نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

سرّ قوَّة شهداء المقاومة الإسلاميِّة

السيِّد هاشم صفيّ الدين


إن الشهادة في الإسلام تكتسب قيمةً خاصةً في عمق ومدى التعبير عن مستوى الإيمان بالله والاندماج للذات المؤمنة بروح الرسالة ومتطلباتها حتى غدت في الثقافة الدينية مقاماً لا يناله إلا ذو حظٍ عظيم على قاعدة الحديث القدسي المروي ".. فوق كل ذي بر بر حتى يقتل المرء في سبيل الله فليس فوقه بر" أي اصطفاه وجعله من الموفقين للسير في طريق الجهاد والذي جعله لخاصة أوليائه وصولاً إلى مرحلة البذل والتضحية في سبيل الله تعالى..

*الشهادة قبل الحسين عليه السلام وبعده‏
مع كل ما لهذا المعنى من أثر في تكوين الرؤية الإيمانية والتاريخية والقرآنية للإنسان المؤمن الرسالي فإن ما جسّده الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء فاق هذا المعنى بعد أن شمل كل أبعاده وأضفى على مفهوم الشهادة قيمة إضافية وأبعاداً تطال كل المفردات الفكرية والروحية والعملية، فانتقل المفهوم إلى مصاف المدرسة الكاملة والرؤية الجهادية التي تقوم على أساس البذل والتضحية، بدل أن يكونا مجرد غايتين هامتين في مرحلة من مراحل الإيمان. إذاً الجهاد والاستشهاد قبل الحسين بن علي عليه السلام كانا غايةً وتوفيقاً ومقاماً، وهذا بحد ذاته أمر عظيم وبعد كربلاء أصبح الجهاد والاستشهاد بدايةً ومنطلقاً للمؤمنين التائقين للحرية وتحقيق العزة للدين والأمة بوحي الإباء والرفعة والسمو الإيماني الذي لا يقبل أن يجاري الظالم، أو يتعايش مع موبقاته، بينما الخطر قائم على الرسالة جوهراً وشكلاً كما قال الإمام الحسين عليه السلام: "ومثلي لا يبايع مثله".

*العلاقة بين الحسين عليه السلام والشهداء
من خلال هذه الإطلالة يمكننا أن ندرك طبيعة العلاقة الخاصة بين الإمام الحسين عليه السلام والشهداء الذين سعوا بإخلاص وتفانٍ للالتحاق بركب السائرين على نهج الجهاد والاستشهاد، وقد يتخيل البعض أن هذا المعنى الوجداني المأخوذ من الزخم العاطفي والبكاء في مجالس عاشوراء لا يكفي لوحده لإرساء قواعد منهج سلوكي وعملي لبناء المشروع الرسالي، إلا أن هذا التخيل ليس في محله على الإطلاق، وذلك لأن هذا الانتماء الوجداني يتضمن المقدمات والمواقف الشرعية والفكرية التي أسس الإمام الحسين عليه السلام مدرسته الاستشهادية عليها، مضافاً إلى أن المقصود من الاقتداء بالنهج هو السمو والتعالي في الدفاع عن الإسلام وقيمه إلى أعلى المراتب، حيث يشكل هذا الارتباط الوجداني غاية التعبير عن الصدق في نصرة الرسالة ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (الأحزاب: 23).

إن التمسك بهذا النهج الحسيني كان الوسيلة الضامنة طوال التاريخ الإسلامي لعدم انحراف الأمة ولعل هذا الدافع لوحده كان كفيلاً بإيجاد القدرة الهائلة في الأمة على الممانعة والمقاومة ورفض الظلم. هكذا هي بداية العلاقة الفريدة بين قافلة شهدائنا الأبرار في المقاومة الإسلامية وبين أمامهم وسيدهم أبي عبد الله الحسين عليه السلام، إنها علاقة ارتكزت عقائدياً على مفهوم الإمامة والقدوة والأسوة، لكنها على مستوى الوظيفة العملية كانت علاقة المحب والعاشق. إن مفاهيم كربلاء شكلت في وجدان مجاهدي المقاومة الينبوع المتدفق لحفر معاني الآباء والإيثار والشجاعة ورفض الظلم. إن هذا الحضور الحي والمتجدد لقيم كربلاء يولد في المجاهدين القدرة على مواجهة الطغاة والمحتلين مهما كانت إمكانياتهم. فالمظلومية ليست مدعاة للانكفاء والنكوص بل فيها كل الدواعي للقيام والثورة والعمل والاستعداد للمواجهة، طالما أن الذي يحضر في المعركة هو المبدأ والقضية والدفاع عن الحق. كما أن الخلود الذي حققه الإمام الحسين عليه السلام بالدماء والصبر يثبت بشكل قاطع أن الدم ينتصر على السيف ولو بعد حين، إذ إن الذي يقاتل انطلاقاً من مبدأ ومن أجل رضوان الله تعالى قد يُظلَم أو تشوَّه حركته أو يتعرض للتعذيب والتنكيل، لكن الذي ينظر إلى تجربة الإمام الحسين عليه السلام يعلم أن النتيجة لصالحه حتماً من زاوية نصرة المبدأ والقضية.

*ثقافة الشهادة من كربلاء
إن إلقاء الخطب الرنانة والتحدث عن بطولات سيد الشهداء في زمن الرخاء أمر لا يتطلب عناءاً إضافياً وهو سهل وعادي، لكن الامتحان في صدق الولاء يتجلى في الأيام الصعبة حين تجد نفسك محاصراً بجيوش يزيد ترافقها الحملات الإعلامية والمضللة من أجل قلب الحقائق وجعلك محاصراً في مثل هذه الأحوال يصبح التمسك بالنهج الحسيني أمراً مكلفاً يحتاج إلى ثبات وإيمان وشجاعة، هذه الحالة تعكس الظروف الصعبة والشائكة التي مر بها المجاهدون في بداية انطلاقة المقاومة الإسلامية بعد أن أطبقت الدنيا بجيوشها وغزا المحتل بلدنا وهو يمتلك أكثر الجيوش تدريباً وتسلحاً في المنطقة، بينما كان المطلوب من المقاوم أن ينهض بالإيمان فقط ليغير المعادلة. فيا ترى ما الذي سيعينه ويقويه ويعطيه الأمل بالنصر بين كل هذا الركام من الهزائم والفظائع؟ إنها روح الاستشهاد المستلهمة من كربلاء ومن روح المقاومة والتصدي والمواجهة التي جسدها سيد الشهداء عليه السلام. إن قرار المقاومة المضي في هذا النهج الجهادي الحسيني احتاج إلى عشاق صادقين للشهادة لا يستوحشون طريق الهدى لقلة سالكيه، والأهم بالنسبة إليهم هو أداء التكليف بغض النظر عن النتائج المادية التي يعيرها الناس اهتماماً خاصاً في مثل هذه الأحداث، أفلم يقاتل سيد الشهداء مع قلة قليلة وفي ظل حصار وجيوش مجهزة؟ وهل كان ينتظر الإمام الحسين عليه السلام إلا ساعات ليلقى ربه مضرجاً بدمه؟!

هذه المشاهد تم استحضارها بقوة، وتسابق المجاهدون لتحصيل اللقاء والمسارعة للالتحاق بركب سيد الشهداء بعد أن تمكنوا من الصياغة الكربلائية لمعركتهم مع العدو الإسرائيلي فالمواجهة شرعية بشكل قاطع، إذ أن الذي يقودها هو الولي الفقيه، وهي في الأساس دفاع عن الوطن والأمة والمقدسات، كما أن العناصر المكملة للمفهوم الكربلائي كانت موجودة فبالنتيجة نحن في محضر سيد الشهداء عليه السلام والأداء الطبيعي يجب أن يكون (لبيك يا حسين) نعم بهذه البساطة سرت ثقافة الشهادة والتوق إليها، وكانت الدماء التي تسقط من أي شهيد سبباً للمزيد من الإقدام والإصرار والاستمرار، وأصبحت العائلة التي تستقبل شهيدها بفخر واعتزاز لا تقبل إلا بكلمة (مبروك الشهادة لابنكم) بدل عبارات العزاء المتعارفة في مناسبات الحزن..

*سر قوة الشهداء
في بلدٍ كلبنان ربما لم يكن يتصور أحد أن تنمو ثقافة الاستشهاد الكربلائي كما حصل في تجربة المقاومة الإسلامية، لأن الموضوع يستحيل عادة أن يوجد دون إرهاصات وثقافات وتاريخ، وإن هذا الأمر بحد ذاته هو احد الشواهد الحية والقوية على قدرة النهج الحسيني على اختراق أي واقع والتغلغل في قلوب أبنائه ليصنع منهم تجربة فريدة تتجاوز حدود الزمان والمكان. من منظار هؤلاء الشهداء كانت عبارة الإمام الخميني قدس سره قد ملأت آذانهم واستقرت في قلوبهم حينما كان يقول: "كل ما عندنا من عاشوراء"، وإن أهم ما في عاشوراء هو سيد الشهداء ليصبح في نظر المجاهدين الرمز الأعلى والأسوة الحسنة الجديرة بالإتباع، وهو مصدر الإلهام للشباب المجاهد الطامح للدفاع عن القيم والأمة من موقع الإيمان والصدق والإحساس بضرورة المشاركة في كربلاء، فإن كان الزمن قد فات لما حصل مع الإمام الحسين عليه السلام، فإن استحضار الموقف في اللحظة الراهنة ليس أمراً مستحيلاً، بل هو متاح ومطلوب.

هذا المعنى من أرقى المعاني التي كانت تعيش في قلوب الشهداء وتحثهم على التقدم في هذا الطريق الجهادي من باب الطمع بتحصيل رضى سيد الشهداء، الذي كانوا يرون أنه يقود المعركة بوجه الإسرائيلي المحتل وكل الطاغين، إذ أن العلاقة هنا تتفاعل وتنتج موقفاً وخياراً.. ولأن المقاومة الإسلامية كان سرها في شهدائها، ولأن سر القوة في هؤلاء الشهداء عمق الارتباط والاقتداء بسيد الشهداء أمكننا القول دون أية مجازفة: إن سر القوة في المقاومة الإسلامية هو هذا العشق الحسيني المتأجج في إطار الصدق والموقف، وليس المتراخي في إطار الاستسلام للواقع والهوان كما ربما يتخيل البعض هذه هي الحقيقة الثقافية المتألقة التي اجتمع حولها المجاهدون وأهاليهم وأبناء مجتمعهم لإثباتٍ جديد في تجربة معاصرة تردد الصدى الخالد والمدوي للدماء الزاكية في كربلاء ولتضحيات وصبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وهذه هي الحقيقة الروحية التي تتجاوز الفكرة والقناعة إلى الإحساس الصادق بالانتماء واللحاق الفعلي بقافلة كربلاء، لتكون الدماء النازفة اليوم في لبنان وفلسطين وكل عالمنا الإسلامي حيث المظلومية وحيث الجهاد والمواجهة لأعداء الدين والأمة هي استكمال للمنهج الجهادي الكربلائي وفي الأساس هي استلهام تلك البطولات والمواقف في مقام الجواب العملي عن النداء الحسيني "هل من ناصر ينصرنا.؟ هل من ذابٍّ يذب عن حرم رسول الله!؟".
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع