صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

قرآنيّات: ابدأ عملك باسم الله

الشيخ عباس رشيد

 



البسملة -أقصد آية ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ- هي أول آية في القرآن الكريم، ولقد تصدّرت كل سورة من سور القرآن عدا سورة التوبة لأنها تبدأ بإعلان الحرب على مشركي مكّة وناكثي الإيمان، وإعلان الحرب لا ينسجم مع وصف الله بالرحمن الرحيم.

*أهمية البسملة
ونلمس من الروايات الإسلامية أهمية كبيرة لهذه الآية المباركة, وإنها في درجة "الاسم الأعظم الإلهي"، كما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أقرب إلى اسم الله الأعظم من ناظر العين إلى بياضها(1) وفي حديث آخر عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: "أقرب من سواد العين إلى بياضها"(2). وقد عرف عن الإمام علي عليه السلام أنه بدأ يفسّر لابن عباس آية البسملة من أول الليل إلى أن أسفر الصبح وهو لم يتجاوز تفسير الباء منها(3). وهناك مقولة مشهورة لجماعة من المفسرين تقول: إن معاني كل الكتب الإلهية مجموعة في القرآن، ومعاني كل القرآن مجموعة في سورة الحمد، ومعاني كل سورة الحمد في بسم الله، ومعاني بسم الله مجموعة في الباء(4). وتمركز جميع مفاهيم القرآن والكتب الإلهية في باء بسم الله يمكن أن يكون من ناحية كون كل المخلوقات في عالم التكوين، وكل التعليمات في عالم التشريع تستمد وجودها من الذات المقدّسة بحيث أنها علّة العلل لجميع العوالم، ونعلم أن "باء" بسم الله للاستعانة وطلب النصرة من الله(5). وإذا عرف عن الإمام علي عليه السلام أنه بقي من أول الليل إلى أن أسفر الصبح لم ينته من تفسير الباء في البسملة، فماذا عسانا نحن القاصرين أن نعطي من إستفادات تلمّسناها من كتب التفسير.

*الابتداء بالبسملة في كل أمر
الناس ربما يعملون عملاً أو يبتدئون في عمل ويقرنونه باسم عزيز من أعزتهم أو كبير من كبرائهم، ليكون عملهم ذاك مباركاً بذلك متشرفاً، أو ليكون ذكرى يذكرهم به، ومثل ذلك موجود أيضاً في باب التسمية، فربما يسمّون المولود الجديد من الإنسان، أو شيئاً مما صنعوه أو عملوه كدار بنوها أو مؤسسة أسسوها بإسم من يحبونه أو يعظمونه، ليبقى الاسم ببقاء المسمى الجديد، ويبقى المسمى الأول نوع بقاء ببقاء الاسم كمن يسمّي ولده بإسم والده ليحيي بذلك ذكره ولا يُنسى. وقد جرى كلامه تعالى هذا المجرى، فابتدأ الكلام في القرآن باسمه عزَّ اسمه، ليكون ما يتضمنه من المعنى معلماً باسمه مرتبطاً به، وليكون أدباً يؤدّب به العباد في الأعمال والأفعال والأقوال، فيبتدئوا باسمه ويعملوا به، فيكون ما يعملونه معلّماً باسمه منعوتاً بنعته تعالى مقصوداً لأجله سبحانه، فلا يكون العمل هالكاً باطلاً فانياً، لأنه ارتبط باسم الله الذي لا سبيل للهلاك والبطلان إليه. وذلك أن الله سبحانه يبين في مواضع من كلامه: أن ما ليس لوجهه الكريم هالك باطل، وأنه سيقدم إلى كل عمل عملوه مما ليس لوجهه الكريم، فيجعله هباءً منثوراً، ويحبط ما صنعوه ويبطل ما كانوا يعملون، وإنه لا بقاء لشيء إلا وجهه الكريم، فما عمل لوجهه الكريم وصنع باسمه هو الذي يبقى ولا يفنى ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (الرحمن)، وكل أمر من الأمور إنما نصيبه من البقاء بقدر ما لله فيه من نصيب، وهذا هو الذي يفيده ما رواه الفريقان –السنة والشيعة- عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر"(6). وأمير المؤمنين عليه السلام بعد نقله لهذا الحديث الشريف قال: "إن العبد إذا أراد أن يقرأ أو يعمل عملاً فيقول ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فإنه يبارك فيه"(7).

ويقول الإمام الباقر عليه السلام: "... وينبغي الإتيان به عند افتتاح كل أمر عظيم أو صغير ليبارك فيه"(8). وفي رواية أن عبد الله بن يحيى دخل في مجلس أمير المؤمنين عليه السلام وكان أمامه سرير فأمره الإمام أن يجلس عليه فتحطم السرير فجأة ووقع عبد الله على الأرض وجرح رأسه وخرج منه الدّم، فأمر أمير المؤمنين عليه السلام بماء فغسلوا الدّم ثم وضع الأمير يده على الجرح فأحسّ عبد الله بألم شديد في أول الأمر ثم برئ جرحه فقال الإمام عليه السلام: "الحمد لله الذي يغسل ذنوب شيعتنا ويطهرها بالحوادث المؤلمة". فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين لقد نبهتني، أخبرني أي ذنب ارتكبته حتى أصاب بهذا الحادث المؤلم كي لا أعود إلى ذنبي فإن ذلك يسعدني.  فقال عليه السلام: "عندما جلست على السرير لم تقل ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال عن لسان ربّه: إن كل عمل ذي بال لم تبدأ فيه بسم الله فهو أبتر ولا ثمرة فيه". فقال عبد الله: فديتك، لا أدعها بعد هذا أبداً. فقال الإمام علي عليه السلام: "إذاً تحظى بذلك وتسعد"(9). وقال الإمام الصادق عليه السلام: "ولربّما ترك في افتتاح أمر بعض شيعتنا بسم الله الرحمن الرحيم فيمتحنه الله بمكروه لينبّهه على شكر الله تعالى والثناء عليه ويمحو عنه وصمة تقصيره عند تركه قول بسم الله(10).

*البسملة في الكلام والكتابة
من الواضح أن ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الذي هو أقرب ما يكون إلى الاسم الأعظم، ليس المقصود منه جريان ألفاظه على اللسان، فالتلفظ لوحده لا يحل العقد المستعصية ولا يفتح أبواب الخيرات والبركات، بل المراد هو التخلق يعني أن مفهوم ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يجب أن يرتكز في روح الإنسان وباطنه. وينبغي الإنتباه إلى أن التأكيد على الإبتداء بـ"بسم الله" ليس فقط في الكلام وإنما في الكتابة أيضاً كما في كتاب النبي سليمان عليه السلام إلى بلقيس. وفي حديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تدع البسملة ولو كتبت شعراً" ثم ذكر الإمام عليه السلام أنهم كانوا يبدأون رسائلهم قبل الإسلام بعبارة "باسمك اللهم". ولما نزلت الآية الكريمة: "إنه من سليمان وإنه ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم" بدأوا رسائلهم بعبارة "بسم الله". وفي حديث آخر نقرأ أن الإمام الهادي عليه السلام وصّى أحد وكلائه وهو داوود الصرفي الذي قال: أمرني عليه السلام بحوائج كثيرة فقال لي:" قل كيف تقول؟ فلم أحفظ ما قال لي، فمدّ الدواة وكتب ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم اذكر إنشاء الله والأمر بيد الله، فتبسمّت، فقال: ما لك؟ قلت خير، فقال: أخبرني، قلت: جعلت فداك ذكرت حديثاً حدثني به رجل من أصحابنا عن جدك الرضا عليه السلام إذا مرّ بحاجة كتب ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم اذكر إنشاء الله فتبسمّت، فقال لي: يا داوود لو قلت أن تارك التسمية كتارك الصلاة لكنت صادقاً(11). وقد اتفق المؤلفون في السيرة أن علياً عليه السلام هو الذي تولى كتابة صلح الحديبية، فكتب: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فقال له سهيل مندوب قريش لا أعرف من هو الرحمن الرحيم، بل أكتب باسمك اللهم، فوافق النبي على ذلك...(12).

*البسملة في القرآن
وردت في القرآن الكريم ثلاث آيات غير آية البسملة، وهي ترتبط بما نحن فيه.

أ- ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (العلق؛ 1). هذه الآية هي أوّل آية بعد البسملة، وفيها خطاب من جبرائيل الأمين في بداية البعثة للنبي صلى الله عليه وآله عندما احتضن النبي وضمّه وقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، وبهذا فقد بدأ جبرائيل منهاج رسالته عند بعثة النبي صلى الله عليه وآله باسم الله.

ب- ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (هود؛ 41). هذه الآية تتحدث عن قصة نوح عليه السلام عندما حلّت لحظة الطوفان والعقاب الإلهي الشديد على قومه الكفرة الطغاة، وعندما استعدت السفينة للحركة وصدر الأمر لأصحاب نوح الذين لم يتجاوز عددهم الثمانين بأن يركبوا في الفلك قال: بسم الله مجراها ومرساها.

ج- ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (النمل؛ 29-30). هذه الآية تشير إلى أن النبي سليمان عليه السلام بدأ كتابه لملكة سبأ بـ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. من مجموع الآيات المذكورة ندرك جيداً أن ابتداء كل عمل يجب أن يكون "باسم الله"، سواء كان في التعليم والهداية مثل سورة القرآن، أو كان دعاء من العباد إلى الذات المقدسة مثل سورة الحمد، أو بداية البعثة والرسالة، وأول نداء للوحي مثل بداية سورة العلق، أو أنه بداية الحركة للنجاة من الأخطار كما في قصة نوح، أو ابتداء الكتاب كما في كتاب سليمان إلى ملكة سبأ.

*بإسم الله فقط
بما أن الابتداء باسم شخص يعني اعتباره قدوساً، منزهاً عن جميع النقائص ومنبعاً للكمال، وأنه يريد أن ينتسب عمله إلى ذلك الشخص ابتغاء بركته، لذلك لا يصح الابتداء بأي اسم كان. ولهذا فإن الذين يقرنون مع اسم الله اسم غيره،كالطواغيت الذين يضعون أسماء السلاطين والملوك المتجبرين والمتكبرين إلى جنب اسمه سبحانه ويفتحون بها، أو الأشخاص الذين يبدؤون أعمالهم باسم الله والشعب، أو باسم الشعب فقط، فلقد شاع مؤخراً بين الجماعات التي تدّعي مكافحة الشرك أمر هو نفسه من مظاهر الشرك، فبدلاً من أن يبدأوا أعمالهم باسم الله، يقولون باسم الشعب! كل هؤلاء في الحقيقة مصابون بنوع من الشرك. وحتى اسم النبي صلى الله عليه وآله -مع مقامه العظيم وقربه من الله وجهاده فيه- لا ينبغي أن يقرن إلى جنب اسم الله في هذا المجال فلا يقال: باسم الله ونبيّه. ففي حديث عن تفسير الإمام العسكري عليه السلام: أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان جالساً يوماً مع أمير المؤمنين علي عليه السلام فسمعا شخصاً يقول: ما شاء الله وشاء محمد، وآخر يقول: ما شاء الله وشاء علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "لا تقرنوا محمداً ولا علياً بالله عزّ وجلّ". ثم أضاف: "وليكن إذا أردتم فقولوا ما شاء الله ثم شاء محمد، ما شاء الله ثم شاء علي"(13). وهذا هو السر في الأمر بالتسبيح باسم الله الوارد في سورة "الأعلى". يقول الشهيد مطهري: أرى أن خير نظرية بهذا الشأن هي نظرية صاحب (الميزان)، إذ يقول: إن معنى تسبيح اسم الله هو أنه عندما يكون المقام مقام تقديس وتكريم، فينبغي ألا يردف اسم مخلوق باسم الله... إنها شريعة القرآن التي تطالبنا بالتسبيح باسم الله دائماً، والشروع في أعمال البشر باسم الله، لا باسم آخر، لكي تتسم الأعمال بالقداسة وبالبركة(14).

*كتابة البسملة والوضوء
من المؤسف أن بعض الأفراد خشية أن تقع بعض كتاباتهم بأيدي أفراد غير متوضئين مثلاً، يمتنعون عن كتابة ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في رسائلهم. والحال أنه لا ينبغي لنا أن نترك "بسم الله" لهذا العذر، لذلك ينقل لنا التاريخ أن أوّل سكة ضربت في الإسلام كانت في زمان "عبد الملك بن مروان" وبأمر من الإمام الباقر عليه السلام وكتب على أحد وجهيها "لا إله إلا الله" وعلى الوجه الآخر"محمد رسول الله" ومن الواضح أن السكّة تقع في يد عامّة الناس حتى غير المسلمين، فلم يكن مراعاة هذا الأمر مانعاً من ضرب السكة(15).


1- تفسير البرهان؛ج1؛ ص: 41؛ ح2؛ و9.
2- تفسير البرهان؛ج1؛ ص: 41؛ ح2؛ و9.
3- التفسير الأمثل؛ ج1؛ ص: 25.
4- تفسير روح المعاني؛ ج1؛ ص: 37.
5- نفحات القرآن؛ مكارم الشيرازي؛ ج1؛ ص: 36.
6- بحار الأنوار؛ ج16؛ باب 58؛ نقلاً عن تفسير البيان؛ ج1؛ ص: 461. انظر أيضاً تفسير الميزان؛ ج1؛ ص: 15.
7- بحار الأنوار؛ ج92؛ باب 29؛ ص: 242.
8- الميزان؛ ج1؛ ص: 21.
9- بحار الأنوار؛ ج92؛ الباب 29؛ ص: 241.
10- بحار الأنوار؛ ج92؛ الباب 29؛ ص: 240.
11- سفينة البحار؛ مادة "سما"؛ ج1؛ ص: 663.
12- سيرة المصطفى؛ هاشم معروف الحسني؛ دار التعارف؛ ط1990؛ ص: 531.
13- إثبات الهداة؛ ج7؛ ص: 482؛ ح79.
14- معرفة القرآن؛ الشهيد الشيخ مرتضى مطهري؛ دار التعارف؛ ص105.
15- انظر تاريخ التمدن الإسلامي؛ جرجي زيدان؛ ج1؛ ص: 143.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع