نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أمير الحج في كل عام

الشيخ حسين كوراني

 


*أمير الحاج أم الحج؟
ونحن نتجاذب أطراف الحديث، قال: من هو أمير الحج، هذه السنة؟ قلت: أميرَ الحاج تقصد أم الحج؟ أما أمير الحاج فهو من تحدده سلطة موازين القوى والأمر الواقع، وحيث إن "السلطة" فعلاً بيد "بوش" وأضرابه، ومركز قطبها "الأوحد"! خارج حدود دار الإسلام، فإن الحاج في سنتنا كغيرها بدون أمير، فمن أراده الإنقلاب المعاصر على الأعقاب أميراً لا إمرة له، والأمير الحقيقي يرى تراثه نهباً. وأما أمير الحج، أمير قافلة الوجود بإذن ربها، أمير الزمان والمكان والعقل والقلب والحياة، فهو من خلق الله تعالى كل ذلك لأجله، ولولاه لما كان آدم عليه السلام، ولا زيد في الوجود ولا عمرو(1)! أوليس الحج هو القصد؟ أوليس القصد حركة قلب؟ وهل يختلف القصد إلا باختلاف الإختيار؟ بل هل يتحدد أو يتقوم إلا به؟ وهل يمكن الفصل بين منح الله تعالى الإختيار بأجلى صوره للمخلوق الأكرم، وبين "جدوائية" هذا المشروع الإلهي المتقومة بالمصطفى الحبيب محمد وآل محمد صلى الله عليه وعليهم؟ أمير الحج محمد، وأمير العقل والقلب "العقل المحمدي"، وقلبه ونفسه وروحه، وسائر تجليات الحقيقة المحمدية: "كلنا محمد". كائناً من كان أمير الحاج، وسواء في عهد النبوة، وامتداده اليسير في عمر الزمن، أم في عهد الإنقلاب على الأعقاب، إصغ إليه في صلاته المقبولة أو المُكاء والتصدية، ستجده يقول: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أللهم صل على محمد وآل محمد. أمير الحج إذاً حتى لأمير الحاج هو المصطفى الحبيب، وهو صلى الله عليه وآله قد حدد للأمة مرجعها من بعده وركنها الذي تأوي إليه، وقائدها والإمام "بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين". ألا تجمع الأمة على الكثير من الثوابت ومنها ما أسسه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض؟! إن الصلاة بدون الصلاة عليهم حج بلا أمير بل حج مع يزيد، وتَنَكُّرٌ للحسين في مكة لتحمله الغربة إلى كربلاء، فكيف هو الحج بدون معرفتهم التي لا معنى لادعائها بدون تنسم أريجهم في كل منسك من مناسك الحج؟

*أسأل عن أمير الحج!
قال: لا شك في ذلك ولا ريب، ولكني أسأل عن أمير الحج في هذا العام وفي كل عام. قلت: مهلاً أيها العزيز، ففي ما قلته لك وقدمته بين يديك -في البعد العملي- كل الشك وكل الريب! وهو يكشف بجلاء عن شديد اهتزاز البعد النظري.
من كان أمير الحاج عندما غادر الإمام الحسن مكة؟ هل تشي أقوالنا والأفعال بأننا الأمة الوسط؟ هل نستحضر حقاً أننا أمة خير خلق الله تعالى وسيد رسله؟ هل نحج مع رسول الله صلى الله عليه وآله؟ ألخص لك الأمر في خطين عريضين:

أ- ما هو مدى تجديد الحجيج العهد بالحبيب الذي أُمرنا بحبه بما لا يقوى قلب على تحمل أدنى إعراض عنه:
* ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين (التوبة؛ 24).

* "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وتكون عترتي أحب إليه من عترته".
أليس بديهياً أن يبحث المحب عن منزل حبيبه؟ فهل نعرف بيت رسول الله صلى الله عليه وآله؟ هل نعرف أين ولد؟ وأين كان يسكن في مكة عند بدء نزول الوحي في حراء؟ وعندما نزلت سورة المدثر والمزمل؟ وأين كان صلى الله عليه وآله عندما أُمر أن يصدع بما يُؤمر ويعرض عن الجاهلين؟ أين هو دار الأرقم؟ وأين وضعت الصخرة على بلال وهو ينادي: أحدٌ أحد! بل أين كانت شهادة أول شهيدين ياسر وسمية، وأين دفنا؟! أين هو شِعب أبي طالب؟ وأين دار الندوة التي شهدت توثب المولى أبي طالب على عتاة قريش، وتوثب المولى الحمزة دفاعاً عن الوحي والنبوة!؟ وأين كان رسول الله يصلي ومعه المولى أبو الحسن، حين قال عمه الكافل لأعظم يتيم: صِل جناح ابن عمك؟!! أين وقف سيد الرسل طه الرؤوف الرحيم، وهو يأمر نفسه المرتضى أن يزيل الأصنام عن ظهر الكعبة ليتمحض الحج في التوحيد ويتجلى التوحيد بالحج ويتجوهر؟ أين تم دفن اللات والعزى وهبل؟ وما علاقة استحباب الدخول إلى الحرم من باب السلام بمكان دفن هذه الأصنام؟!من أين دخل المصطفى إلى مكة يوم الفتح في الرابع من ذي الحجة؟ من أي باب من أبواب الحرم هب الحرم لاستقباله؟ أين كان منزل المصطفى الحبيب الذي توالت إيذاءات أبي لهب وأم جميل له فيه، حتى نزلت "تبت يدا أبي لهب وتب"؟ أين؟ أين؟ وألف أين، يلخص جوابها سؤال يقول: لماذا نجد في المنطقة الصناعية بمكة شارعاً باسم "أبي لهب"!!!!

*عن أمير الحج أسأل!
* لم يتملك صاحبي أن يخفي ذعره، فتلفت يمنة ويسرة، ولما لم يجد أحداً، قال: ما عن هذا سألت وإن كان هو الحجَّ المضيَّع، والقصدَ المُتَنَكَّب، ولكني سألت عن أمير الحج في هذا العام، وفي كل عام. فقلت: "وتسألني عن زمزم هاك أدمعي"!!! أيها العزيز حاجّاً كنت بالروح أو الجسد، أو بالروح وحسب، لا سبيل إلى المحمدية البيضاء إلا بحبه صلى الله عليه وآله، ولا سبيل إلى حبه إلا بحب أهل البيت عليهم السلام، وليس من المودة في القربى أن يغفل القلب في "ديار الأحبة" عن الوله إلى من عرف موقعه الأثير عند سيد الخلق أجمعين. وللحاج بالخصوص أقول: عرّج على مقابر قريش، وزُر المولى عبد المطلب والمولى أبا طالب وسيدة أمهات المؤمنين خديجة، وافتح في قلبك صفحة نورٍ، عنوانها: حب رسول الله صلى الله عليه وآله، وسطرُها الأول: حب كافله، ولا تُضحك الشيطان عليك، يقنعك بأنك إن كفلت يتيماً فأنت والرسول في الجنة، ولكن كافل الرسول في ذلك الضحضاح المفترى والمزعوم. سلامة العقيدة أولاً، ولا سبيل إليها إلا بحسن اتباع الرسول، أي إبذِر بذرتها المعافاة لتنمو، وستشرق في قلبك أنوار التوحيد لتكتشف بنفسك الفارق الجوهري، الذي يفصل بين الإيمان والكفر. عندها يبلغ القلب معقد الأمل في تقبل العمل، فيؤدي مناسكه، وهو حيث أراد له المصطفى الحبيب أن يكون، في خط طاعة الله تعالى والسير في مدارج رضاه عزّ وجلّ، مع أمير الحاج المؤتم بإمام زمانه.

ب- وعندها يا صاح فقط -وهذا هو الخط العريض الثاني الذي كنت أريد الوقوف عنده- يتاح التعرف على شروط الإئتمام بالنجم الثاقب من أهل البيت الذي هو الأمير المحمدي لقافلة الوجود بإذن الله تعالى، والذي لولاه لذهبت الأرض!
عندها يصبح السؤال عن أمير الحاج أو أمير الحج سؤالاً عملياً لا يدخل في باب الإدعاء المقيت: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (الصف؛ 3).

*الوصول إلى أمير الحج
بعد قرار العقل بإيداع حبة القلب والمهجة للأعتاب المحمدية والعقل الأتم، وإثبات ذلك بالوفاء للمولى أبي طالب بالخصوص، يبقى على من يريد الوصول إلى إمام زمانه أمير الحج والقلب والحياة، أن يُعنى بمنسكين:

1- حب الحسين عليه السلام.
فكما هو العجب لا يكاد ينقضي من الغفلة المطبقة عن الربط بين البيت وبين أهل البيت، كذلك هو العجب لا ينقضي من الغفلة المطبقة على الكثيرين الكثيرين، عن الربط بين روح أي منسك عبادي وبين الحسين عليه السلام. "كلهم نور واحد" إلا أن للإرتباط بالحسين عليه السلام شأناً خاصاً في الوصول إلى رضوان الله تعالى في الصراط المحمدي: "حسين مني وأنا من حسين"! يضاف إلى ذلك أن يوم التروية هو يوم خروج الإمام الحسين عليه السلام من مكة، ويوم شهادة القائدين الكبيرين مسلم وهانئ، وهل يجتمع الوفاء لرسول الله صلى الله عليه وآله والمودة في القربى إلا بمواكبة القلب الدائمة للخطى المحمدية في الطريق إلى محرم وكربلاء. أللهم ارزقنا. يوم التروية حسيني، وليلة عرفة ويومها حسينيان، وليس ورد المؤمن في يوم عرفة إلا دعاء الحسين، في يوم ملوَّنٍ بفردوس الدم الحسيني. أوَيعقل مع ذلك كله أن لا يكون القلب حسينياً، ثم يدعي البحث عن أمير الحج أو الحاج وهو فرع حب رسول الله صلى الله عليه وآله.

2- حمل هم المسلمين.
ألم يقل المصطفى الحبيب سيد الرسل صلى الله عليه وآله: من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم؟(2) لا ينفصل حمل هم المسلمين إطلاقاً عن خفقة القلب مع مظلومية كل مظلوم مستضعف ولو لم يكن مسلماً. فالوقوف مع العدل وضد الظلم لا يتجزأ. ما هو الحال في فلسطين؟ وماذا يجري ضد المسلمين كلهم والبشرية جمعاء في العراق؟ أي معاناة يتجرع غصصها أهلنا في فلسطين والعراق وأفغانستان، وتعصف بهم أهوالها؟ ما هي أخبار هذا الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة كبيرة من الباكستان؟ كيف هي حال هؤلاء المشردين؟ وألف كيف!!

*أمير الحج والحاج
من أحب المصطفى صادقاً، والعلامة حب الحسين، أكثر من حبه لعترته، والعلامة حمل الهم مستسهلاً ما استوعره المترفون، فهو أمير الحاج والحج، بل أمير الجنة! هذا القلب المحمديُّ الذي صاغت كل شغاف قلبه المحمدية البيضاء والعلوية العلياء بإذن الله تعالى، سيجد بلا أدنى ارتياب أنه يقترب رويداً رويداً من خيمة المولى وصي رسول الله الإمام المهدي المنتظر، وإن لم يعرفها، بل ربما وجد أن الإمام بكرمه المحمدي الإلهي قد بسط عليه غامر حنانه واللطف، وخاطب قلبه! وربما وفق المؤمن للمزيد، فالله تعالى وأولياؤه عادتهم الإحسان إلى المسيئين. منه تعالى ما يليق بكرمه ومني ومنك ما يليق بضعفنا والطين.

* روي عن محمد بن عثمان العمري -رضي الله عنه- أنه قال: "والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه". وروي عن عبد الله بن جعفر الحميري أنه قال: "سألت محمد بن عثمان العمري -رضي الله عنه- فقلت له: رأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال: نعم وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول: "أللهم أنجز لي ما وعدتني" قال محمد بن عثمان -رضي الله عنه وأرضاه: ورأيته صلوات الله عليه متعلقاً بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول: "اللهم انتقم لي من أعدائك""(3).

* ينبغي للحاج بشكل خاص، أن يعيش قلبه مع وصي رسول الله صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف. وفي ربى عرفات أصغر منطقة جغرافياً يجزم المؤمن بوجوده فيها مع إمام زمانه، باب الإتصال برسول الله وبالله تعالى. وفي بعض المنقولات المعتبرة نقلاً عنه عليه صلوات الرحمن أنه يزور خيم الحجاج، وأن للعزاء في عرفة ولخصوص ذكر عمه أبي الفضل العباس، موقعاً خاصاً لديه سلام الله تعالى عليه. لا حج بدون معرفة الإمام، فهو باب حطة المحمدي، ومن عرف إمام زمانه أمكنه أن يعرف الفرق بين أمير الحاج وأمير الحج.


1- الشيخ الصدوق؛ معاني الأخبار؛ 54، و السيد ابن طاوس؛ اليقين؛ 426، و الحاكم النيسابوري؛ المستدرك؛ 2؛ 615، و ابن حبان؛ طبقات المجدين بأصبهان؛ 3؛ 278.
2- الكليني؛ الكافي؛ 2؛ 163.
3- الشيخ الصدوق؛ من لا يحضره الفقيه؛ ج: 2؛ ص: 520.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع