نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الآثار السلبية للذنوب‏

هيئة التحرير



من المسلّمات في الدين والعلم والتجربة أن أعمال الإنسان الحسنة والسيئة لها نتائج دنيوية وأخروية. كزارع البذور فلو زرع أحد بذر الورد لجنى ثماره ورداً، وزارع الشوك لا يجني إلاّ شوكاً. وبعبارة أخرى لكل عمل رد فعل معاكس كالذي يضرب الكرة على الأرض فترجع الكرة إليه، ويجب الانتباه أيضاً إلى أن جزاء العمل يراه في الدنيا والآخرة. ولكن نسبة الجزاء في الدنيا إلى جزاء الآخرة قليل. وكذلك فإن أعمال الإنسان تأتي عليه بصور مختلفة ويجب أن لا نستبعد أن المصائب المختلفة التي تصيب الإنسان في الدنيا أحياناً تكون جزاءاً لعمل ما وأحياناً تكون امتحاناً إلهياً للإنسان ولأجل ارتقائه سلم التكامل، وله ثواب إضافي ومضاعف ، وفي (الآية 155) من سورة البقرة إشارة إلى هذا المطلب: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ..... وهناك روايات كثيرة تدل على ذلك، فمن جملتها قول الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ أشدّ الناس بلاءاً الأنبياء ثم الذين يلونهم ثمّ الأمثل فالأمثل"(1).

* إحباط الأعمال الحسنة:
أحد الآثار السيئة التي يخلفها الذنب هو إحباط الأعمال الحسنة. ومعناه أن المذنبين إذا عملوا عملاً صالحاً فإنه لا نتيجة ولا جزاء له. وقد وردت كلمة (الاحباط ) ست عشرة مرة في القرآن الكريم. وبهذا نحصل على نتيجة أن الذنوب الكبيرة مثل الكفر، الشرك، تكذيب الآيات الإلهية وإنكار المعاد، الارتداد، مخالفة الانبياء، كل هذه الأمور تحبط الأعمال. فعلى سبيل المثال: إذا رفع شخص حجارة عن طريق المارة لئلا يصاب أحد بضرر (فإن هذا العمل حسن) ولكن لو أن نفس هذا الرجل ألقى الصخرة في مكان قريب وضيق على المارة ففي هذه الحالة يكون قد ارتكب ذنباً كبيراً و(خراب الطريق). إذا، فإن عمله الحسن رفع الصخرة عن الطريق لا اعتبار له ولا أثر له وقد يحبطه بعمله السي‏ء الآخر. وعلى هذا الأساس فإن الذنوب الكبيرة تحبط الأعمال الحسنة. كما تكبر إبليس ولم يسجد لأمر الله سبحانه (في مسألة السجود لآدم) فقد أحبط "ستة آلاف سنة من العبادة"(2) التي عبد بها إبليس الله سبحانه وتعالى. فيجب الانتباه إلى أن الإنسان المذنب لا يستطيع أن يغتر بأعماله الحسنة، إذ سرعان ما تحبط بسبب الذنوب التي يرتكبها.

* الآثار المعنوية الرديئة:
إنّ تكرار الذنب والاستمرار عليه يؤدي إلى ظلمة القلب ومسخ الإنسان عن إنسانيته وتحويله إلى حيوانٍ يملك الصفات الحيوانية كلها، ويكون مقترفاً للذنوب الكبيرة. فعلى سبيل المثال: إن المذنب إذا شرب الخمر لأول وهلة تراه يتردد ويتعذب وجدانه لأنه مسلم، ولكن في الوهلة الثانية يكون الشرب أبسط بكثير من الوهلة الأولى وهكذا إلى أن يعتاد عليه. نعم الاستمرار على ارتكاب الذنب يجعل المذنب يقترف الذنوب الكبيرة بكل سهولة. في الآية 108 من سورة النحل نقرأ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ. وفي الآية 5 من سورة الصف نقرأ: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ. وفي الآية 10 من سورة الروم نقرأ: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ. ونرى كثيراً في التاريخ أن الطواغيت الذين استمروا على اقتراف الذنوب قد تجاوزوا حد الكفر والإنكار والتنكيل بالأنبياء والاستهزاء بهم، وكل هذه الآثار السيئة قد خلفها الذنب، وعلى العكس فالاستمرار على الأعمال الصالحة يعطي للقلب صفاءاً ويعطي نورانية للروح. وحول هذا الموضوع نأتي بالروايات التالية:
1 - قال الإمام الصادق عليه السلام قال أبي عليه السلام: "ما من شي‏ء أفسد للقلب من خطيئةٍ، إنّ القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله"(3).
2- وقال الإمام الكاظم عليه السلام: "إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء فان تاب إنمحت وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً"(4).
وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "ما جفّت الدموع إلاّ لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلاّ لكثرة الذنوب"(5).
وقال الإمام الباقر عليه السلام: "وما من نكبةٍ تصيب العبد إلاّ بذنبٍ"(6).

* الآثار المختلفة للذنب:
نتج عن تحقيق الروايات السابقة أن الذنوب المختلفة لها آثار مختلفة، نذكر منها.
1 - قساوة القلب وجفاف الدموع.
2 - سلب النعمة: قال الإمام الصادق عليه السلام: إن أبي عليه السلام كان يقول دائماً: "إن الله قضى قضاء حتماً: ألا ينعم على العبد بنعمةٍ فيسلبها إياه؛ حتى يحدث العبد ذنباً يستحق بذلك النقمة"(7).
3 - منع استجابة الدعاء: قال الإمام الباقر عليه السلام: "إن العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب أو إلى وقت بطي‏ء، فيذنب العبد ذنباً فيقول الله تبارك وتعالى للملك: لا تقض حاجته واحرمه إياها، فإنه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان منّي"(8).
4 - الإلحاد والإنكار: قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "فإن المعاصي تجعل الخذلان يستولي على صاحبها حتى توقعه في ردّ ولاية وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودفع نبوة نبي الله، ولا تزال أيضاً بذلك حتى توقعه في دفع توحيد الله والإلحاد في دين الله"(9).
5 - قطع الرزق: قال الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ الرجل يذنب الذّنب فيدرأ عنه الرزق"(10).
6 - الحرمان من صلاة اللّيل: قال الإمام الصادق عليه السلام: "الرجل يذنب الذّنب فيحرم صلاة اللّيل"(11).
7 - عدم الأمن من البلاء: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "ولا يأمن البيات من عمل السيئات"(12).
8 - انقطاع المطر.
9 - خراب البيت.
10 - الوقوف الطويل يوم القيامة.
11 - الغضب واللعنة الإلهية.
12 -المصائب الثقيلة.
13 - الندم.
14 - الخزي والفضيحة.
15- نقصان العمر.
16- الزلزلة.
17- الفقر العام.
18- الحزن.
19- المرض.
20 - تسلط الأشرار .... وغيرها من الآثار المختلفة للذنوب التي تلحق بالبشر(13). وحول هذا الموضوع روايات كثيرة جداً ولأجل الاختصار نأتي بخمسٍ منها لنتم الموضوع.

أ - قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:
"من تهاون بصلاته ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة: يرفع الله البركة من عمره ومن رزقه، ويمحو الله تعالى سيماء الصالحين من وجهه، وكل عمل يعمله لا يؤجر عليه، ولا يرفع دعاؤه إلى السماء، وليس له حظ في دعاء الصالحين، ويموت ذليلاً وجائعاً وعطشان، ويوكل الله به ملكاً يزعجه في قبره ويضيّق عليه قبره، وتكون الظلمة في قبره، ويوكل الله به ملكاً يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه، ويحاسب حساباً شديداً، ولا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم"(14).

ب - قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي عليه السلام: " للزاني ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة، أما التي في الدنيا فيذهب بنور الوجه ويورث الفقر ويعجل الفناء، وأما التي في الآخرة فسخط الرب وسوء الحساب والخلود في النار"(15).

ج - صور عشرة أصناف من المذنبين يوم القيامة: قال معاذ بن جبل: كنا في منزل أبي أيوب الأنصاري في حضور رسول الله صلى الله عليه آله وسلم فسأل أبو أيوب الأنصاري الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن معنى هذه الآية: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (النبأ: 20). فقال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "يا معاذ سألت عن عظيم من الأمر ثم أرسل عينيه ثم قال: يحشر عشرة أصناف من أمتي أشتاتاً قد ميّزهم الله من المسلمين وبدّل صورهم: بعضهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير، وبعضهم منكسون أرجلهم من فوق وجوههم من تحت يسحبون عليها، وبعضهم عمي يترددون، وبعضهم صم بكم لا يعقلون، وبعضهم يمضغون ألسنتهم فيسيل القيح من أفواههم لعاباً يتقذرهم أهل الجمع، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلّبون على جذوع من نار، وبعضهم أشد نتناً من الجيف وبعضهم يلبسون جباباً سابغة من قطران لازقة بجلودهم ...."(16).

د - قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من ولي عشرة فلم يعدل فيهم، جاء يوم القيامة ويداه ورجلاه ورأسه في ثقب فأسٍ"(18).  قال الإمام الصادق عليه السلام: "من سوّد اسمه في ديوان ولد فلان حشره الله يوم القيامة خنزيراً"(2). قال الإمام الباقر عليه السلام: وجدنا في كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا ظهر الزنا من بعدي كثر موت الفجأة وإذا طفف الميزان والمكيال أخذهم الله بالسنين والنقص، وإذا منعوا الزكاة منعت الأرض بركاتها من الزرع والثمار والمعادن كلها وإذا جاروا في الأحكام تعاونوا على الظلم والعدوان، وإذا نقضوا العهد سلّط الله عليهم عدوهم، وإذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ولم يتّبعوا الأخيار من أهل بيتي سلّط الله عليهم شرارهم فيدعو خيارهم فلا يستجاب لهم"(19).


(1) أصول الكافي، ج‏2، ص 252.
(2) جاء في نهج البلاغة الخطبة 192 (.... إذ حبط عمله الطويل....).
(3) أصول الكافي، ج 2، ص 268.
(4) بحار الأنوار، ج 73، ص 327، ميزان الحكمة، ج 3، ص 464.
(5) أصول الكافي، ج 2، ص 271.
(6) نفس المصدر السابق، ص 269.
(7) أصول الكافي، ج 2، ص 273.
(8) نفس المصدر، ص 217، بحار ج 73، ص 329.
(9) بحار الأنوار، ج 73، ص 360.
(10) أصول الكافي، ج 2، ص 271.
(11) أصول الكافي، ج 2، ص 272.
(12) أصول الكافي، ج 2، ص 269.
(13) أصول الكافي، ج 2، ص 272، إلى 275 و 445 و 446.
(14) سفينة البحار، ج 2، ص 43 44.
(15) عقاب الأعمال للشيخ الصدوق، ص 311، وسفينة البحار، ج‏2، ص‏44.
(16) مجمع البيان 10، ص 423.
(17) عقاب الأموال للصدوق، ص 260.
(18) مجمع البيان، ج‏1، ص 594.
(19) وسائل الشيعة، ج‏11، ص‏513.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع