نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

النص المقاوم في منهاجنا التربوي: ميراث الآباء والأبناء

ولاء إبراهيم حمّود

 



على مقاعد الدراسة، تشكل حسّنا الوطني، انتماؤنا الفخور لهذا الوطن. علّمنا كتاب القراءة بلغة حميمة دافئة: "لبنان وطني، فيه نشأت، تحت سمائه ترعرعت، شربت من مياهه، تغذيت من خيراته..." و أفهمنا كتاب الجغرافيا، أن لبنان يمتد تحت أجمل سماء، وأن غربه أحلى بحار الدنيا، و شرقه مهد الشمس الذي تشرق منه على الكون و جنوبه صلة العشق بفلسطين الحبيبة... و هو كله واصل الشرق بالغرب.

من كتاب المحفوظات، ترنمت حناجرنا الصغيرة بقصائد عشقه مغناة، ملحنةً... و طن النجوم أنا هنا حدّق أتذكر من أنا؟.. أنا من مياهك قطرة فاضت مواكب من سنا... أنا من طيورك بلبل غنّى بمجدك فاغتنى... وحده كتاب التاريخ، كان يصيبنا بالإحباط والكآبة، لأنه كان يتعاون مع صخور نهر الكلب -الفنون حاليّاً- في تأكيد مظلومية هذا الوطن الصغير، وتظهير صورته في صفحاته "ملطش عصا" لكل غازٍ من رعاة الهكسوس، الفراعنة القدماء... آشوريين ، بابليين، عثمانيين ولا ننسى... الفرنسيين المنتدبين. كلهم سجلوا على صخور النهر حفريات غزوهم، وقد -وهنا المفارقة- مجّدت كتب التاريخ هؤلاء الغزاة... ووحدهما -على صفحاتها- برز صادق حمزة وأدهم خنجر، وقاوما الانتداب الفرنسي قاتلين، لصّين، قاطعي طريق. وحده النشيد الوطني، كان لازمةً لا ندخل الصف بدونها. ولم يبق منه اليوم في ذاكرة أبنائنا... إلا موسيقاه تصدح دون الكلمات في مطلع كل احتفال. قليلٌ جداً من طلابنا، من يحفظ نصه كاملاً سواءً في الجامعات أو في المدارس. وحده ما زال في ذاكرتنا، أجمل ما حملناه معنا من عهد الدراسة إلى عهد المقاومة... من هنا تبرز إشكالية هامةٌ، حريٌّ بواضعي المناهج المدرسية، و معدّي كتبها، الإلتفات إليها، كي لا نترك لوطننا أجيالاً لا تنتمي إليه إلا شكليّاً، في بطاقة الهوية، لأنها شعورياً و نفسياً تدين بالولاء و الوطنية لصالات الانترنت و الحاسوب، أجيالاً لم تحفظ يوماً نصاً يتغنىّ بالوطن، يمجّد أبطاله، يكرّم علماءه، يقدّس ذكرى شهدائه، الذين سيّجوه بأجسادهم، و رووا ترابه بدمائهم.

*لماذا تغييب المقاومة عن المناهج؟
لا تحتاج أجيالنا منهجية حديثة، رمتها إلينا أوروبا، بعد أن تركتها منذ ثلاثين عاماً، منهجية فارغة من أي حسّ وطني مقاوم. زعم تربويون كبار أن إصدار كتاب تاريخ موحد مشكلة شائكة؛ للخلاف العميق بين الآراء حول أهم أحداث القرن المنصرم فتركوا للمدارس الطائفية، أو للطوائف المدرسية، حرية إصدار كتاب التاريخ الخاص بها. لا ننكر أبداً وجود اختلاف في الرأي حول أسباب بداية الحرب الأهلية، التي كانت عبثاً أسود في تاريخنا، لا نعتزّ به أبداً؛ لأنه لم ينجح في بناء وطن كما فعلت الحركة الجادة المسؤولة، التي نشطت مع مطلع ثمانينات القرن الراحل... "المقاومة". وهنا محطّ الكلام. لِمَ لا ندع جانباً ما اختلفنا فيه، و نلتقي حول ما اتفقنا عليه؟ و قد عذر بعضنا بعضاً في نقاط اختلافية، لا يفترض أن تفسد في الودّ قضّية. لقد أمّنت المقاومة نصاباً اجتماعياً كاملاً في جلسة الثقة المفتوحة على مدار الساعة في أربع جهات الوطن. فلماذا تغييب هذه المقاومة، نصاً أدبياً، وتاريخياً أو مستنداً جغرافياً... عن مناهج التربية والتعليم في هذا الوطن؟ يجب أن نورث أبناءنا، احترام رموز وطننا، و حب شهدائه. يجب أن نعلمهم قراءة الصفحات المشرقة التي أضاءتها المقاومة جهاداً وتحريراً لم يسبقها إليه أحدٌ في تاريخ الصراع من أجل فلسطين منذ خمسٍ وخمسين عاماً. إن أمةً لا تحترم مجاهديها، و لا يعرف أبناؤها شيئاً عنهم، هي أمة ٌ آيلةٌ للسقوط، لأنها تقف بأبنائها على حافة الهاوية، هاوية الخواء النفسي، الذي تبرز مظاهره في الاستسلام السريع، المريع... لأول غازٍ طامع، محتل، و في التاريخ شواهد.إن تاريخ الأمم الأخرى ببطولاته، راسخ في نفوس أبنائه، عارٌ علينا، إن لم يحفظ أبناؤنا صفحات تاريخهم الحديث المشرق ببطولات مقاوميهم. ألا يتسع كتاب التاريخ لدرس واحد تحت عنوان "الإستشهاديون في بلادنا" و تبدأ اللائحة بفاتح عهدهم "أحمد قصير" و تنتهي عند آخر كوكب استشهادي قبل التحرير "عمار حمود". و من يختلف معنا في أدلة الصوت و الصورة الموثّقتين؟. أليس من العيب و العار أن تكبر أجيالنا، و هي تحفظ الأغاني المجنونة عن ظهر قلب و لم تسمع يوماً بالنشيد الوطني إلا من خلال مظاهرات ساحة رياض الصلح مؤخراً...؟ أليس من المؤلم حقّاً، أن أجيالاً ستأتي و هي تجهل تضاريس خارطة الوطن المقاوم... فلا تعرف موقع الدبشة، و لا الجبل الرفيع، أو جبل الريحان، لكنها تعرف من خلال أفلام الرعب و رعاة البقر الأميركية (كاوبوي) كل مناطق الشمال الأميركي... أو مدن ولاية تكساس و أريزونا و نيويورك؟؟ حول هذه المقاومة الشريفة المجيدة، وأبطالها الأبرار، التقت آراء الأغلبية الساحقة من أبناء وطننا، مفكرين، أدباء، شعراء، فنانين... لقد أنتجت هذه المقاومة تحريراً عظيماً، واكبه نتاج فكري مميز، أدبي، إعلامي، فني، و هذا النتاج لا يحمل صبغة طائفية، انه لكل الوطن ومن كل أبناء الوطن. وما علينا إلا أن نبحث عن هذا النتاج، و نخلده في كتبنا المدرسية وقلوب وعقول تلاميذنا. و من يبحث يجد، ومن يمشِ يصل لكي يأخذ النص المقاوم مكانه الطبيعي في مواد منهاجنا التربوي كافّة.

*دعوة مفتوحة لمعدّي المناهج المدرسية؟
يحرص الإسرائيليون في تدريس مادة الرياضيات مثلاً على زرع بذور الحقد على العرب فيطرحون المعادلة التالية لشرح أحد المفاهيم الرياضية كالطرح مثلاً: هجم جندي إسرائيلي على موقع فيه خمسون عربياً... فقتل منهم ثلاثين، كم عربياً بقي؟، و تعنى صياغة المسألة بالأبعاد النفسية لعمر التلاميذ، فيحرص واضعها على دفعهم إلى الإيمان بقوة جيشهم و تفوقه عبر استعمال نعوت ٍ تحقّر العربي، وأرقام تبرز ضعفه إزاء قوتهم. تشير هذه المسألة إلى أن عدوّنا يرى في التربية المدرسية، سلاحاً هاماً... لماذا لا نراه كذلك؟ لماذا يجب أن تكون الغربة قدر الطالب اللبناني عن تاريخ بلده المعاصر، المشرق بانتصار القرن العظيم وعن أدبه المقاوم... هذه الغربة المفروضة على المنهاج التربوي، الذي يقدّم إلى طلابنا جثةً هامدةً لا روح فيها، إذا ما خلا من مادة تبني فيه الإنسان، شجاعاً، جريئاً قد اكتسب قيماً رسالية، إنسانية، من نصٍ يعنى بهذه الجوانب، في نتاج تجربة إنسانية فريدة، هو نتاج المقاومة. لماذا غزت الآداب العالمية وحدها منهاجنا التربوي، واتخذت بعض الروايات صفة القداسة المدرسية؟ فلا مكان لرواية أخرى في الصف الأول الثانوي قرب رواية "آنا كارنينا" أو "آلام فرتر"؟ هل يفتقد أدبنا العربي أو الإسلامي رواية تكتمل فيها العناصر الأدبية فلا تستحق من طلابنا أن يفهموها قراءة وتحليلاً؟؟ لا بدّ من الإشارة هنا إلى أن انتشار المدارس الإسلامية حاول سدّ ثغرة بسيطة في هذا المجال... حيث نشط البحث عن المعلم الرسالي، الذي يفترض أن يمتلك مخزوناً ثقافياً وان يحمل همّ التبليغ و نشر الثقافة المقاومة، الذي يستطيع القفز به عبر نوافذ المواد العلمية أو الأدبية، إلى نفوس طلابه، و لكنها ثغرة تحتاج إلى كتاب رسالي يتضمن نصاً أدبياً أو علمياً يستوحي إنجازات المقاومة... وهذا ما يجب أن يسعى إليه القيّمون على وضع المناهج التربوية وعلى الاهتمام بنشر "التعليم-التعلّم" المقاوم. عبر نصٍ لا يكتفي بشواهد لغوية سريعة، كنا نلجأ إليها في شرح قواعد اللغة العربية، في محاولة بدائية من التأسيس لعلاقة حميمة بين تلاميذنا على مقاعد الدراسة و مجاهدينا على تلال المقاومة... إننا نحتاج -ونستطيع لو سعينا- لمادة التاريخ (أحداث جهادية) و الجغرافيا (ساحات المواجهة المظفرة) و الرياضيات... والعلوم على اختلافها... نفتح صفحات كتبها، لشرح جهاد المقاومين و إغناء وجدان تلاميذنا و عقولهم به؛ لأنهم غد من امتنا ونجوم مستقبلها المحتاج حتماً لقيم المواجهة التي تمحو من تاريخنا صفحات سوداء، تستبدلها بأخرى ناصعة بيضاء. علينا أن نعي جيّداً أهمية اعتماد طرح النص المقاوم في أسئلة الامتحانات الرسمية، في مسابقة اللغة العربية و آدابها، لأن الرهبة التي تفرضها هذه الامتحانات ترسخ في النفوس الناشئة مفاهيم هذا النص، بعد أن يكون حتماً قد أمعن في تحليلها و قراءتها. و الموارد كثيرة في هذا المجال، نستطيع الاستفادة، من خطب قياديي المقاومة، في مناسبات الانتصار الآتية مع تأبين شهدائها أو في المناسبات الدينية، كيوم العاشر من محرم أو يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان أو... هي دعوة مفتوحة لمعدي كتب المنهاج التربوي ودور النشر المدرسية، كي تسمو أهداف الدراسة، وترتقي بجمال مضامين النص المقاوم المقومات النفسية لأجيالنا الآتية، كي لا يعجزنا السؤال غداً: "ماذا تركتم لنا من إرثٍ حضاري؟ هلاّ تركتم لنا على الأقل ما تركه آباؤكم لكم، من ولاءٍ لهذا الوطن؟؟

أضيف في: | عدد المشاهدات: