نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قرآنيّات: مناسبات الآيات: ﴿...فَزَادَهُمْ إِيمَانًا... ﴾

الشيخ عمّار حمادة

 



ذكر علي بن إبراهيم في تفسيره(1)، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأصحابه مباشرةً بعد انتهاء معركة أحد، التي شارفوا فيها على الهزيمة: هل من رجلٍ يأتينا بخبر القوم؟ يعني قريش؛ فلم يجبه أحد من المسلمين، فقام أمير المؤمنين علي عليه السلام، وقال له: أنا آتيك بخبرهم يا رسول الله؛ فقال له صلى الله عليه وآله: إذهب إليهم وانظر فإن كانوا قد ركبوا الخيل وجنَّبوا الإبل فإنهم يريدوننا، وإن كانوا قد ركبوا الإبل وجنّبوا الخيل فهم يريدون مكة. فمضى أمير المؤمنين عليه السلام، على ما به من الألم والجراح التي تلقاها في دفاعه الباسل عن رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى أصبح قريباً من القوم فرآهم قد ركبوا الإبل وجنبوا الخيل، فعاد وأخبر النبي صلى الله عليه وآله بذلك.

أمر الرسول صلى الله عليه وآله أصحابه بالعودة إلى المدينة، ولدى وصولهم إليها نزل جبرائيل عليه وقال له: يا محمد صلى الله عليه وآله إنَّ الله عز وجل يأمرك أن تخرج -يعني إلى الحرب- ولا يخرج معك من أصحابك الا من كان به جراحة وشارك في أحد. فأقبل المسلمون يكمدون جراحات بعضهم البعض ويجهزون أنفسهم للخروج قائلين: شهدنا أحداً وعدنا جرحى وما لنا دابة نركبها فوالله على ذلك لا تفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وآله. فأنزل الله تعالى الآية: ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴿104﴾(النساء). فخرج المسلمون حتى بلغوا حمراء الأسد(2)، فمر بهم قومٌ من خزاعة بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وآله عهدٌ فكلَّمهم الرسول صلى الله عليه وآله وتناجوا برهةً فخرجوا من عنده وساروا باتجاه مكة. لما التقى قوم خزاعة بجيش المشركين بالروحاء سألوهم عن بغيتهم فقالوا: قد أصبنا أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وقادة جيشه وأشراف جماعته ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم ونريد الكرة عليهم. فقال لهم الخزاعيون: إنَّ محمداً قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمعٍ لم يُرَ مثلُه، يتحرقون عليكم تحرقاً وقد اجتمع عليه من تخلف عنه في أحد. حينها خاف المشركون وانثنوا إلى مكة مذعورين، وفي طريق عودتهم مرَّ بهم ركب من قيس(3)؛ فقال لهم أبو سفيان: هل أنتم مبلِغون عني محمداً رسالة أرسلكم بها إليه وأحمِّل لكم إبلكم هذه زبيباً غداً في عكاظ(4) إذا وافيتمونا؟ فقالوا: نعم لك ذلك. قال: إذ جئتموه أخبروه أنَّا قد أجمعنا الكرة عليه وعلى أصحابه لنستأصل بقيتهم. فلما مروا بالرسول صلى الله عليه وآله أخبروه بمقالة أبي سفيان. ولما سمع المسملون ذلك قال أكثرهم ﴿..حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴿173﴾(آل عمران)، وثبتوا بانتظارهم، فلم يأتوا, عندئذ عادوا إلى المدينة ظاهرين على عدوهم بعد أن أدخلوا الرعب على قلبه.

فأنزل الله الآيات: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ﴿172﴾ ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴿173﴾ ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴿174﴾(آل عمران). هذه القصة التي ينقلها أهل التفسير على أنها مناسبة نزول هذه الآيات الشريفة هي الظرف الموضوعي الذي أحاط بالأحداث حين نـزولها على قلب الرسول الله صلى الله عليه وآله,وهي إذ تعبد لنا الطريق إلى معانيها المباشرة فإنها تقدم لنا بعض الإشارات إلى المعاني السامية الأخرى التي يمكن استفادتها منها وان بشيء من التحليل. هي محاولة نسعى من خلالها لسبر أغوار هذه الآيات الشريفة لاستخراج الثمين من اللآلىء المكنونة بين أحرفها النورانية بالخصوص تلك التي يمكن أن نرصع بها جبين عصورنا الحاضرة وأيامنا الجارية؛ فهذه الآيات تتحدث عن واقعنا بنفس الدرجة التي تروي بها أخبار تلك الثلة الطاهرة التي رفعت للإسلام بنياناً على أعمدة الصبر واليقين، والجهاد والشهادة. سوياً نبحر، بسفينة الفكر والتدبرُّ, في يم كلمات هذه الآيات لنطل من أعالي صواريها المشرعة على أيامنا التي تشابهت مع تلك الأيام الغابرة زماناً والحاضرة وجداناً وتجربة, فنشرع بشرح الغريب من مفرداتها.

*توضيح بعض النكات:
في الآيات الشريفة مجموعة نكات مهمة نتعرض لها بعنوان التدبُّر و فهم الآيات بما ينسجم مع زمننا الحالي,وأهم هذه النكات:
أولاً: حرص الرسول صلى الله عليه وآله على تتبع أخبار العدو حتى بعد انتهاء المعركة عملياً، حيث نرى أنّه أرسل علياً لمعرفة ماذا يدبر هذا العدو، وهل هو عائد إلى بلده أو يخطط لشيء ما؟

ثانياً: معرفة الرسول صلى الله عليه وآله بتكتيكات الحرب واستفادته من هذه المعرفة للحدس بما يريد العدو، فهو يعلم أنًّ المحارب إن كان راكباً على فرسه فهو ذاهب للإغارة، لأنَّ الخيل أقوى في المناورة وأسرع من الإبل، أمَّا إن كان راكباً على ناقته فهو عائد إلى بيته، لأنَّ الناقة أسلس في السير وأكثر راحةً لراكبها من الفرس.

ثالثاً: وهي أغرب نكتة في القصة وأكثرها إثارةً للأذهان، فبعد العودة إلى المدينة من أحد وقبل إبلال الجرحى والإستراحة من نصب الحرب وتعبها أمر الرسول صلى الله عليه وآله المسلمين بالتجهز والعودة إلى ساحة المعركة مشترطاً أن لا يخرج معه إلا الجريح أو الذي شارك في أحد. ولعل في ذلك إمتحاناً لطاعة الأصحاب وإخلاصهم من ناحية، وتأسيساً لمنهجية جديدة في التعاطي بين القيادة والقاعدة، تفهم منها هذه القاعدة أن مصلحة الرسالة تقف على رأس سُلم الأولويات وان الحفاظ عليها يحتاج إلى الهمم العالية، والتضحيات الجسام، والقفز عن صغائر الأمور وسفاسف القضايا المرتبطة بالدنيا من قبيل التعب وقلة الزاد وفقد الراحلة وجراحة البدن.

رابعاً: الإهتمام الفائق، من قبل الرسول صلى الله عليه وآله، بالبعد النفسي للمعركة، أو ما أصبح يُعبَّر عنه بـ (الحرب النفسية) في أيامنا هذه. حيث قام الرسول صلى الله عليه وآله بتوظيف علاقاته في استراتيجية تخويف الأعداء وإدخال الرعب في قلوبهم ,و بإرسال رسالة "ملغومة" إلى أعدائه كانت كفيلة بثنيهم عن مرادهم وتصوير الأمر لهم على عكس ما هو في واقعه.

خامساً: الإستفادة من الظرف الزماني والنفسي لتجديد الميثاق مع الأتباع. ولمعرفة ردود أفعالهم ومقدار وعيهم لقوتهم الذاتية ولأسس الرسالة التي يقاتلون من أجلها. فقد ترك الرسول صلى الله عليه وآله المجاهدين ليسمعوا مقالة ركب قيس -مع أنَّه كان باستطاعته منعهم من سماعها أو كشف زيفها وكذبها- ليرى هل يفرون أم يثبتون ويصدقون فيما عاهدوا الله عليه ويتوكلون عليه ويسلمون أعناقهم ومصائرهم إليه؟

*الإستفادات المعاصرة:
هذه الآيات وإن كانت تتحدَّث عن حقبة حساسة جداً من حياة المسلمين، حيث كانوا حديثي العهد بالرسالة وبالجهاد والتضحية، إلاّ أنَّ لهجتها يمكن أن تكون عامة تشمل كل زمان ومكان فيه مؤمنون يدافعون عن دينهم وأعداء في مقابلهم يجيشون عليهم كلَّ ما استطاعوا من جنود إبليس من الناس وغيرهم، مستعملين شتى أنواع المكر والخداع. وكأنها تقول للمسلمين: أيها المؤمنون بالرسالة الإلهية إذا جاءتكم أبواق الأعداء لتصوَّر لكم أنَّ أهل الدنيا جميعاً قد تحالفوا عليكم لقتالكم وأنَّ دولاً وأمماً قد أعدت عديدها وعدتها لمبارزتكم فتأسَّوا بأبطال صدر الإسلام وارجعوا إلى حقيقة إيمانكم لتجدوا أنَّ الناصر الحقيقي هو الله وأنَّه نعم المدبِّر للأمور وهو الذي لا يخذل من نصره ولا يترك من آمن به وتوكل عليه. وفي بعض الأحيان قد تتخذ هذه الحرب منحىً أشد مكراً، إذ قد تجتمع الأمم -لا لتقاتل المؤمنين,خاصة إذا كانوا رجال حرب -بل لتقول لهم إنكم تمثلون التخلف والهمجية,ودينكم يمثل القوة والإرهاب, أما باقي الأمم فتمثل الحضارة والحوار، وعقائدها تدعو إلى النجاح والحرية، وتقوم آلتها الإعلامية بتصوير الأمر على نحو يشعر معه كل من لا ينتمي إلى خطها بالحقارة والضعة,فيصبح طامحاً للوصول إلى مستواها, الذي هو أعلى شأناً منه, فيسعى إلى الالتحاق بركبها, وهكذا تتحقق السيطرة المنشودة لها بدون أي مجهود حربي وإهراق دماء. في معرض المواجهة في هذه الحرب أيضا يبقى منطق الآيات صحيحاً وسارياً, على الرغم من شدة المكر المستتر فيها، إذ ليس على الإنسان في مثل هذا النوع من المعارك إلا الرجوع إلى حقيقة إيمانه وإتباع رضوان الله من خلال إتباع أوامر القيادة الدينية, فما دام الإنسان على الحق فان الإرادة الفاعلة في هذا الوجود هي إلى جانبه، وإذا دخلنا إلى تفاصيل الأمور لوجدنا باطل الأعداء أشد ظهوراً من سطوع الشمس في رابعة النهار، لأنا اتخذنا الحق فرقاناً والدين حكماً. هذا النوع من الحرب النفسية، والذي نواجهه اليوم مع أعدائنا، لا ينفع معه -بحسب الآيات- إلا الحرب النفسية والإعلامية المقابلة التي تنطلق من الثوابت التالية:
1- الحق حق مهما تغيَّر الزمان.
2- وحدة المؤمنين على أنواعها، السياسية والإجتماعية وحتى الفكرية والروحية، من أمتن القواعد التي تنطلق منها المواجهة.
3- الإستعداد الناجع للمعركة يكون بتوطين النفس على التضحية والإمساك بأسباب القوة على قدر الاستطاعة.
الآن نشهد مصداقاً صارخاً لمقولة ﴿...إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ...﴿173﴾(آل عمران) فقد جمع لنا الأعداء -إضافة إلى الجيوش- الإعلام و الديبلوماسية والمؤسسات الدولية والمال والفساد الأخلاقي... الخ ونحن إن أردنا المواجهة فما علينا إلا أن نزداد إيماناً وتقوى وتوكلاً على الله الذي لن يذل المؤمنين ولن يترك أرضه للطالحين يرثونها!.


1- تفسير على بن إبراهيم أحد أقدم التفاسير الروائية عند الشيعة، منسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام.
2- منطقة تقع على بعد ثمانية أميال من المدينة.
3- إحدى القبائل العربية.
4- سوق في مكة يؤمه العرب للتجارة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع