نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أوّل الكلام: هذه شهادة الحرية

الشيخ يوسف سرور

 



دم الشهادة القاني، الجاري بفعل انطلاق صاحبه من مبادئ الإنسانية الهادف إلى أن يكرّس في الحياة أكمل معاني الإنسانية، هذا الدم هو الذي تمجّده الشعوب والدول، وهو الدم الذي يفخر ذوو صاحبه بسفكه دائماً.لكن، أين هي مبادئ الإنسانية الضائعة، التي يدّعي كل من هو على وجه هذه الأرض التمسك بها، والسعي إلى حفظها والدفاع عنها؟ بالأحرى، ما هو معنى الإنسانية؟... مضمونها؟... غايتها؟... وبالتالي ما هو أصلها؟

من الواضح أن ثمة رؤى متعددة لمفهوم الإنسانية، قد تختلف أحياناً في أصل المبدأ والغاية، ولكن كل هذه الرؤى تقريباً تتقاطع عند أحد أهم مضامين الإنسانية، والذي يشكل امتيازاً بيّناً عن بقية عوالم الكون الحادث، ألا وهو مضمون الاختيار والحرية. من هنا، فإن هناك من رأى أن الاختيار والحرية اللذين هما في أصلهما مضمون ينطلق من مبدأ واحد يمثلان فهماً مطلقاً يستقل الإنسان في تحديدهما وتعريفهما في موقع النظر والإثبات، ويستقل الإنسان أيضاً في بيان حدود تطبيقهما وممارستهما في واقع الحياة، سواءٌ أكان على المستوى العام، أم على المستويات الفردية والشخصية.

بيد أن أصحاب هذه الرؤية استقلالية الإنسان في التعريف والتطبيق أصبحوا أصحاب رؤىً مختلفة في بيان الحدود والغايات، في تطبيق هذا المبدأ وممارسته على مختلف المستويات. إن انزياح المفاهيم والمبادئ النظرية وافتراقها عن تطبيقاتها وممارستها، هو أيضاً مشكلة أخرى تواجه أصحاب هذه الرؤى، وهي مشكلة ترقى إلى فهم أصل الإنسانية. إن أصحاب النظرة الإلهية إلى الوجود، يملكون تعريفاً مغايراً لمعنى الحرية والاختيار في المضمون الإنساني، إذ لا يفصل هؤلاء معنى الحرية والاختيار في هذا المجال عن نفس معنى الإنسانية بما هي بُعد من أبعاد الاتصال بمبدأ الوجود.

وفي نفس الوقت، لا يفصل هؤلاء بين معنى الحرية والاختيار في توصيف أهدافهما، عن غاية الخلق بما هي شأن من شؤون مبدأ الوجود نفسه. من هنا، يسمو البحث في الحرية والاختيار عند هؤلاء الإلهيين إلى ربطه بالمبدأ والمآل. ومن هنا يعتبرون أن الاختيار والحرية بما هما عطاء إلهي للإنسان لا يجوز لأحد مصادرتهما وسلب الإنسان والمجتمعات إياهما تحت أية ذريعة، وفي أي إطار. ويعتبر هؤلاء أيضاً أن كما كان أصل الاختيار والحرية من مبدأ الوجود فإن ممارستهما وتطبيقهما يعود توصيف الحدود والمعايير فيهما إلى مبدأ الوجود. وإذا كانت الشهادة وبذل الدم، والجهاد يأتي في سبيل عتق المجتمعات والأفراد من نير كل ظلم وعسف واستبداد، وفي سبيل تحرير الأرض من كل غاصب، والإنسان من كل أسر بما هو فعل بشري فإن الشهادة بهذا المعنى هي عمل لإعادة الإنسان إلى مضمونه الإنساني الحقيقي، ووصله مجدداً بمبدأ الوجود.

وتكون غاية الشهادة على مستوى الحياة الدنيا عملاً يأتي في سبيل إعادة الإنسان أو تثبيته على طريق الغاية الإلهية المرجوة لأصل الخلقة. بينما غاية الشهادة بالنسبة للأفراد الفاعلين، الساعين إلى تحصيلها، تأكيد الاتصال بمبدأ الوجود في كلٍّ من المبدأ والمآل. هنا، يمكن أن نقارب الفعل الحسيني بكربلاء، بما هو إقدام أفرز كل نتائجه المباشرة، فنعتبر أنه كان سعياً إلى العودة بالإنسان إلى سبيل الإنسانية الذي كان قد كرسه رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وآله، ولكن بعد رحيله عن هذه الفانية، عُمل على حرف مساره ومسير دولته المباركة، طيلة خمسين سنة عجاف، ذاق الناس فيها مرارة القتل والتنكيل والسجن والإقصاء، وكل ممارسات الظلم والقهر، ونالت الرسالة من التحريف والتزييف رفعاً ووضعاً حداً لا يمكن معه الإصلاح والتغيير، والعودة إلى الجادة إلا بسفك أنقى دماء الإنسانية، بما هو محمديٌّ علويٌّ.
 

وإذا كان الإسلام المحمدي قد بُعث لتحقيق معنى الاختيار الإنساني، بل لتحقيق معنى الإنسانية نفسها، فإن الفعل الحسيني جاء من أجل تأكيد ذلك، وهذا معنى قوله أن: الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع