نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

المتخلفون عن الجهاد في زمن الرسول صلى الله عليه وآله


الشيخ محمد شقير


إن ظاهرة التخلف عن الجهاد والرضى بالقعود بما هي ظاهرة مَرَضية ليست وقفاً على زماننا الحالي بل كانت موجودة في جميع الأزمنة السابقة بما فيها زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مع ما فيه من روح معنوية عالية كان يضفيها الرسول صلى الله عليه وآله نفسه. وبما أن هذه الظاهرة تشكِّل خطراً على مكانة المجتمع الإسلامي ومستقبله وعلى فعل الجهاد، لذا نجد أن القرآن الكريم قد تحدث عن المتخلف عن الجهاد في سورة التوبة التي نزلت نقمة على المنافقين، فقال تعالى فيما حكاه عن أولئك المتخلفين:

1- الحرص على الدنيا
يقول تعالى: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ (التوبة: 42). إنهم من أبناء الدنيا، وحريصون عليها فلو كان ما دعوتهم إليه يا محمد صلى الله عليه وآله أمراً دنيوياً سهل المنال وسفراً قريباً لذهبوا معك، ولكن بما أن السفر هذه المرة بعيد لذلك تخلفوا عن الجهاد، وهذا من صفات المنافق.

2 - الكذب‏
يقول تعالى: ﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (التوبة: 42). إن هؤلاء بعد أن مالوا إلى الدنيا فقد تخلفوا عن الجهاد الذي بعدت شقته والذي زادت مشقته، فهم حتى لا يقعوا تحت ملامة المجاهدين الذين نفروا إلى الجهاد سيحلفون باللَّه كذباً أنهم لو استطاعوا لخرجوا، وهذا إن دل على شي‏ء فإنما يدل على أمرين اثنين:

الأول: أن هؤلاء لا يعطون الذات الإلهية حرمتها الحقيقية وإلا لما حلفوا بها كذباً.
الثاني: أنهم لا يهتمون لأمر اللَّه تعالى بقدر ما يهتمون لأمر الناس، ولذلك تراهم حريصين على ألا يعتب عليهم المؤمنون المجاهدون، غير مكترثين بمعرفة اللَّه تعالى بسرائرهم وما حوته صدورهم.

3 - عدم الإيمان باللَّه واليوم الآخر
يقول تعالى: ﴿لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (التوبة: 44). ذلك أن من يفتقد الإيمان باللَّه واليوم الآخر لن يكون حريصاً على الجهاد في سبيل اللَّه تعالى بما يقود إليه الجهاد من أجر وثواب كبيرين عند اللَّه تعالى، لأنه كيف سيعمل للآخرة وهو لا يؤمن بها؟ لذلك يقول تعالى عن أولئك إنهم يطلبون الإذن من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من أجل التخلف عن الجهاد كرهاً للمشقة وخوفاً مما يمكن أن ينزل بهم.

4 - الشك بكل ما جاء به رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول تعالى:
 ﴿إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (التوبة: 45). أي أن الذين يطلبون الإذن في عدم الخروج إلى الجهاد هم الذين لا يؤمنون باللَّه تعالى واليوم الآخر والذين تشك قلوبهم بما جاء به رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فهم يتقلبون في شكهم وينتقلون من شك إلى آخر دون أن يصلوا إلى بر اليقين والإيمان.

5 - السعي في الفتنة والفساد
يقول تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (التوبة: 47). إن هؤلاء المتخلفين عن الجهاد والذين مالوا إلى الدنيا على فرض أنهم خرجوا مع المجاهدين فإن خروجهم هذا لا يؤدي إلى قوة المجاهدين، بل على العكس من ذلك، لأنهم لن يسببوا إلا الاضطراب، ولن يعملوا إلا على الفساد ويسعون بالشر والفتنة بين المجاهدين، فهؤلاء الذين يتصفون بصفة النفاق ويتخلفون عن الجهاد فإن بقاءهم أفضل من خروجهم لأن في خروجهم ضرراً أشد من بقائهم قاعدين متخلفين. ولا يخفى أن أشد ما يؤدي إلى عدم الخروج والتخلف عن الجهاد هو النفاق وعدم الإيمان باللَّه واليوم الآخر، لذا ناسب ذكر هذه الظاهرة في هذه السورة وإن كان القرآن الكريم تعرّض أيضاً فيها للمؤمنين الذين يتثاقلون إلى الأرض والحياة المادية ويفضّلون الدنيا على الآخرة في حال الجهاد في سبيل اللَّه تعالى فقال لهم اللَّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيل (التوبة: 38). ثم هددهم تعالى بالعذاب الأليم سواء في الدنيا أو في الآخرة وقال لهم بأنه سيحرمهم هذا الشرف ويعطيه لغيرهم إن هم تخلفوا عن الجهاد، لأن اللَّه تعالى لا بد من أن يتم نوره وأن يحق كلماته، إنما الكلام فيمن يرتقي لينال هذا الشرف وتلك المكانة لذا قال عز من قائل: ﴿إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (التوبة: 39).

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع