآله أي شبه الجزيرة العربية (مكة تحديداً)، وما هو موقفه صلى الله عليه وآله من ذلك الواقع؟
الحياة الصعبة التي كان يعيشها الإنسان العربي آنذاك وعدم وجود روادع دينية أو وجدانية قوية له دفعت بالتجمعات القبلية إلى ممارسة الحرب والاعتداء على بعضها البعض كوسيلة من وسائل تأمين العيش أحياناً وأحياناً لفرض السيطرة والهيمنة، وأحياناً أخرى للثأر والاقتصاص. فكانت تغير هذه القبيلة على تلك وتستولي على أموالها وتسبي نساءها وأطفالها وتقتل أو تأسر من تقدر عليه من رجالها ثم تعود القبيلة المنكوبة لتتربص بالقبيلة التي غلبتها وهكذا... وكانت لأتفه الأسباب تحدث بينهم حروب طاحنة ومدمرة يذهب ضحيتها آلاف الناس وتستمر لسنين طويلة كما في حرب داحس والغبراء وغيرها. ولا شك أن النبي صلى الله عليه وآله كان يرفض هذا النوع من الحروب فضلاً عن أنه لم تكن له مشاركات فيها. والحلف الوحيد الذي دخل فيه النبي صلى الله عليه وآله قبل البعثة في مكة هو حلف الفضول، وهو التحالف الذي قام بين قبائل قريش لوضع حد لغطرسة بعض المكيين الذين كانوا يتعمدون الإساءة للزائرين ويقومون بالاعتداء عليهم، فهو تحالف يقوم على محاربة الظلم والفساد والانتصار للمظلوم والدفاع عن الحق حضره النبي صلى الله عليه وآله واشترك فيه وأثنى عليه بعد نبوته وأمضاه حيث قال صلى الله عليه وآله: "لقد حضرت في دار عبد اللّه بن جدعان حلفاً ما يسرني به حمر النعم ولو دعيت إلى مثله لأجبت". لأنه قائم على أساس الحق والعدل والخير، وبالتالي فإن أهدافه تنسجم مع أهداف الإسلام الذي جاء ليحرك المشاعر ويوقظ الضمائر للتحالف والتكتل في وجه الظلم والعدوان والاحتلال، والتعاون على البر والخير والإحسان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل عصر وزمان.

2- ما هو موقع العمل الجهادي في حركة الرسول صلى الله عليه وآله ورسالته، فهل هو في صلب هذه الحركة، أم أنه استجد بتبدل الظروف واشتداد الظلم والطغيان. بخاصة وأن الدعوة الإسلامية انطلقت سلمية إن صح التعبير؟ وهل كان الصبر والتحمل فقط (مع عظمته) هما تكليف المؤمنين في تلك الفترة (قبل تشريع القتال)؟
حركة النبي صلى الله عليه وآله هي حركة سلمية وطبيعتها هادئة تقوم على الدعوة إلى اللّه والهدى والحق والقيم الإسلامية على أساس الفكر والحوار(وادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). والعمل الجهادي لم يلجأ إليه النبي صلى الله عليه وآله إلا لتأمين حرية الدعوة وإزالة العراقيل من طريقها، أو للدفاع عنها وعن الأمة والكيان الإسلامي. ولذلك فإن معظم حروب النبي صلى الله عليه وآله هي حروب دفاعية من بدر إلى أحد إلى الخندق إلى غيرها من المعارك التي خاضها النبي صلى الله عليه وآله والمسلمون معه دفاعاً عن المظلومين والمستضعفين والذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا اللّه. أما في بداية الدعوة وخلال المرحلة المكية التي استمرت ثلاث عشرة سنة فإن النبي صلى الله عليه وآله لم يلجأ إلى العمل الجهادي المسلح، بالرغم من كل الضغوط وحالات التعذيب والقتل والاضطهاد والقهر والحصار الذي كان يتعرض له المسلمون آنذاك، لأن المسلمين كانوا قلة وأي عمل جهادي مسلح في مواجهة المستكبرين والطغاة والمشركين آنذاك كان يمكن أن يعرضهم لحملة تصفية وإبادة جماعية بصورة حاسمة وسريعة، ولتمكن المشركون من القضاء على الدعوة وعناصرها من أول الطريق. لذلك كان تكليف المسلمين في تلك المرحلة الصبر والثبات والتحمل وعدم اللجوء إلى أي مواجهة مسلحة مع الأعداء، من أجل ضمان بقاء واستمرار الدعوة، والحفاظ على تلك الصفوة التي دخلت في الإسلام، وإتاحة الفرصة أمام النبي صلى الله عليه وآله لإعدادها نفسياً وتربوياً وعقيدياً وروحياً وجهادياً للصمود في وجه التحديات التي تنتظرهم، وليقوموا بدورهم الرسالي والجهادي في المستقبل.

3 - ماذا تمثل الهجرة في حركة الرسول صلى الله عليه وآله الجهادية، وما هو تأثيرها على الدعوة؟
الهجرة هي محطة أساسية واستراتيجية في حركة النبي صلى الله عليه وآله الجهادية. لأن الهجرة من مكة إلى المدينة لم تكن رد فعل لاضطهاد قريش، بقدر ما كانت فصلاً استراتيجياً خطط له النبي صلى الله عليه وآله لتكون المدينة قاعدة ارتكاز للدعوة، بعدما لم تعد مكة مكاناً صالحاً لنشر الإسلام، حيث حصل النبي صلى الله عليه وآله منها على أقصى ما يمكن الحصول عليه ولم يبق أي أمل في دخول فئات جديدة في الإسلام في المستقبل القريب على الأقل، خصوصاً بعدما نجحت قريش في وضع الحواجز والعراقيل أمام تقدم هذا الدين وانتشاره، لذلك كان لا بد من الانتقال إلى مكان آخر ينطلق الإسلام فيه بحرية، بعيداً عن ضغوط الأعداء وفي منأى عن مناطق سيطرتهم ونفوذهم، فكان هذا المكان هو المدينة، على اعتبار أن المدينة كانت مهيئة جغرافياً واجتماعياً واقتصادياً لتكون قاعدة صلبة للإسلام، ويستطيع فيها النبي صلى الله عليه وآله أن يحقق كامل أهدافه. فمن الناحية الجغرافية تبعد المدينة عن مكة أكثر من أربعمائة كيلومتر، مما يجعلها بمأمن من هجمات قريش المفاجئة والمباغتة من جهة، ومن جهة أخرى هي قريبة من طريق تجارة مكة الشام بحيث يمكن للنبي صلى الله عليه وآله أن يفرض سيطرته وأن يمارس نوعاً من الضغط السياسي والاقتصادي وحتى العسكري على قريش في الوقت المناسب. ومن الناحية الاجتماعية فإن طول النزاع القبلي بين سكان المدينة من الأوس والخزرج واليهود جعلها منطقة مفككة اجتماعياً، فكما أنها لا تستطيع أن تتماسك أمام قوة الإسلام فإنها كانت تتطلع إلى رجل تلتف حوله لينزع عنها إلى الأبد هذه العصبيات المستعصية. ومن الناحية الاقتصادية تعتبر المدينة غنية بإمكانياتها الزراعية، بما يمكنها من المقاومة والاحتفاظ بنوع من الحياة في حال تعرضت لضغوط اقتصادية من قبل المشركين وغيرهم.

4 - ما هي طبيعة التنظيم العسكري الذي اتبعه الرسول صلى الله عليه وآله؟ وهل جاء بجديد على هذا المستوى (الأساليب الأمنية والتكتيكية والمهمات الجهادية...)؟
نعم ابتكر النبي صلى الله عليه وآله بعقله الراجح أساليب جديدة في القتال في أكثر من موقع ففي معركة بدر ابتكر نظام الصفوف، وفي غزوة الأحزاب ابتكر حفر الخندق ليمنع العدو، وفي غزوة الحديبية فاوض قريشاً وعقد معها معاهدة ظهرت نتائجها الطيبة فيما بعد وهكذا في كل معركة كان هناك شي‏ء جديد يساعد على الانتصار على العدو. وتعتبر المبادى‏ء التي طبقها النبي صلى الله عليه وآله في حروبه من الناحية العسكرية مبادئ أساسية في الحروب لتحقيق النصر. فقد كان واضح الهدف في دعوته وفي قتاله ويعرف ما يريد تماماً. استخدم مبدأ المفاجأة والمباغتة في الزمان والمكان المناسبين. واعتمد على السرعة وعلى عنصر الكتمان والسرية، حيث كان يحيط تحركاته العسكرية بالسرية التامة، ويحرص على كتمان أهدافه والجهة التي يقصدها حتى عن المقربين، فعندما قرر فتح مكة أخفى نياته ولم يطلع المسلمين على وجهته وقال: "اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها". وقد رُويَ أنه صلى الله عليه وآله كان إذا أراد غزوة ورّى بغيرها. واستخدم الحرب النفسية ضد العدو بغية تحطيم معنوياته وشل إرادته وتفتيت وحدته الداخلية كما في غزوة بني قريظة وغيرها. كما استخدم الخدعة في الحرب وقال: (الحرب خدعة) واعتمد كثيراً على عمليات الاستطلاع والتجسس العسكري، حتى أنه لم تخل معركة من معارك الإسلام إلا واستخدم النبي صلى الله عليه وآله فيها التجسس العسكري، وقام بإرسال العيون إلى مناطق العدو ومعسكراته لجمع المعلومات عنه واستطلاع تحركاته وأوضاعه المختلفة.

5 - درس معركة أحد: هل يدلل على تحول أراد صلى الله عليه وآله أن يحدثه في عقلية المقاتل المسلم، وهل نجح في ذلك؟
لعل قيمة معركة أحد أنها جمعت للمسلمين النصر والهزيمة وعاش المسلمون فيها شروط النصر في بدايتها وشروط الهزيمة في نهايتها. والدرس الذي أراد اللّه ورسوله للمسلمين والمقاتلين أن يأخذوه من هذه المعركة، هو أن اللّه يعطي الناس النصر إذا أخذوا بأسبابه وشروطه، أي إذا التزموا بالصبر والثبات واحترموا خطط المعركة ولم يتنازعوا أو يقعوا تحت تأثير مطامعهم الشخصية. لقد انتصر المسلمون في أحد عندما نفذوا خطط المعركة بدقة وعاشوا الانضباط أمام أوامر القيادة، ولكن موازين النصر انقلبت لمصلحة الأعداء عندما تخلى المسلمون عن مواقعهم وخالفوا أوامر قيادتهم وتنازعوا حول الغنائم والمكاسب الدنيوية. وهذا ما ينبغي أن نستفيده من دروس هذه المعركة لنوظفه في معاركنا مع أعدائنا، وهو أن على المسلمين أن لا يتنازعوا عندما يخوضون معركة الحق في مواجهة الباطل، ومعركة الجهاد في واجهة المستكبرين والمحتلين. على المسلمين إذا أرادوا الانتصار أن يكونوا صفاً واحداً في الإخلاص للقضية وللهدف وللأمة، وأن يكونوا صفاً واحداً في الانضباط والالتزام بأوامر القيادة وفي الانسجام مع الخطة الحكيمة.

6 - ما هي سياسة الرسول صلى الله عليه وآله في عقد المعاهدات والاتفاقيات مع قريش، وبعض قبائل اليهود (والتي غالباً ما كانت تنقض من قبل الطرف الآخر)؟
سياسة النبي صلى الله عليه وآله في عقد المعاهدات والاتفاقيات مع الأعداء هي أنه عندما كانت تقتضي مصلحة الإسلام والمسلمين بحسب طبيعة الأوضاع والظروف القائمة فعلاً عقد اتفاقية أو معاهدة صلح مع العدو كان صلى الله عليه وآله يقوم بذلك، تحقيقاً لتلك المصلحة، كما فعل مع قريش في ما عرف بصلح الحديببة. فإن الذي يبدو من نظرة معمقة لأوضاع المسلمين قبل هذا الصلح وبعده وما تمخض عنه من نتائج أن هذا الصلح جاء في مصلحة الإسلام والمسلمين بالكامل، بل كان فتحاً كبيراً ونصراً عظيماً لم يدرك أهميته معظم المسلمين الذين احتجوا على بعض بنوده واعتبروه مجحفاً بحقهم، بل نستطيع القول إن هذا الصلح كان من الأحداث السياسية الهامة في تاريخ الإسلام، التي مهدت لنتائج عقائدية وعسكرية وسياسية كبرى في مصلحة الإسلام والمسلمين، وجعلت انتصار الإسلام أمراً محسوماً وحتمياً. أما اليهود فقد عقد النبي صلى الله عليه وآله معهم أكثر من اتفاقية أبرزها وثيقة المدينة بعد الهجرة، حيث خضعوا فيها بالكامل لقوانين الدولة الجديدة ولسلطة النبي صلى الله عليه وآله ومرجعيته داخل المدينة، باعتباره قائد هذه الأمة ورئيس الدولة. وقد منحهم النبي صلى الله عليه وآله في ظل هذه الدولة الحقوق العامة والأمن والحرية، فما داموا يلتزمون بقوانينها ولا يتآمرون عليها وعلى المسلمين فإنهم يتمتعون بحقوق مساوية للمسلمين، وهم محترمو المال والدم والعرض والكرامة الإنسانية، ولا ضير في ذلك لأن الإسلام ليس ضد الأقليات الدينية التي تعيش في ظل الدولة الإسلامية وتحترم قوانينها. ولكن بعد أن أخلَّ اليهود بموجبات المعاهدات والاتفاقيات ونقضوا المواثيق واستغلوا وضعهم المميز داخل المجتمع الإسلامي ولعبوا دوراً خطيراً في التآمر على الإسلام والتجسس على المسلمين ومحاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وآله والتحالف مع المشركين والمنافقين وتحريضهم على حرب المسلمين وأثاروا الشائعات والأكاذيب وغير ذلك، بعدما فعلوا كل ذلك اتبع النبي صلى الله عليه وآله معهم سياسة الاغتيالات المنظمة والحروب الشاملة فعاقبهم في وقائع تاريخية معروفة وأوصى بطردهم من جزيرة العرب.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع